رئيس التحرير: عادل صبري 09:03 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

من إيران إلى تركيا والبرازيل.. الطبقة الوسطى تشعل الاحتجاجات الشعبية

من إيران إلى تركيا والبرازيل.. الطبقة الوسطى تشعل الاحتجاجات الشعبية

تقارير

احتجاجات البرازيل- ارشيف

من إيران إلى تركيا والبرازيل.. الطبقة الوسطى تشعل الاحتجاجات الشعبية

أ ش أ 26 يونيو 2013 10:03

تختلف التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي اندلعت مؤخرًا في تركيا ثم البرازيل، وقبل ذلك في إيران فيما عرف باسم الثورة الخضراء، مرورا بثورات "الربيع العربي" من حيث الأسباب والمطالب والدوافع، وذلك بالنظر لاختلاف أنماط المجتمعات والديناميات السياسية من بلد لآخر.

 

ففي تركيا والبرازيل لا يمثل إسقاط النظم الحاكمة مطلبًا جوهريًا للمحتجين كما برز في حالات مثل مصر وتونس، ولكن المطالبة بالمزيد من الحقوق الفردية ومساءلة الحكومات والقضاء على الفساد الإداري والاقتصادي تمثل أبرز الدوافع التي أججت التظاهرات في تركيا والبرازيل مع اختلاف بالطبع في الأولويات بين الدولتين.

 

لكن ما يلفت النظر حقًا هو أن ظاهرة الاحتجاجات الشعبية والشبابية التي تمتد من إيران وصولاً إلى البرازيل ، وحتى الاحتجاجات الشعبية ضد إجراءات التقشف الحكومي في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وكذلك في إسرائيل، إنما تعبر عن صحوة سياسية للطبقات الوسطى ، خاصة في الدول النامية، حيث أدى توسع وكبر حجم هذه الطبقات في العقد الأخير إلى تحول مطالبها الاقتصادية السابقة والقادمة أيضًا إلى مطالب سياسية من النخب الحاكمة بسبب ثورة التوقعات التي صاحبت نمو هذه الطبقات، والتي أصبحت تطالب بمزيد من الحقوق السياسية من حكوماتها.

 

وفي هذا الشأن تشير دراسة أعدها المحللان الاقتصاديان، شيميلس علي وأوري دادوش، نشرتها مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في العام الماضي إلى أن تزايد أعداد من يدخلون ضمن شريحة الطبقة الوسطى في دول مجموعة العشرين النامية، يفرض على حكومات هذه الدول أن تأخذ في الاعتبار أنها ستطالب بالرقابة والمحاسبة السياسية والاقتصادية وبزيادة الحريات العامة والفردية لأن معظمها يعيش في مناطق حضرية ويدرك حقيقة التحولات في أنماط التجارة الدولية، ولديها ثورة توقعات مرتفعة مع تزايد درجة التعليم وزيادة أعداد الشباب والتغيرات التي تحدثها كافة هذه التغيرات بالمجتمع والدولة.

 

وقد خلصت هذه الدراسة إلى أن ثمة تزايدًا ملحوظًا في أعداد المنتسبين لهذه الشريحة، فوفقًا للتعريف الأوسع الذي يتبناه البنك الدولي، يقع في هذه الشرحية من يزيد دخله عن 2 دولارًا أمريكيًا محسوبًا بالقوة الشرائية، ما يعني أن 4 مليار من سكان العالم (حوالي 7 مليار) يقعون ضمن هذه الشرحية، لكن وفقا للتعريف الأضيق، والذي يقول بأنه يقع ضمن الطبقة الوسطى من يبلغ متوسط دخله اليومي بين 10 و50 دولارًا، فإن ثمة حوالي 370 مليونًا من سكان دول مجموعة العشرين النامية من فئة الطبقة الوسطى، لكن معدا الدراسة قاما بتطبيق نموذج آخر يعتمد على عدد السكان الذين يملكون منزلاً خاصًا وسيارة وتكييف هواء وهواتف محمولة إضافة إلى بعض السلع الثانوية، ليلاحظا أن من يقعون ضمن هذه الطبقة في دول مجموعة العشرين يبلغون حوالي 600 مليون نسمة.

 

ويرى الكاتبان أن الدول النامية التي يعيش داخلها 85\% من سكان العالم كانت تنفق 18% فقط من مجمل الاستهلاك العالمي منذ عقد مضى، لكنها اليوم تنفق 30\%، وأن الإنفاق الاستهلاكي قد تضاعف في هذه الدول ثلات مرات خلال عقد واحد؛ مما يعني تناميًا كبيرًا للشرائح داخل الطبقات الوسطى.


وانتقالاً إلى محاولة تطبيق هذا الواقع على بعض الدول التي شهدت احتجاجات شعبية، يقول الكاتب والمحلل السياسي في وكالة رويترز، ديفيد رود، إن الاحتجاجات التركية تختلف قطعًا عن ثورات الربيع العربي التي أطاحت ببعض أنظمة الحكم في الشرق الأوسط، فهي ليست من أجل إسقاط النظام التركي، ولا يمكن أيضًا اختزالها ببساطة في أنها صراع ضار بين المحافظين المتدينيين والعلمانيين الليبراليين، حيث يشارك في هذه الاحتجاجات كثير من الشباب الذي استفاد من الطفرة الاقتصادية التي حققها رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان" خلال العقد الأخير، لكن الكثير منهم يريد أن يرى نخبة حاكمة في تركيا لا تتعامل بهذه الحدة مع التظاهرات المعبرة عن حرية الرأي، وأن الشباب والطبقة الوسطى إجمالاً يطالبون بالمزيد من التعددية والحريات الفردية الأساسية مثل الحق في التجمع السلمي الذي لقي رد فعل غاضبا من الشرطة والحكومة ، ويريدون إجراءات تؤدي إلى الرقابة ومحاسبة الحكومة من قبل الشعب.


أما البرازيل تقدم دينامية مختلفة عن تركيا، فحكومة حزب العمال اليسارية وعدت بإصلاحات اقتصادية من أجل الطبقات الفقيرة والمتوسطة، لكن تراجع الأداء الاقتصادي مؤخرًا وكشف فضائح للفساد وإنفاق الدولة لحوالي 12 مليار دولار على الملاعب التي سوف تستضيف مباريات كأس العالم في عام 2014، كلها عوامل أدت إلى خروج مليون شخص - في حوالي مائة مدينة بالبرازيل - للاحتجاج على هذه الأوضاع.


ويقول "رود" إن اختلاف دوافع الاحتجاجات لا يمنع أن فئات الطبقة الوسطى هي من قامت بالدفع بهذه التظاهرات في البرازيل مثلما في تركيا وإيران كذلك، حيث يوضح عالم الاجتماع البرازيلي الشهي، مارسيلو ريدينتي، أن "زيادة معدلات المساواة وزيادة التعليم العالي في البرازيل قد رفع سقف طموحات الشباب ، فقد تضاعف عدد خريجي الجامعات في البرازيل منذ عام 2000 وحتى عام 2011، وخلق هذا تحولات اجتماعية عميقة وجذرية ، فالشباب لم يعد يبحث فقط عن فرصة عمل، وإنما فرصة عمل جيدة ومناسبة تلائم تعليمهم وقدراتهم، وأصحاب الدخول المعقولة أو المتدنية باتوا أكثر رغبة في مقاومة الفساد الإداري والحكومي وإهدار أي جزء من المال العام ويعتقدون أن من حقهم التمتع بتأمين صحي جيد ووسائل نقل رخيصة ومريحة ومساكن أرخص سعرًا، وكل ذلك يحتاج إلى تغير ما في نمط السياسة وطريقة تفكير الحكومة".


وفي إيران التي يوجد بها نظام منغلق سياسيا أكثر من تركيا والبرازيل، والتي عرفت احتجاجات كبرى تحت اسم "الثورة الخضراء" في عام 2009، وقابلها التيار المحافظ بقمع، فإن نتيجة الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي أجريت يوم 14 يونيو الجاري أدت إلى فوز مريح لأحد رموز التيار الإصلاحي، حسن روحاني، والذي قد يكون محافظًا أكثر مما يتوقعه المراقبون ، إلا أن خروج الآلاف في الشوارع للاحتفال بنصره الرئاسي يؤكد أن الإيرانيين عبروا عن إحباطهم خلال عام 2009، كما أثناء فوز روحاني، من ضعف الاقتصاد وعدم عدالة التوزيع وعزلة إيران الدولية، وهم يأملون في المزيد من الحريات الاجتماعية والخاصة واستقرار البلاد وعلاقات أفضل مع الدول الأخرى، خاصة وأن نسبة المتعلمين في إيران يفوق 90\% من السكان، وأن الطبقة الوسطى تنامت خلال العقدين الأخيرين بشكل لافت، ما أوجد مساحة كبيرة من المطالب السياسية من النظام الحاكم.


إن مقارنة الاحتجاجات والتظاهرات في البلدان المختلفة يحمل قدرًا من المخاطرة في تحليل الدوافع والنتائج بالقطع، فحالة البرازيل ربما تشبه حركة مكافحة الفساد في الهند، وهي حالة تختلف عن تركيا التي تختلف بدورها عن إيران، ومع ذلك يمكن القول إن حالة مصر في ثورة 25 يناير 2011 تقدم نموذجًا بالمثل لثورة أصحاب الطبقة الوسطى على وجه خاص، فقد أشعل الشباب المتعلم من ذوي الشرائح الاجتماعية المتوسطة والعليا الثورة، وهكذا سار الأمر في إيران، ويسير في تركيا والبرازيل ، ويتوقع أن ينتقل هذا الأمر لدول نامية أخرى أصبحت أكثر تقدمًا في الاقتصاد وتراجعًا في السياسة والحريات الفردية.


ويمكن القول أنه بالإضافة إلى أن شريحة الطبقات الوسطى تشكل المحرك الأساس للتظاهرات في البلدان النامية ، والمتقدمة أيضًا، فإن ثمة ثلاثة عناصر مشتركة تتضح في حالات تونس ومصر وإيران وتركيا والبرازيل ، أولها أن التطور التكنولوجي لعب دورًا حاسمًا في تلك التحركات الشعبية، وأن شبكة الإنترنت لم توجد فقط مساحة للتفاعل بين أصحاب الفكر الواحد، وإنما مكنتهم من حشد الآخرين الذين يقتنعون بهذه الأفكار، وإن كان صحيحًا أن كل ما يعرض على ويقدم على وسائل التواصل الاجتماعي ليس كله صادقًا أو مفيدًا ، إلا أن هذه الوسائل أسرعت من وتيرة تنظيم حركة الشارع السياسية أكثر من أي وقت سابق.


أما العامل المشترك الثاني فهو أن كافة الاحتجاجات تطالب بوجه عام بشيء مشترك هو تحسين الحكم وتوسيع نطاق الحريات ومحاسبة الحكومات ، فمن المطالبة بالتغيير السياسي في مصر وتونس إلى تعزيز الحقوق الفردية وحقوق الأقليات في تركيا إلى إجراء انتخابات نزيهة في إيران إلى البحث عن سياسات اقتصادية واجتماعية أفضل في البرازيل إلى التظاهرات ضد إجراءات التقضف في أوروبا... يلاحظ أن جميعها دوافع تحص في المطاف الأخير شروط إصلاح الحكم والحكومات أملاً في حياة أفضل للناس.


ويتمثل العامل الثالث في أن هذه الظواهر الاحتجاجية تشهد قدرًا كبيرًا من الارتباك وربما تحول بعضها إلى أعمال للإجرام والعنف ، ولذا فقد تفقد تأثيرها وطريقها على المدى البعيد إذا لم تأخذ شكلاً سياسيًا منظمًا في دول وليدة في ممارسة الديمقراطية.
  

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان