رصد تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت" الأمريكية عودة "الدولة العميقة" من جديد للظهور في مصر بعد تطورات 3 يوليو، وهي ظاهرة مهدت لها لقاءات جنرالات الجيش المصري مع المعارضة التي مارست تأثيرًا هائلًا على الشارع.
فمع رحيل مرسي، بدأت شخصيات ومؤسسات عهد مبارك في اكتساب نفوذ، واختار الجيش قاضيًا من عهد مبارك رئيسًا مؤقتًا، كما سيُعهد إلى قضاة آخرين تم تعيينهم في عهد مبارك لصياغة دستور جديد للبلاد.
وذكرت الصحيفة إن ثمة اتفاق بين قادة الجيش وكبار مساعدي رموز المعارضة قد تم قبل أشهر من عزل محمد مرسي، كان مقتضاه إنه حال ما استطاعت المعارضة حشد الشارع بما يكفي من المتظاهرين، فإن الجيش المصري سيتدخل ويقوم بعزل مرسي قسرًا.
وهنا، أوضح التقرير إن اجتماعات جنرالات الجيش وكبار مساعدي زعماء المعارضة تظهر العمل بما يعرف في مصر باسم "الدولة العميقة"- والذي يشير إلى مجموعة متنوعة من القوى السياسية والبيروقراطية التي تكونت منذ أمد طويل وتمارس تأثيرًا هائلًا وتهدد عودتها بتقويض الديمقراطية وعملية التحول الديمقراطي.
هنا تسائلت الصحيفة: هل هناك خطرًا من أن يصبح 30 يونيو ثورة مضادة؟ نعم، ولكن يمكن أن يكون هذا التاريخ فرصة لإعادة ضبط مسار التحول الديمقراطي، هذا ما قاله أحد كبار مساعدي عمرو موسى، عضو جبهة الإنقاذ الوطني التي ينتمي إليها محمد البرادعي أيضًا.
كانت قوى المعارضة المصرية ومسئولون سابقون في عهد مبارك قد بدأوا في إصلاح ذات بينهم شهر نوفمبر الماضي، بعد أن أصدر مرسي إعلانا دستوريًا أعطى له صلاحيات واسعة واعتبره البعض استيلائًا على السلطة، ما دفع أحزاب المعارضة للتوحد تحت راية جبهة الإنقاذ الوطني التي يمثلها البرادعي.
وعلى الرغم من أن البرادعي لم يتم الوثوق به من قِبل الموالين لعهد مبارك، إلا أن الإعلان الدستوري الذي أصدره مرسي جعل الفوارق تذوب بين الطرفين، وكان أشد دليلًا على ذلك هو انضمام رموز نافذة التأثير في عهد مبارك إلى جبهة الإنقاذ الوطني، كان من بينها هاني سري الدين، رئيس هيئة سوق المال الأسبق، ومحامي أحمد عز، إمبراطور الحديد في عهد مبارك.
من جهتها، قالت رباب المهدي، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية والمقربة من قادة جبهة الإنقاذ، إن انضمام سري الدين أرسل رسالة قوية لرجال الأعمال الذين كانوا متشككين بشأن الثورة والبرادعي بأنهم يمكنهم الثقة به، مضيفةً أن الجانبين كانوا بحاجة إلى بعضهما البعض، فالمعارضة تحظى بشعبية ومصداقية، بعكس المسئولين السابقين في عهد مبارك.
كما لفتت المهدي إلى أن بعض هؤلاء الذين انضموا للجبهة كانوا ممن استمروا في نهج سلوك الدولة العميقة، فهم الذين يعرفون بلطجية الانتخابات وكيفية تأجيرهم، ويعلمون مدراء القطاع العام، الذين لديهم شبكات واسعة من الموظفين.
والخلاصة أن اللقاءات السرية بين الجيش وأحزاب المعارضة العلمانية كانت عاملًا رئيسيًا في تغيير قواعد اللعبة السياسية وأدت إلى رحيل مرسي، كما شكلت تلك اللقاءات تقاربًا غريبًا من نوعه بين مجموعتين لطالما كانتا على نقيض، هما المعارضة المصرية وبقايا نظام مبارك، حيث تعود تلك العداوة إلى 30 عامًا من ديكتاتورية محمد حسني مبارك، الذي عمل على الاستعانة بالأجهزة الأمنية لقمع المعارضة.
واليوم، تنعكس الصورة، وتتحد قوى المعارضة مع الجيش، ليصبح مرسي الذي مثّل وحزبه الإسلام السياسيَ بمثابة تهديدًا للمشهد السياسي.