في الوقت الذي كانت تستعد فيه مصر ومحافظة أسيوط بشكل خاص لإحياء الذكرى الأولى لضحايا حادث قطار " كارثة أسيوط "، الذي راح ضحيته نحو 52 شخصًا غالبيتهم من تلاميذ معهد النور الأزهري الخاص، بعد أن اصطدم القطار رقم "165" المميز بأتوبيس الأطفال على مزلقان قرية المندرة بمركز منفلوط، استيقظ المصريون، فجر أمس، على كارثة جديدة من نفس النوع، وهي اصطدام قطار بأتوبيس في مزلقان "دهشور".
وحفرت دماء الضحايا الجدد سطورًا جديدة في تاريخ فشل الحكومات المتعاقبة، واختلطت دموع أهالي ضحايا قطار أسيوط بدموع وصراخ أهالي ضحايا قطار "دهشور"، ورسمت دماء أطفال أسيوط مع دماء ضحايا قطار دهشور وصمة عار جديدة على صدر الحكومات المصرية، وخاصة وزارة النقل وهيئة السكة الحديد، والجهاز الإداري للدولة.
على بعد ما يقرب من 19 كم شمال مدينة أسيوط، انتقلت "مصر العربية" إلى قرى ضحايا قطار كارثة أسيوط، التابعة لمركز منفلوط.
"52 شخصًا نحتسبهم عند الله شهداء، أرواحهم الطاهرة تطارد الحكومات المتعاقة، وفساد الجهاز الإداري للدولة، ورغم أن أجسادهم الطاهرة تطايرت نحو كيلو متر، فى مشهد شابت له الرؤوس، واختلطت فيه دموع أهالي الضحايا بدماء أبنائهم"، هذا أول ما قاله الأهالي، مشيرين إلى أنه بالرغم من مرور عام على المأساة، لم يقدم مسؤول واحد إلى الآن للمحاسبة، سوى عاملي البلوك والمزلقان؛ لترفع الستار من جديد عن واحدة، من أهم صفات الحكومات المصرية المتعاقبة، وهي "التطنيش".
وفي مركز منفلوط أحيا أهالي ضحايا أتوبيس معهد النور الأزهري النموذجي الذكرى الأولى بقرى "الحواتكة، والشيخ والي، بني سند، المندرة بأسيوط بتنظيم سرادق عزاء كبير لضحاياهم، الذين راحوا نتيجة إهمال وخطأ شديدين لم يتم علاجهما أو إصلاحهما حتى الآن، إلا ببناء غرفة لعامل المزلقان.
فعقب الحادث منازل أهالي القرية تحولت لأشبه ما يكون بإستديو مفتوح للقنوات والصحف المحلية والعالمية، وزيارات لكبار السياسيين ورجال الأعمال وكل منهم قد اصطحب معه قنواته، وانتهى الأمر وسط مطالب الأهالي بأنه لابد من بناء معهد أزهري نموذجي لافتقار القرية والقرى المجاورة لذلك، واختيرت قطعة أرض بجوار موقع الحادث تخليدًا لذكرى الضحايا، ومنعًا لمزيد من الدماء التي قد تسيل بين هؤلاء التلاميذ.
لكن بعد مرور عام يقول أحمد عبدالله "موظف" والد الطفل عبدالرحمن، "إنه ينتاب الجميع إحساس بالمرارة خصوصًا كلما مررنا على مزلقان المندرة، وبعد أن شعر الأهالي أن دم أولادهم سيكون فداء لجميع أطفال القرية من خلال قيام بعض رجال الأعمال الشرفاء، وعدهم بالوقوف بجوار القرى المضارة، وبناء معهد نموذجي لأطفال القرية تسرب الحلم وأصبح أطلالاً".
فرجل الأعمال حسن مالك نفذ وعده بالفعل بشراء قطعة أرض مساحتها 26 قيراطا؛ لبناء معهد ومدرسة بخلاف أرض السكة الحديد بجوار المزلقان وأعلن بعض رجال الأعمال عن استعدادهم لبناء المعهد؛ لكن شيئا لم يحدث حتى الآن رغم الحصول على الموافقات لبنائه.
ومع التغيرات السياسية التي طرأت على مصر منذ الثلاثين من يونيو الماضي ظل المعهد النموذجي الخاص، الذي نال دعم شيح الأزهر الحالي وتعاطف رجال الأعمال مجرد لافتة محمولة على عمودين حديدين لا أكثر رغم مرور عام كامل، ومزلقان القرية لم يجد عليه جديد، وحتى بوابة المرور العادية التي كانت موجودة لم يحاول أحد إصلاح عيوبها.
وأشار إلى، أن بعض الأهالي قام بعمل سبيل مياه كصدقة جارية على أرواح الأطفال، في حين قرر والد اثنين منهم ألا يأخذ مليما واحدا من التبرعات والتعويضات التي صرفتها الحكومة، وأن يوجهها جميعًا لبناء مسجد بالقرية، محتسبا أبناءه عند الله، مؤكدا أن مزلقان قرية المندرة بأسيوط سيظل شاهد عيان على حادث ربما تعجز الأيام عن محوه من ذاكرة من رأوه أو اكتووا بناره.
فيما قال حمادة أنور عبد الرشيد، "أنا فقدت أبنائي الأربعة ريم بالصف الخامس الابتدائي، وأدهم في الثالث الابتدائي، وأروى في الصف الأول ونور في الحضانة، وابنة شقيقي سندس. مضيفا إن عدم محاسبة أي مسؤول إلى الآن هو ما يجعل مرارة فراق أبنائنا لا تغيب عنا، فضلا عن بقاء حال مزلقان السكة الحديد الذي وقع به الحادث كما كان، فما زال جرس الإنذار للمزلقان لا يعمل، ويتم الاعتماد على العامل البشري، وهو ما يجعلنا في انتظار كارثة جديدة في كل لحظة.
وأكد، أن "الشيء الوحيد الذي تغير هو وضع رخام في حجرة العامل، وإعادة بنائها دون أي تطور في منظومة السكة الحديد، مشيرا إلى أن "والده تبرع بعد الحادث بقطعة أرض 12 قيراطا، تقدر بنحو مليوني جنيه لبناء معهد أزهري، قريب للأطفال بدلاً من أن يذهب الأطفال لمسافات بعيدة خارج القرية".
وأوضح، أن محافظ أسيوط السابق وضع المعوقات لإقامة المعهد رغم رغبة العديد من أهل الخير، لافتا إلى أنه شارك مع الملايين من أهالى أسيوط فى أحداث 30 يونيو، بعد ما تعرض للظلم من قيادات الإخوان خاصة محافظ أسيوط السابق؛ بسبب عمله فى جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية.
أما محمد عبد العال، من أهالي قرية المندرة، فأكد أن المزلقانات تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، بعدما تاهت المكاتبات بين المسؤولين فى أروقة الغرف المغلقة، ولا نفيق من كارثة إلا على كارثة جديدة بنفس الشكل وبنفس طريقة القتل، وتقف الحكومات العاجزة تطلق التصريحات والوعود النارية الرنانة، بعدها نجد نفس كبش الفداء داخل القفص، وإن كان أخطأ ففي النهاية هو موظف غلبان، لا يملك سوى الطرق البدائية التي انقرضت من عشرات السنين للتعامل مع أي قطار يقل آلاف الركاب، الذين ربما يصلوا إلى مناطق توجههم، أو يعودون إلى ذويهم داخل توابيت يلتف حولها المسؤولون، ثم يعودون إلى منازلهم ومكاتبهم الكيفة ينتظرون جنائزي الضحايا الجدد.
وأضاف، أن القدر لم يحرمهم كثيراً وأن الذكرى الأولى لضحايا الإهمال في أسيوط شهدت سقوط 29 ضحية جديدة أغرقت دمائهم قضبان السكة الحديد من جديد، وسوف تشهد محاكم محافظتهم تأجيل قضية محاسبة من قتلوهم تأجيل تلو الآخر، وحضور لجان هندسية وتحقيقات وشهود إثبات وشهود نفى وقضايا مصيرها تأجيل بعد تأجيل، حتى تقع كارثة جديدة.
فيما أكد محمد أحمد، عم أحد الضحايا، أن المعهد والمدارس، اللاتي وعدت بهم الحكومة لا يوجد منهم في القرية سوى رخامة تحمل اسم الرئيس المعزول، والمحافظ السابق تحاصرها أكوام القمامة.