في شارع حيوي متفرع من الشارع الرئيسي بمنطقة السيوف بمحافظة الإسكندرية، تقع جمعية "الهبة الخيرية".. هي دار أيتام يقيم فيها عددٌ من الأطفال، باتت لها ملجأً من "قسوة القدر"، يفترض أنَّها تتولى رعايتهم، لكن صاحبها اقتادها إلى سبيل غير إنساني، فباتت مرتعًا للاتجار بالأطفال وساحة لـ"الدعارة".
سكان العقار.. التي توجد به الجمعية، وكذا سكان العقارات المجاورة اعتبروا صاحبها "رجل خير" يجمع الأموال لحماية الأطفال لحمايتهم من التشرد، إلا أنَّ تردَّد بعض الأشخاص الذين وصفهم السكان سلوكهم بـ"السيء" جعل الشك يتسرب والقلق يسود، فبات وضع الجمعية "تحت المجهر".
الأهالي وجدوا ملاذهم في أجهزة الأمن، فأرسلوا شكاوى عديدة إلا أنَّهم لم يقدِّموا أدلة واضحةً على أي شيء يحدث داخل الجمعية، فوضعتها أجهزة الأمن "تحت المراقبة" إلى أن تم ضبط رئيس مجلس إدارة الجمعية وعدد من المشاركين بتهمة الدعارة والاتجار بالأطفال.
سلوكيات سيئة
"مصر العربية" رصدت الأوضاع لكشف تفاصيل الواقعة من خلال الجيران وحارس العقار، فقال "مكرم" رئيس اتحاد ملاك العقار إنَّهم منذ عامين لاحظوا سلوكًا سيئًا في الجمعية، حيث يحضر إليها "رجال" بعد الساعة العاشرة مساءً، ويتم إغلاق الحجرات على الأطفال معلقًا: "ويبقى الرجال مع مشرفات الأطفال".
وأضاف: "بعد زيادة الأمر عن حده، خاطب عدد من السكان رئيس مجلس إدارة الجمعية، فأنكر معرفته بما يحدث، وأكَّد أنَّ المتوافدين على الدار يحصلون على إعانات شهرية إلا أنَّه لم يحدث تغيير بعد ذلك، واستمر توافد الغرباء على الجمعية، مما اضطر السكان لإبلاغ الشرطة فتمَّ وضع الجمعية تحت المراقبة لمدة أسبوعين حتى تمَّ ضبطهم في الدار بتهمة الاتجار في الأطفال".
وأوضح أنَّ رئيس الجمعية استأجر الشقة من مالكة العقار بمبلغ 2000 جنيه شهريًّا، وأنَّه حين سأله سكان العقار عن ترخيص الدار رفض إظهار الرخصة قائلاً: "اللي عاوز يروح يشتكيني يروح"، مشيرًا إلى أنَّ السكان كانوا يسمعون صراخ الأطفال بشكل يومي.
أدلة إدانة
وأشار أشرف سعيد الشحات، بائع شاي على ناصية الشارع، إلى أنَّه علم أنَّ سبب القبض على رئيس الدار هو الاتجار في الأطفال، مضيفًا: "كان كبيرنا نفكر أنهم بيشتغلوا في الدعارة أو المخدرات لكن مش تجارة الأطفال".
وأضاف أنَّه علم من حراس العقار في المنطقة أنَّ مدير الجمعية كان يحاول جمع أبناء الحراس في أيام زيارة لجان التفتيش كي يظهر أنَّ الدار تحتوي على عدد أكبر من الأطفال الموجودين فعليًّا وذلك طمعًا في جمع تبرعات أكثر.
ولفت إلى وجود عدة حوادث جعلتهم يتشككون في سلوك العاملين في الدار، موضِّحًا أنَّ "كابل الكهرباء" الملاصق للدار اشتعل فاضطر السكان طرق باب الدار للوصول إلى الكابل عن طريق الشرفة وفصل الكهرباء، لافتًا إلى أنَّ العاملين بالدار من النساء إلا أنَّهم فوجئوا في ذلك اليوم بخروج رجلين راكضين فلم يستطع أحد اللحاق بهما لانشغالهم في إطفاء الحريق.
وذكر أنَّه من ضمن المواقف التي شهدها هي تواجد بعض سائقي الـ"توك توك" أسفل شرفة الدار، ودار حديث بينهم وبين الفتيات العاملات في الدار، وبعد تدخل الأهالي اكتشفوا أنَّهم يوردون إليهم بعض المخدرات "حشيش، وبرشام"، مشيرًا إلى أنَّه حين حاول الأهالي ضبطهم في إحدى المرات اضطر رجل من المتواجدين في الدار إلى القفز من الشرفة على سيارة أحد سكان العقار.
وأوضَّح أنَّه أبلغ الشرطة في إحدى المرات عقب قدوم أتوبيس يحمل أشخاصًا يرتدون ملابس تشبه "زي الأفغان"، وتوجَّهوا إلى الدار ثمَّ خرجوا بصحبتهم عدد من الأطفال، وقال المسؤول عن الدار إنَّهم ذاهبون في رحلة، مشيرًا إلى أنَّه أبلغ الأمن برقم الأتوبيس إلا أنَّه لا يعلم ما حدث بعد ذلك.
"غرباء" في الدار
وقال عصام جلال، سائق وأحد سكان المنطقة، إنَّهم دائمًا ما يجلسون على ناصية الشارع إلى جوار محطة البنزين، وإنَّهم لاحظوا توافد "غرباء" على الدار، مشيرًا إلى أنَّه في إحدى المرات جاء أتوبيس حمل الأطفال وبعد ساعتين عاد وقد نقص عدد الأطفال، موضِّحًا أنَّهم لاحظوا أنَّ التبرعات التي تصل إلى الدار لا يستفيد بها الأطفال، وأنَّ العاملين في الدار يحملون هذه التبرعات أثناء خروجهم.
ووصف جلال الوافدين على مقر الدار من الفتيات بـ"الشمال"، مشيرًا إلى أنَّهم توقعوا أن يكون النشاط المستتر للدار هو الدعارة، وأنَّهم حين حاولوا معرفة حقيقة الأمر شكا مدير الدار إلى مالك محطة البنزين، متهمهم بمحاولة التحرش بالفتيات العاملات في الدار.
وأكَّد أنَّه لم يكن هناك أي اهتمام بالأطفال، وأنَّهم دائمًا كانوا متواجدين في الشرفة دون أن يلتفت أحد إليهم، موضِّحًا أنَّهم علموا بشأن تجارة الأطفال من الحملة التي داهمت الدار.
عنفٌ ضد الأطفال
وأشار أحمد محمد سعيد حارس العقار إلى أنَّه لاحظ دائمًا توافد أشخاص وصفهم بـ"المريبين" إلى مقر الدار، لافتًا إلى أنَّه في بعض الأحيان كان يتصل بأحد أعضاء اتحاد ملاك العقار في حالة شكه في أي من الوافدين وكان الأمر ينتهي بمشاجرة مع مالك الدار.
وأوضَّح أنَّ الأطفال كانوا دائمًا ما يتعرَّضون للعنف، وأنَّهم كانوا يستمعون إلى صراخهم بشكل مستمر، منوِّهًا إلى أنَّه لم يدخل الدار من قبل، وأنَّه كان يحمل القمامة من أمام الباب فقط، مشيرًا إلى أنَّ سكان العقار كانوا رافضين لما يحدث، وأنَّ استمرار توافد الغرباء على العقار كان يسبب لهم الضيق، معلقًا: "السكان كانوا بيشوفوا الوضع كله من فوق".
التضامن.. 4 سنوات على إلغاء الترخيص
من جانبه، قال طارق برعي مدير إدارة الدفاع الاجتماعي بمديرية التضامن الاجتماعي بالإسكندرية إنَّ الجمعية صدر لها قرار من المحافظة بإلغاء نشاط "أطفال بلا مأوى" منذ عام 2012، لافتًا إلى أنَّهم جاءوا لتسلم الأطفال إلا أنَّ مدير الدار رفض ذلك، فتمَّ تحرير ثلاثة محاضر ضده في قسم رمل ثانٍ بعدم التمكين من تنفيذ قرار المحافظة، مع تحرير محضر في النيابة العسكرية، مشيرًا إلى أنَّه يحمل الضبطية القضائية بصفته مأمور ضبط قضائي فتوجَّه لرئيس نيابات شرق الإسكندرية وحرَّر ضده محضر للتمكين من تنفيذ قرار المحافظة بتسلم الأطفال إلا أنَّ ذلك كله لم يمكنهم من تسلم الأطفال رغم أنَّهم أوقفوا نشاط الدار.
وأضاف أنَّ هذه المحاضر تمَّ حفظها في النيابة، موضِّحًا أنَّهم يتابعون نشاط الدار منذ البداية، وأنَّ الترخيص الخاص بها صدر في عام 2011، وأنَّه عقب التأكُّد من وجود مخالفة للرخصة تمَّ إصدار أمر بإلغاء النشاط في عام 2012 وسحب الأطفال.
وأشار إلى أنَّه كان يتم متابعة الدار شهريًّا، وأنَّ المخالفة التي رصدت من خلال هذه المتابعة كانت في أعمار الأطفال المتواجدين في الدار حيث أنَّه من المفترض أن يضم أطفال في مراحل عمرية محددة.
وتابع: "الكارثة التي قبض على مدير الدار بسببها لم تظهر من خلال متابعة الدار، والسبب في اكتشافها هم السكان"، مشيرًا إلى أنَّه فور وصول قائد شرطة الآداب بالإسكندرية يوم مداهمة الجمعية كان اهتمامه منصبًا على الأطفال فتحركوا سريعًا، حيث تمكَّنوا عن طريق نيابة رمل ثان أمس الخميس من نقل الأطفال إلى المؤسسات المناسبة لأعمارهم، موضِّحًا أنَّ عدد الأطفال الذين وجدوا في الدار 13 بينهم ثماني فتيات وخمسة ذكور.
اقرأ أيضًا: