رئيس التحرير: عادل صبري 06:35 مساءً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

في مصر.. جماعة "التفكير في الهجرة" تعود من جديد

في مصر.. جماعة "التفكير في الهجرة" تعود من جديد

ليلى حلاوة 19 أغسطس 2013 11:02

كلما حادثت شخصا أعرفه لأستمد منه أملا أو حلما جديدا في وطني، باغتني بقوله: "لا مجال سوى للهجرة، مفيش فايدة، البلد ضاعت، عليها السلام، لسه قدام البلد كتير لما تفوق مما هي فيه".

أرد في ذهول: ولكن، إذا كنت أنت تقول ذلك، وأنت من شارك في الثورة ومازال يشارك في طرح المباردات وإيجاد الحلول الوسطى للخروج من هذه الأزمات المتتالية.. هل هذا كلام فض مجالس، أم أنك بالفعل قررت أنه لا فرصة أخرى لنا داخل بلدنا ولا مهرب سوى إيجاد مهرب؟
يذهلني مرة أخرى برده: لست وحدي من يفكر في السفر والهجرة، اسألي كذا وكذا وكذا وكذا وكذا.
ثم أذهب لزوجي أقول له: هيا بنا نسافر، الحمد لله أنه أتتك في هذا الوقت بالذات فرصة عمل بالخارج، يرد علي قائلا: تمنيت السفر في وقت سابق، وقد أسافر في وقت لاحق، ولكن الآن لا مجال أمامي سوى بالمكوث في مصر، نحن في مرحلة تحول ديمقراطي ولابد أن أشارك فيه.. هذه بلدنا تحتاج إلينا الآن، لا مجال للهرب.
أحاول اقناعه بالقبول بفرصة السفر، لأن جميع من حولي أقنعوني أنها فرصة لا تعوض، فلم يعد هناك أمل، ولكن هيهات إنه يرفض ويرفض ويقول لن أبيع وطني الآن بحفنة من الدولارات.
من ناحية أخرى يصعب علي حال أولادي: كيف سنربيهم في هذا الجو العصبي؟ وفي أي مدارس سيذهبون؟ وفي أي أماكن سوف أذهب بهم لأرفه عنهم. فالأماكن التي تعودت على السير فيها والتمتع بها تحولت وتلاشت وأصبحت مخيفة.
وهذا ما دفع إحدى صديقاتي إلى السفر بالفعل صباح اليوم الذي تم فيه فض اعتصامي رابعة والنهضة. أخذت بناتها وذهبت، قالت: أريد أن أربي أبنائي في مكان نظيف!.. ألم تعد مصر مكانا نظيفا نربي فيه أبنائنا؟!
ليس بجديد أن يفكر المصريون بالهجرة، فأثناء عهد مبارك كان واحد من كل خمسة أشخاص مهاجرا أو مسافرا من أجل لقمة عيشه، وعقب تولي محمد مرسي الرئاسة، اختار البعض الهجرة أو السفر، وقال البعض الآخر سنترك البلد أربعة أعوام ونعود بعد خروج مرسي والإخوان من الحكم. وكون البعض "جماعة التفكير في الهجرة" التي يقولون على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك: "بنفكر في الهجرة لما بنحس بالغربة في أوطاننا ووسط ناسنا, فبنختار الغربة لإنها بتكون بالنسبة للنفس أكثر عدالة وواقعية". 
وعقب أحداث الفتنة المصرية التي مازالت تدور رحاها حتى الآن كتبت إحدى صديقاتنا أنها قررت تعمل جماعة "التفكير فى الهجرة".
"أنت شايف فعلا إن ماعادش فيه أمل في البلد.. وإنه الأفضل إننا نبحث عن فرصة للهرب خارج مصر؟"
تقول Basma Fouad أنا شخصيا كبسمه: لو كان فيه فرصة لي بره مصر كنت ههرب، حقيقي تعبت من البلد من نكدها وهمومها، حتى لو هشيل همها بره مش هبقى بنفس القدر وأنا هنا ومش لاقية متنفس في الحياة". "المشكله مش في الوضع الحالي وقتامته المشكلة في المستقبل اللي اكيد فيه دم مفيش مفر لازم نبقى واقعيين".
وهناك من يثق ببقايا الأمل فيكتب عمر بدر "أكيد فيه أمل لكن أنا شخصياً مع السفر لمدة ٥ أو ١٠ سنين، علي الأقل الواحد يعمل حاجة مفيدة ويشعر بمردود ما يفعل".
أما منى سليم فقد نستمد منها التفاؤل حينما أكدت "فيه أمل.. وأمل كبير.. اللى بيكمل هو اللى بيلاقي حلمه.. اللى بيقف فى نص الطريق بيخسر كل شىء".
أما بالنسبة للأطفال فليس كما ظن البعض بأن الرحيل هو الحل ولكن مانيفال أحمد تقول: "مش متخيلة إن مهند إبني الي اهتميت أنه ينزل الثورة ويحضرها ويحفرها جواه يقوم سايب البلد عشان مفيش أمل فيتغرس جواه الخضوع وأن التغيير مافيش منه رجاء".
 ربما تأتي فكرة الهجرة خارج الوطن بعدما أوجعنا الوطن أو لنقل بعدما أوجعنا القائمون عليه، ونقتبس هنا أحد كتابات الروائية الجزائرية الجميلة أحلام مستغانمي التي تقول:
"وطن؟ كيف أسميناه وطنًا.. هذا الذي في كلّ قبرٍ له جريمة.. وفي كلّ خبرٍ لنا فيه فجيعة؟.. أوطن هو.. هذا الذي كلّما انحنينا لنبوسَ ترابه، باغتنا بسكين، وذبحنا كالنعاج بين قدميه؟! وها نحن جثة بعد أخرى نفرش أرضه بسجاد من رجال، كانت لهم قامة أحلامنا.. وعنفوان غرورنا".
أما أحمد خيري فيكتب: "كل اللي بافكر فيه إزاي الشعب ده بقى مغيب وظالم وقاسي كده؟ إزاي بقى قتل 100 واحد يومياً شيء عادي وبنرحب بيه ونشجعه؟ الشعب ده ميستهلش نموت عشانه.. ثم ذكرني أحدهم بقصة سيدنا يونس، لما قال إن قومه مفيهومش أمل وسابهم ومشي فربنا عاقبه بأنه سجنه في بطن الحوت عشان يتعلم أنه مينفعش يسيب القضية مهما حس إن مفيش أمل".
نعود للسؤال مرة أخرى.. هل الأفضل أن يبحث الجميع عن فرصة عمل أو فرصة هرب أو هجرة خارج البلاد؟ وهل من الصحيح أن يتم ترك الوطن في هذه اللحظة التاريخية؟
ترد الطبيبة والمستشارة الاجتماعية دعاء راجح في لحظة احباط لتقول: " لما تلاقى أبوك وأمك بيقولوا ليك مايشرفنيش تكون ابننا أو بنتنا لما تلاقى دا من أهلك الى طول عمرك كنت فى نظرهم زينة العيله، زى ماكانوا بيقولوا زمان"، وهذا كله بسبب الخلافات السياسية، لأنهم في جانب وأنت أقرب إلى الجانب الآخر. ماذا ستفعل إذا كان أهلك جميعهم يسبونك ويشتمونك ويتجنبونك أو لا يردون على تليفونك؟..
تقول راجح وهي مغتربة وأسرتها في أحد الدول العربية: منذ أن نزلت إلى مصر وأنا أستشعر الآية القرآنية التي تقول  "وضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم".
عندما يتحول زوجك وهو رجل سياسي، ويعشق العمل السياسي، وكان من مؤسسي حزب "مصر القوية"، وصل به الحال أن يكون مؤيدا تماما للإنقلاب العسكري ويقول أن المصريين للأسف "مش نافعهم إلا البيادة".
وتحكي راجح كأم حكاية ابنها أحمد الذي لم يكن ناجحا دراسيا في مصر بسبب النظام الفاشل، وعندما حصل على التعليم الجيد تميز جدا وحصل على منحه من أمريكا ليكمل هناك دراسته الجامعية. للأسف نحن في مصر نقتل العقل والأخلاق، حتى المشاعر النبيلة تموت، "بلدنا أصبح فيها جفاف عاطفي بعد ما كان معروف أن المصريين عشريين وحبوبين جدا".
 على الجانب الآخر ترى أميرة بدران الأخصائية النفسية أنها هلاوس الهجرة لدى الشعب المصري، وليس التفكير الجدي في الهجرة، فنحن شعب نتحدث كثيرا، لكن أن يأخذ التفكير في الهجرة شكل الإجراءات التنفيذية فهذا شىء مختلف.
صحيح أننا خلال الأيام السابقة والحالية مررنا بظروف غاية في الصعوبة ولا يوجد من لم يحدث نفسه بالهجرة والسفر.. الجميع يقول: "الواحد لازم يسيب البلد ويهج، العسكر لو مسكوها تاني هانسيب البلد". ولكن هذا كله مجرد كلام، إننا كمصريين مررنا بأسوأ من ذلك، فالشعب المصري تعلم فن التحدي، وهو الآن يتحدى كل من يحاول أن يسرق منه ثورته، وهو يدفع الثمن غاليا لا مبالي.
الشعب يتحمل المسئولية بثبات وصمود ليستعيد كرامة العيش التي كان ينادي بها في ثورة 25 يناير. الشعب المصري كسر حاجز الخوف، يقبل على المواجهة بدون تردد يقول لا للعسكر ولا للإخوان. لقد تمت استعادة حريتنا ولم نعد كما كنا ولن نعود لنرضخ مرة أخرى.
لقد تربينا على أنه لكي نحصل على شىء جميل لابد أن ندفع الثمن، لكي ندخل الجنة لابد أن نصلي ونصوم ونذكي ونتصدق ونعبد الله حق عبادته، ولكي ننجح لابد أن نذاكر، وحقنا في حريتنا لن يتم اعطاؤه لنا ولكن لابد أن نأخذه أخذا. وهذا يتطلب دفع الثمن غاليا، لأن الحرية ليست بالمطلب السهل.
ومن يقولون أنهم ينوون الهجرة أو السفر لأنهم زهدوا في هذا الوطن، أؤكد أنه مجرد كلام، إلا إذا بدر من ضعاف القلوب وممن لا يتحملون المسئولية أو أصحاب التدين الانتقائي وأرض الله واسعة، من يفكرون بهذا الشكل أيضا قد يكون ارتباطهم بالأشياء المادية أقوى من انتمائهم الوطني لبلدهم. ولكن هذا تنصل من المسئولية تجاه هذا الوطن.
والأكيد أيضا أن من يفكرون بهذا الشكل هم أقلية وأصحاب مفاهيم خاطئة. وهم أصحاب الدائرة الضيقة الخاصة بمصلحة بيتي وزوجي وأولادي.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان