وفد أزهري على رأسه الإمام الأكبر شيخ الأزهر يزور الرئيس الجديد من أجل تهنئته بالرئاسة.. شيخ الأزهر يقترح أثناء الزيارة إنشاء بيت لجمع الزكاة.. الرئيس الجديد يوافق على إنشاء هيئة رسمية تابعة للدولة يرعاها الأزهر من أجل جمع الزكاة.. تلك هي قصة بيت الزكاة المصري .
وفي تصريحات صحفية قال محمد عبد السلام المستشار القانوني لشيخ الأزهر بأن الشيخ قد شكل مجموعة من الخبراء تحت إشراف الأزهر لإعداد مشروع متكامل لإنشاء بيت الزكاة والصدقات المصري، حتى يستطيع أن يوفر للمصريين جهة آمنة وموثوقا بها تقوم على توزيع زكواتهم لمن يستحقون وفقا لمصارفها الشرعية.
هذا التحرك يثير العديد من الأسئلة، منها: لماذا يعرض الإمام الأكبر مثل تلك الأفكار في هذا التوقيت تحديدا، وهل للفكرة سوابق أم أنها جديدة؟ وإن لم تكن فما الجديد الذي ستقدمه؟ وهل تستحق أموال الزكاة التي يدفعها المصريون إنشاء هيئة كهذه؟ وما تأثير قرار كهذا على جمعيات أهلية ومؤسسات مدنية تقوم بالغرض ذاته؟ وفي النهاية.. هل للموضوع أبعاد سياسية؟
يقول المتحمسون للفكرة إنها محاولة لتقنين أوضاع مليارات يجب أن توجه لتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية في توزيعها، بدلا من أن تقوم عليها جمعيات تدعم اتجاهات سياسية بعينها.. بحسب تصريحاتهم..
في حين يرى آخرون أنها محاولة لاستخدام هذه الفريضة الإسلامية (الزكاة) في تلميع وجه النظام من ناحية، ومن ناحية أخرى استخدام هذه الأموال في التغلب على صعوبات اقتصادية جمة تعتبر أكبر تحديات استمراره.. بحسب قولهم أيضا.
أرقام
البداية مع دراسة قدمها مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي، والتي قدر فيها حجم أموال الزكاة فى مصر في العشر سنوات الأخيرة بما يقارب 20 إلى 35 مليار جنيه، ووصلت فى عام 2011 إلى 39 مليار جنيه.
وقالت الدراسة إنه على الرغم من أن هناك 28 ألف قناة شرعية مصرح لها بجمع وتوزيع أموال الزكاة فإنه يوجد هناك قصور فى عمل هذه القنوات لعدم وجود تنسيق فيما بينها، بالإضافة إلى احتراف البعض مهنة الشحاذة والنصب.
وعددت الدراسة أكبر القنوات التي تتلقى اموال الزكاة، حيث جاء بنك ناصر الاجتماعي في الصدارة، حيث وصل إجمالى ميزانيته عن العام المالى 2011 /2012، 6 مليارات و985.2 مليون جنيه بزيادة قدرها مليار 41.5 مليون جنيه على العام السابق، وبلغ إجمالى ما قدمه البنك من تمويلات للمواطنين مبلغ 5 مليارات أي 919.5 مليون جنيه بزيادة قدرها مليار و86 مليون جنيه عن العام الماضى، ويأتى بعد بنك ناصر مستشفى 57357 والذي يتلقى سنويا زكاة تتراوح ما بين 3 و 5 مليارات جنيه، ثم جمعية مصر الخير التى تتلقى ما بين 6 و8 مليارات جنيه، وجمعيات رسالة والأورمان وبنك الطعام حيث تتلقي سنويا من أموال الزكاة ما لا يقل عن مليارى جنيه.
وتحدثت الدراسة كذلك عن ارتفاع الفاتورة الإعلانية لهذه المؤسسات والتي تدفعها لجهات إعلانية نظير مجموعة من الإعلانات عن مشاريعها، والتي قدرتها بـ 7.8 مليار جنيه، أى ما يساوى 20% من قيمة أموال الزكاة كلها عام 2011، كما أثبتت الدراسة أنه يتم دفع مبلغ 4.8 مليار جنيه للعاملين على جمع أموال الزكاة، بما يساوى 12.5% من أموال الزكاة عامة.
قديمة
وبعيدا عن تلك الأرقام فإن الفكرة ذاتها ليست جديدة، حيث سبق أن ثارت حولها مناقشات كثيرة ووصل الأمر إلي إعداد مشروع متكامل من خلال لجنة برئاسة الدكتور صوفي أبو طالب وعضوية مجموعة كبيرة من خبراء الاقتصاد الإسلامي.
وقد تم الاتفاق وقتها علي أن يترأس مؤسسة الزكاة تلك الدكتور نصر فريد واصل بعد تركه دار الإفتاء، إلا أن الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر وقتها قد فاجأ الجميع برفض المشروع بعد أن كان متحمسا له، وذلك بعد أن وصلته أخبار أن نظام مبارك ينتوي اتخاذ "بيت الزكاة " مطية لعلاج الفشل الاقتصادي في الدولة وبالتالي ستتحول الزكاة إلى جزء من ميزانية الدولة بشكل غير مباشر.. حسبما صرحت مصادر قريبة من الشيخ وقتها.
وفي شهر إبريل من العام 2007م الموافق 1428هـ تم تحرير اتفاقية إنشاء المؤسسة المصرية للزكاة بين كل من الهيئـة العالمـية للزكـاة والجامـع الأزهـر الشريف والغرفة الإسلامية للتجارة والصناعة واتحــاد الغرف التجارية المصـريـة وجمعيات رجال الأعمـــال المصريين و بنك ناصر الاجتماعي، وتم تسجيلها رسميا فى وزارة التضامن الاجتماعى تحت رقم 561 لسنة 2008 الموافق 1429 هـ .
وتكون مجلس أمنائها من مجموعة على رئسها الشيخ صالح كامل والدكتور عبد العزيز حجازي، والشيخ الدكتور محمد المختار المهدي، ومحمد المصري رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية وعبد الحميد أبو موسي محافظ بنك فيصل الإسلامي وغيرهم.
لكن تلك المؤسسة أيضا سرعان ما اختفت بعد أن قامت ببعض الأعمال الخيرية الضعيفة في القرى الأكثر فقرا الذي كان نظام مبارك يتخذه وسيلة للتسويق لتوريث جمال مبارك، بما اعتبره البعض استخداما سياسيا لها.
الفكرة إذن ليست جديدة، وعلى المستوى العالمي هناك محاولات يمكن أن تكون رائدة في المجال، ففي ماليزيا والكويت وغيرها تم تطبيق الفكرة، لكن السؤال الشرعي يبقى هو الأبرز في هذا الإطار، بمعنى: هل من حق الدولة أن تفعل هذا، وما الضوابط التي يجب مراعاتها عند القيام بهذا الأمر؟!
الضوابط
العجيب أنه وفور إعلان نية إنشاء هذه المؤسسة سارع كثيرون من المحسوبين على العلم الشرعي وعلى المؤسسة الأزهرية إلى الترحيب بالفكرة، والقول بأنها تأخرت كثيرا، وأنها ستسهم في توزيع عادل للزكوات، وستقضي بحسبهم على استغلال تلك الأموال استغلالا سياسيا، دون الحديث عن ضوابط تجعل دور الدولة اكثر إيجابية، ودون الحديث عن حكم شرعي مفصل حول مفردات الفكرة المختلفة.
حتى وصل الأمر بإحدى أساتذة الأزهر في بيانها أسباب وجاهة الفكرة أن تقول: إن بيت الزكاة هذا سيغني مصر عن أي مساعدات ومعونات خارجية، ويسمح لنا بالاعتماد على أنفسنا.." وكأن دور الزكاة هو الاستعاضة بها عن المعونات التي تنفق على أمور هي من واجبات الدولة، وهذا خلط واضح بين أمور لا يمكن الخلط بينها شرعا.
لكن مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام تحدث عن دور الدولة في جمع وصرف أموال الزكاة، في كتاب له بعنوان الزكاة ودور الدولة واضعا مجموعة من الضوابط التي تضمن لهذا الدور النجاح.
وعلى الرغم من أن المفتي طالب بأن تقوم الدولة بهذا الدور إلا أنه قال: يجب أن نحتاط كثيرًا بشأن إعطاء الدولة هذا الدور الكبير وإطلاق يدها في أمر الزكاة، إلا إذا توافرت الضوابط الكافية التي يتحقق من خلالها وصول الزكاة إلى مستحقيها.
وعن هذه الضوابط قال المفتي: إن الفقهاء في هذا الصدد أكدوا بصفة أساسية على عدالة الحاكم في صرفها في مصارفها الشرعية، وعدالة العامل القائم على التحصيل والتوزيع، وهذا يستلزم بحسبه أن تقوم الدولة رسميًّا برسم سياسة الزكاة، ووضع السبل الناجعة لجبايتها، وبيان الطرق السديدة لصرفها والاستفادة منها.
وخاطب المفتي المتخوفين من دخول الدولة في هذا الملف قائلا: تطبيق جمع الدولة للزكاة وصرفها حتى وإن أثيرت حوله مخاوف عديدة من عدم وصول الأموال إلى مستحقِّيها، إلا أن إحكام النظام وإيجاد الضمانات والضوابط المتعلقة بها، كل ذلك كفيل بالتطبيق الصحيح للزكاة، وكل هذا رهن بحسن النوايا والقصد السوي نحو إعداد نظام شامل وكامل وَفْق التطورات العصرية.
عدالة الحاكم إذن وعدالة العامل القائم على التوزيع ورسم سياسات عامة ووضع سبل قويمة للجباية والصرف كلها ضوابط أكد عليها الفقهاء إذا ما أرادت الدولة الإمساك بملف الزكاة بعيدا عن الأفراد... فهل تتحقق تلك الشروط أو بعضها داخل السياق المصري الآن؟!!! هذا هو السؤال الأهم!
غرض سياسي
في المقابل وبعيدا عن الحكم الشرعي قال د. وصفي أبو زيد عضو جبهة علماء ضد الانقلاب إن الغرض من إنشاء هذه الهيئة بالأساس هو غرض سياسي بامتياز.
وقال: لا يمكن عزل هذا التصرف عن سياق أكبر يشمل مجموعة من القرارات منها تأميم بعض الشركات والمحلات التابعة لفصيل سياسي وجعلها تحت تصرف الدولة، وكذلك إحكام السيطرة على العديد من الجمعيات والمؤسسات سواء على المستوى الدعوي كما تفعل الأوقاف مع الجمعية الشرعية وانصار السنة وغيرها، او على مستوى مشروعاتها الخدمية.
وعما يقصده بالغرض السياسي قال أبو زيد: هذه الفكرة ستضرب للنظام مجموعة عصافير بحجر واحد، أولها تلميع وجهه ووجه قائد الانقلاب وإظهاره على أنه ذو توجه إسلامي يهتم بفرائضه، وثانيها أنه سيقضي بحسب فهم النظام على منابع التمويل لتيار الإسلام السياسي والذي يظن أن الجمعيات القائمة على أمر الزكوات والصدقات توجه دعمها إليه، وثالثها وهو الأهم أنه سيتخدم تلك الأموال في مواجهة الملف الأصعب بالنسبة له وهو الاقتصاد.
وقال: لا تحدثني عن ضوابط في ظل المثل الشعبي القائل: حاميها حراميها، فكيف تتم الثقة في من استهان بالدماء، وبمن أفتى بإهدارها، وبمن سكت عن ذلك، هل يكون هؤلاء أكثر حرصا على المال من حرصهم على الدماء؟!
روابط ذات صلة:
السيسي يوافق على "بيت الزكاة والصدقات" كهيئة تابعة للدولة يرعاها