"المحادثة الإلكترونية بين امرأة ورجلٍ ليس من محارمها "باب من أبواب العبث والشر"، ولا تجوز إلا في حدود الضرورة..."
كان هذا جزءًا من نص الفتوى التي صدرت عن دار الإفتاء المصرية وأثارت موجة من الهجوم الإعلامي وصل إلى حد التندّر، على اعتبارها مخالفة لما استقر في أذهان كثير من الناس، من عدم اعتبارها محرمة.
ومع ازدياد حدة الهجوم اضطرت دار الإفتاء إلى إصدار بيان توضيحي يوضح المقصود بالفتوى، ويرد الأمر ليس إلى الحرمة المطلقة وإنما إلى مقصد "الشات" ومآلاته، بحيث يصبح الحكم دائرًا بين الإباحة والحرمة والوجوب بحسب طبيعته.!
جدير بالذكر أن فتوى مفتي مصر ليست الأولى، فقد سبق لجهات رسمية عربية إصدار فتاوى تحرم هذه المحادثات، ومنها دائرة الإفتاء في الأردن، والتي كانت قد أصدرت فتوى شرعية أكدت فيها أن إجراء محادثة خاصة بين شاب وفتاة على شبكة الإنترنت عبر ما يسمى بـ"الشات" حرام شرعًا.
وجاء في الفتوى أن علة الحرمة في "الشات" هي ما يترتب على هذه المحادثات من تساهل في الحديث، يدعو إلى الإعجاب والافتتان غالبًا، ويفتح للشيطان بابًا للتجرؤ على المعاصي.
وأتى إصدار الفتوى كما جاء في نصها بناء على طلب من دائرة القضاء الشرعي في الأردن في ظل تزايد حجم المحادثات بين الشباب والفتيات بسبب التوسع في استخدام شبكة الإنترنت في الاتصالات المباشرة بين فئات المجتمعات المعاصرة.
مصر العربية ترصد "معركة الشات" وآراء العلماء فيها، والتي جاء بعضها مؤيدًا لفتوى مفتي الجمهورية، بينما تحفظ آخرون عليها.
أصل الفتوى
بدأت قصة الفتوى بعد أن تلقت دار الإفتاء المصرية أسئلة كثيرة عن حكم الشرع في المحادثات الإلكترونية بين الرجال والنساء من غير المحارم عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
تجاوب الدكتور شوقي علام، مفتي مصر مع هذه الأسئلة التي تلقاها الموقع الإلكتروني لدار الإفتاء فأصدر فتوى تقول: إن المحادثة الإلكترونية بين امرأة ورجل ليس من محارمها "باب من أبواب العبث والشر"، ولا تجوز إلا في حدود الضرورة.
وأضاف: لا تجوز المحادثة الإلكترونية بين رجل وامرأة كل منهما أجنبي عن الآخر إلا في حدود الضرورة والمقصود بالرجل الأجنبي في الفقه هو من ليس من محارم المرأة، وهم زوجها وأقرباء لا يجوز لهم الزواج منها كالإخوة وغيرهم.
وأضاف المفتى تحت عنوان "مزيد من الشرح عن حكم محادثات الجنسين على الإنترنت" إن المحادثة الإلكترونية ممنوعة لما أثبتته التجارب المتكررة خاصة في عصرنا أن هذا النوع المحادثات- مع ما فيها من مضيعة للوقت واستهلاك له بلا طائل ولا فائدة صحيحة- ولهذا تعد بابًا من أبواب العبث والشر ومدخل من مداخل الشيطان وذريعة للفتنة والفساد".
وطالب مفتى الجمهورية النساء- أيا كان عمرهن- بعدم إرسال صورهن لشخص لا يعرفنه أو لغير محارمهن وذلك لأن العديد من المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي تقدم تطبيقات تسمح بالتعارف عبر الإنترنت والمحادثة بالصوت والصورة بين غرباء، وكذلك التواصل مع الأصدقاء والأقارب أو زملاء العمل، وبالتالي لا يحق شرعًا للمرأة أن ترسل صورتها لمن لا تعرف صيانة لنفسها وحفظًا لعرضها وكرامتها خصوصًا بعد ثبوت استعمالات فاسدة لهذه الصور من قبل المنحرفين العابثين وهذه ثقافة مختلفة عما يأمر به الدين.
امتصاص الغضب
تسببت فتوى الدكتور شوقي علام في عاصفة من الغضب الإعلامي والاجتماعي وهذا ما جعل مستشاره الإعلامي الدكتور إبراهيم نجم، يوضح عبر وسائل الإعلام، أن الفتوى التي تحرم المحادثات الإلكترونية بين الجنسين على مواقع التواصل الاجتماعي، هدفها دعم قيم المجتمع المصري والعربي والإسلامي وغلق أبواب الشر الاجتماعي في مجتمعاتنا الشرقية التي تخضع لعادات وتقاليد لا تمنع أن يتحدث الرجل للمرأة ولكن في حدود هذه العادات والتقاليد التي تربينا عليها وهذا ما لا يستطيعه الغالبية العظمي من الشباب والفتيات الذين يعدون العدد الأكبر من مستخدمي الشات.
وتابع نجم في تصريحاته: لهذا فإن الفتوى جاءت في ظل انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وما تتيحه من أبواب للمحادثات الإلكترونية تفتح أبوابا ومداخل للشيطان والفساد.
وقال: إن فتوى تحريم «الشات» بين الجنسين أسيئ فهمها فهي لا تحرم بقدر ما تضع ضوابط لا بد من تطبيقها أثناء الحوار حتى لا يغرر الشباب بالفتيات عبر تلك المواقع.
بيان توضيحي
لكن يبدو أن تبريرات المستشار الإعلامي لم تهدأ من العاصفة، ما اضطرت معه الدار إلى إصدار بيان توضيحي على لسان المستشار الأكاديمي لمفتي الجمهورية.
حيث قال الدكتور مجدي عاشور، المستشار الأكاديمي للمفتي: إن المحادثة بين الذكور والإناث الأصل فيها الإباحة كسائر العلاقات السوية بين البشر، والقاعدة الفقهية تقول :" الأصل في الأشياء الإباحة "، وأن التحريم قد يعرض للشيء المباح ليس في ذاته، بل لما يكتنفه من أمور خارجية تغير الحكم فيه من الإباحة إلى الكراهة أو التحريم، بل قد تكون المحادثة واجبة إذا ترتب على فواتها ضرر على حياة أحد المتحدثين كما هو الحال بين المريض والطبيب مثلا، وقد تكون مستحبة إذا كانت في تحصيل مصلحة نافعة، كتسهيل قضاء حوائج الناس .
وأشار عاشور إلى أن الإسلام يدعو إلى الأخذ بأساليب الحضارة في كل زمان ومكان ما دام ذلك في خدمة الإنسان الذي هو محور الحضارات ومرتكزها الأصيل، بل ما خلق الله في الكون شيئا إلا لمصلحة الإنسان الذي كرمه في الشرائع كلها، فقال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ) .
وأضاف عاشور أن حكم الشرع في الوسائل ذات الوجهين في الاستعمال لا يتعلق بتلك الوسائل، وإنما يناط بمن يستعملها وهو الإنسان؛ إذ هو المكلَّف أمام الله عز وجل . ومثال ذلك السّكّين الذي يفيد في قطع الأشياء النافعة للإنسان فيباح، وقد يستعمل في القتل والجرح فيحرم استعمالها.
وعليه قرر عاشور أن الحكم نفسه ينسحب على استخدام الشات سواء بين أفراد الجنس الواحد أو بين الجنسين، فيباح فيما لا ضرر فيه على الأشخاص أو عادات المجتمع وآدابه ونظامه العام، ويحرم إن تسبب في ضرر لكرامة الإنسان وعرضه أو نفسه.
ومعركة شات فلسطينية!
وكانت دار الإفتاء الفلسطينية في رام الله والتابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية قد أصدرت في سبتمبر 2013 فتوى أباحت بموجبها التعارف بين الشباب والفتيات عبر الإنترنت، بهدف الزواج، ولكنها شدّدت على ضرورة التزامهم بـ”الضوابط الشرعية” خلال المحادثة.
وتقول الفتوى: إن مثل هذا التعارف بين الجنسين مباح بغرض الزواج ووفقاً لظروف محددة، مؤكدة أن التفاعل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية أصبح ظاهرة واسعة الانتشار، وأصبح ضرورة لا بد منها.
لذا خلصت الفتوى إلى أن الدردشات عبر الإنترنت "الشات" بين الجنسين جائز بشرط أن يكون بهدف الزواج وعلى أن يحترم الطرفان القواعد الأخلاقية والضوابط الشرعية والتعاليم الدينية.
واستدعت هذه الفتوى فتوى أخرى “مضادة”؛ أعلنها رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في قطاع غزة وقتها، حسن الجوجو أن التواصل بين الشباب والفتيات عبر الإنترنت “لا يجوز شرعًا”، حتى بقصد الزواج، وقال إن بإمكان من يرغب بالزواج “الوصول إلى بيت الفتاة، وطلب يدها من ولي أمرها”.
الضوابط الشرعية
من جهته قال الدكتور سيف رجب قزامل، عميد كلية الشريعة والقانون بطنطا – جامعة الأزهر إن الشات أو المحادثة الإلكترونية بين الجنسين دون ضرورة لا شك أنه يشجع على الفوضى الأخلاقية نتيجة الاختلاط المحرم حتى ولو كانت المسافات بعيدة ولهذا حذرنا الله تعالي من ذلك فقال :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " آية 21 وسورة النور
وأشار قزامل إلي أن فتوى دار الإفتاء - مع إيماني بعدم التحريم الشامل – قد تكون من قبيل الإجراء الوقائي الاستباقي وخاصة بين الشباب والفتيات في سن المراهقة مما قد يؤدي إلي الوصول إلى الرذيلة وهنا لابد من عدم التهاون والعمل على دفع مفسدة الخطيئة التي قد يؤدي إليها الشات.
وتابع: لهذا فقد استبق المفتي الحدث قبل وقوعه ونبه لخطورته حرصا على مقتضيات المصلحة الشرعية ما يمكن أن يؤدي إليه شات الجنسين وخاصة إذا كان طرفا المحادثة من ضعاف الإيمان الذين تناسوا أو تجاهلوا قول الله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ" آية 5 آل عمران، وقوله تعالى أيضا : "إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ".
وانهي عميد كلية الشريعة والقانون مؤكدًا أنه لا مانع شرعا من الشات بين الجنسين للضرورة – وليس للتسالي أو الحب والغرام – وكما يقول الفقهاء " الضرورة تقدر بقدرها " في إطار قاعدة " الضرورات تبيح المحظورات بشرط أن لا تجر هذه المحادثات لأشياء أخرى إلا وجب الامتناع عنها لأن الدين يقوم على درء الشبهات والابتعاد عن المفاسد.
يذكر أن المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي، قد أصدر فتوى في يناير الماضي منع فيها "الشات" بين المرأة والرجل غير المحرم لها.
وجاءت فتواه في سياق الرد على سؤال حول الدردشة الكتابية بين البنات والبنين، فرد على السائل بأن "الشات بين البنت والولد غير المحرم لها لا يجوز"، حسب موقع خامنئي الإلكتروني الذي أرجع هذه الفتوى إلى ما اعتبره "المفاسد الاجتماعية المترتبة على الشات".
أؤيد المفتي ولكن
من جانبه رفض الدكتور أحمد حسني، نائب رئيس جامعة الأزهر التعليق على فتوى مفتي مصر قائلا: الفتاوى الصادرة عن دار الإفتاء يجب ألا تكون محلا للتعليق لأنها تعالج قضايا معاصرة من باب فقه الواقع بالأدلة الشرعية، وبالتالي فإن المفتي يأتي على قمة أهل الاختصاص والذكر الذين أمرنا الله بأن نأخذ عنهم الفتوى حين قال سبحانه :" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " آية 43 سورة النحل
وأشار حسني إلي أن الشات أو المحادثة الإلكترونية وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة هي من قبيل القضايا المستحدثة ولهذا فإن هذه الفتوى جاءت من باب “درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة” أو الابتعاد عن الشبهات التي قد تقود إلى الحرام لأن " كل ما أدى إلى الحرام فهو حرام، فيكون الأفضل تجنب الشات بين الجنسين قدر الإمكان لدرء الشبهات لقول رسـول الله صلي الله عـليه وسلم يقول:" إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب"
يذكر أن الشيخ عبد الرحمن بن جبرين قد أفتى بحرمة الشات حينما تلقى سؤالاً بهذا الخصوص يقول : ما حكم المراسلة بين الشباب والشابات علما بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام؟
فأجاب بقوله: لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه ؛ لما في ذلك من فتنة ، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ، ويغريها به. وقد أمر صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه، ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير يجب الابتعاد عنها وإن كان السائل يقول : إنه ليس فيها عشق ولا غرام.
اقرأ أيضا:
مفتي الجمهورية: رأيي في قضايا الإعدام يجب أن يظل استشاريا
الإفتاء: نطالب وسائل الإعلام بتهميش "ميزو"وأشباهه
نص كلمة مفتي الجمهورية حول الانتخابات الرئاسية
دار الإفتاء: البناء على الأراضي الزراعية حرام
إصابة زوجة مفتي الجمهورية في حادث سير
فتاوى انتخابات الرئاسة.. وأنت تختار!
الأزهر يدرس حظر "العلماء المسلمين" بعد فتوى القرضاوى
علماء لـ برهامي: الإسلام بريء منك