رئيس التحرير: عادل صبري 10:02 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

ورشة "بيركس".. فن تحويل الزجاج إلى تحف

ورشة بيركس.. فن تحويل الزجاج إلى تحف

تقارير

صناعة الزجاج

ورشة "بيركس".. فن تحويل الزجاج إلى تحف

الأناضول 22 يناير 2015 09:00

من صناعة الغلاّيات والسّحاحات الزجاجية (تسخدم لقياس حجم السوئل) التي تزود بها المعامل الطبية، انتقل مصريون إلى صناعة التحف الزجاجية اليدوية في محاولة منهم لإحياء تلك الصناعة التي برع فيها المصريون القدماء، وازدهرت في العصر الإسلامي، بينما تواجه حاليا شبح الاندثار.

 

في منطقة المنيب جنوبي محافظة الجيزة، تقبع ورشة "سيد بيركس"، إحدى أقدم الورش التي تحولت من صناعة أدوات المعامل الطبية إلى التحف الزجاجية اليدوية.

 

داخل الورشة الصغيرة رصدت مراسلة وكالة الأناضول كيف يحول العمّال المهرة قطع الزجاج الصماء، التي تتخذ شكل ماسورة دائرية، إلى تحف فنية.

 

بداية يتم تحديد نوع وحجم وشكل المنتج المراد تصنيعه لاختيار قطر الماسورة الزجاجية التي تناسبه، ثم يبدأ العامل في صهرها على النار لتسهيل تقطيعها.

 

ويتطلب صهر الزجاج بهذه الطريقة استخدام مشعل نار موصل به ثلاث وصلات، الأولى تضخ الغاز والثانية الأوكسجين والأخيرة تضغط الهواء لمضاعفة قوة النار كي تتمكن من صهر الزجاج فيسهل تشكيله.

 

في هذه المرحلة يرتدي العامل نظارة مخصصة لحماية عينيه من لهيب النار، ثم يبدأ في تحريك قطعة الزجاج بيده فوق النار بحركات رشيقة، ليتوزع النار بشكل متساو على جنبات القطعة الزجاجية المراد تشكيلها.

 

بعدها يشرع العامل في النفخ بفمه داخل القطعة الزجاجية كي يتوزع الهواء في أركانها وتتشكل، فإذا كان المستهدف هو صناعة تحفة زجاجية على شكل فيل يطيل النفخ حتى تتكور القطعة، أما إذا كان المراد هو تصنيع قطعة زجاجية طويلة فيتم النفخ فيها وهي في وضع رأسي لتأخذ شكلا طوليا في النهاية.

 

ثم تأتي مرحلة طلاء التحفة الزجاجية بالألوان، قبل وضعها في الفرن على درجة حرارة 60 مئوية ليتم تنقية اللون من الشوائب ويظهر بشكل صاف.

 

وأخيرا يتم تطعيم التحفة بماء الذهب لمضاعفة قيمتها وتوضع في الفرن مرة أخرى، وبعدها تصبح جاهزة للبيع إلى المتاجر التي تبيع مثل هذه التحف الزجاجية اليدوية.

 

ومن أبرز التحف الزجاجية التي تصنعها الورشة تحف على شكل فيلة وشمعدان وزجاجات عطر وأطقم لتقديم الشاي والقهوة والعصائر أو لتزيين منازل العروس.

 

"سيد بيركس"، صاحب الورشة الذي اكتسب اسم شهرته من كونه يصنع التحف اليدوية من زجاج "البيركس"، يقول لوكالة الأناضول: "توقفت عن نشاط تصنيع أدوات المعامل الطبية، وبدأت عام 1985 في تصنيع التحف الزجاجية بعد فكرة راودت أحد العاملين لدي بتصنيع زجاجة عطر فارغة على الطراز الفرعوني، ثم عرضها في منطقة الحسين (السياحية بالقاهرة)، حيث يتكدس السياح".

 

وعن النتيجة يتابع "بيركس" بقوله: "بالفعل لاقت الفكرة رواجا كبيرا وأقبل السياح على شرائها، فبدأنا في تطوير تصميمها، وتصنيعها من أجود الخامات الحديثة، في محاولة لاستدعاء التراث القديم وربطه بالطراز الحديث".

 

ويرى أن "العامل المشترك بين تصنيع أدوات المعامل الطبية والتحف الزجاجية هو القدرة على تحويل الزجاج إلى مادة سائلة قابلة للتشكيل.. والخامات التي تقوم عليها هذه الصناعة مستوردة كلها، فالزجاج قادم من التشيك والألوان من ألمانيا، أما ماء الذهب الذي تُسقى به التحف الزجاجية فمستورد من تركيا".

 

ويمضي "بيركس" قائلا إن "مصر هي أول دولة في العالم تصنع من الزجاج الخام منتج يستخدم بشكل عملي ويصلح كقطعة ديكور في آن واحد وذلك في العهد الفرعوني (قبل آلاف السنين)، ثم تناقلتها عنها باقي دول العالم، ومنها سوريا وتركيا وأصبح لديهما صناعة زجاج ضخمة".

 

"لكن صناعة التحف الزجاجية في مصر تتميز بكونها يدوية وعلى درجة عالية من الاتقان والحرفية، ما يمنح التحفة روحا فنيا خالصة لا تتوفر في نظيرتها التي أنتجتها صناعات ضخمة وآت عملاقة"، بحسب صاحب الورشة.

 

ومحاولا تأكيد وجهة نظره، أضاف "بيركس" أن "رجال أعمال صينيون كانوا يرسلون مندوبيهم لشراء التحف الزجاجية اليدوية من مصر، وإعادة تسويقها في الخارج، وهو ما تكرر معنا في ألمانيا وأمريكا واليابان ودول آسيوية أخرى".

 

قبل أن يستدرك بقوله: "ولكن بعد اندلاع الثورة (25 يناير 2011 التي أطاحت بالرئيس الأسبق، محمد حسني مبارك)، وعدم استقرار الأوضاع الأمنية في مصر منذ عام 2011، أصبح لزاما علينا إقامة معارض خارج مصر لتسويق منتجاتنا، لذلك سنقيم مطلع فبراير (شباط) القادم معرضا في دولة البحرين، وفي يونيو (حزيران) القادم سنقيم آخر في قبرص".

 

وقد ارتسمت علامات الحزن على وجهه، قال صاحب الورشة إن "خطر الاندثار يهدد هذه المهنة العريقة بسبب ركود حركة السياحة منذ الثورة، وهروب العمالة المتخصصة في تصنيع التحف الزجاجية اليدوية إلى مهن أخرى بحثا عن مصدر ثابت للزرق".

 

وختم "بيركس" حديثه بإيضاح ما تواجهه مهنته من صعاب قائلا: "لدي أكثر من ورشة كان في كل منها 18 عاملا، أما الآن ففي كل منها ثلاثة عمال فقط.. بسبب تراجع حركة السياحة في مصر انخفض إنتاجي بنسبة الثلث وتقلص معه دخلي بالنسبة نفسها.. أحيانا يحدث إقبال على منتجاتنا، فنزيد الإنتاج ويرتفع الدخل، وأحيانا أخرى يحدث العكس.. مع هذا الوضع، فإن الدخل ليس ثابتا في مهنتنا، ما يدفع عمالا إلى مغادرتها".

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان