رئيس التحرير: عادل صبري 02:19 صباحاً | الاثنين 08 سبتمبر 2025 م | 15 ربيع الأول 1447 هـ | الـقـاهـره °

أطفال شبرامنت لا تعرفهم قوانين الطفل

أطفال شبرامنت لا تعرفهم قوانين الطفل

تحقيقات

أطفال شبرامنت يتركون المدرسة من أجل العمل

تطاردهم المياه الملوثة والإهمال الصحي..

أطفال شبرامنت لا تعرفهم قوانين الطفل

محمود يحاول جني قوت يومه وكريم يريد أن "يفتح بيت".. و"زينب" فقدت حقها في التعليم بسبب المياه الملوثة

هاجر هشام – مريم الغرباوي 15 أكتوبر 2014 18:51

طريق وعر يزيد من مشقة عبوره سوء حالة المواصلات، طرق ضيقة قديمة تتسابق فيها السيارات والتكاتك الصغيرة على العبور، ذهابًا وإيابًا، كثيرًا ما يجد سائق الميكروباص الذي نستقله للوصول إلى "شبرامنت" نفسه وسط عدد من السيارات، كل منها يقصد اتجاهًا مختلفًا، أزمة مرورية يصنعها ضيق الطريق كل يوم، لكنها بقيت حتى اﻵن بلا حل.

أخيرًا تصل نهاية الطريق، بداية القرية هي موقف شبرامنت للمواصلات، على اليسار يتصدر مشهد ربما يحكي كثيرًا عن المكان، مجموعة من "التكاتك"، يسير أصحابها بلا هوادة، ﻻ يكادون يوصلون زبونًا حتى يأخذوا اﻵخر إلى مقصده، خلية نحل تكوينها قائم على نحل صغير فيهم من لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره، يكافحون فقر وحاجة أهاليهم، وضعف الخدمات في المكان الذي اختاره القدر ليكون مسكنهم.. (محمود) كان واحدًا من بين هؤﻻء.

[الطفل محمود]

في طريقه للمنزل، يشاء القدر في أحد اﻷيام أن يصاب فى حادثة اصطدام ميكروباص، أدت إلى فقدان قدمه اليسرى نتيجة لجلوسه يومها بجوار السائق، ليترك بعدها محمود المدرسة ويعمل على أحد التكاتك بشبرامنت.

هيئته الصغيرة تعطيك انطباعًا أنه طفل لم يكد يكمل عامه الثاني عشر، أصر في البداية أنه يبلغ من العمر سبعة عشر عامًا، ليخبرنا بعدها أنه ترك المدرسة الابتدائية منذ عام، يحادثنا محمود من داخل التوكتوك الذي يعمل عليه “باليومية”، ينتظر زبونًا قد يجود عليه بما يزيد حصيلته اليومية التي يقدرها محمود لنا بثلاثين جنيه.

“سبت المدرسة عشان كانوا بيضربوني، وبشتغل عشان أصرف على نفسي"، هكذا برر محمود عمله كسائق للتوكتوك، يكمل محمود في انكسار أن أهله غير مهتمين ﻷمره سواء من الناحية الصحية أو المادية، ليتحول منزله لمجرد ترانزيت وقت النوم، يخرج منه في الصباح ليكمل عمله.

لم يكن محمود الوحيد في عمره العامل بهذه المهنة، معظم الأطفال بقرية شبرامنت يعملون بمهن مختلفة، منهم البنا وآخر النجار والميكانيكي والحداد، وبائعات الملابس، أطفال في عمر الربيع لم يروا منفذًا مختلفًا لمكافحة فقرهم وحاجة أهاليهم، وأحيانًا ﻻمباﻻتهم، إﻻ أن يلعبوا دور الكبار في توفير سبل الرزق.

ظل يوسف شعبان، البالغ من العمر – كما يقول، 18 عامًا، والذي تردد كثيرًا قبل ذكره، يهدئ محمود ويحاول حثّه على الحديث معنا، يوسف سائق توك توك منذ عام بقرية شبرامنت، ترك التعليم الأزهري ليعمل على التوك توك الذي اشتراه له والده، "عشان التوك توك أفيد من التعليم"، مثلما رأى يوسف.

[يوسف شعبان]

رغم عمله الشاق على مثل من في عمره، لكن الابتسامة لم تكن تفارق وجهه وهو يحدثنا عن عمله الذي تضاربت أقواله حول مكسبه منه، ما بين الكثير والقليل، لكنه راضٍ تمامًا عما يفعل، وأهله كذلك، ليرافقنا طريقنا في رحلتنا بضاحيته "شبرامنت" المترامية على أطراف محافظة الجيزة، مؤكدًا لنا أن مهنة "سواق توك توك" في شبرامنت، ليست المجال الوحيد الذي يمكن أن تجد فيه طفلاً يعمل من أجل كسب رزقه.

يشير يوسف إلى كريم كواحد من هؤﻻء اﻷطفال، يبلغ كريم من العمر 13 سنة، ويعمل كمنجد في أحد المحلات بشبرامنت، يؤكد كريم أن والده يستطيع تولي نفقاته، كما أنه لم يترك مدرسته، لكنه مصر على أن يعتمد على نفسه، يقول: ”عايز أبقى صاحب صنعة"، يضيف: "لو ما نفعتش في التعليم يبقى معايا صنعة، لو مانفعتش في الصنعة يبقى معايا التعليم".

يحكي كريم بفخر عن مرتبه الذي يتحصل عليه ليعطي نصفه ﻷمه التي تشتري له ملابس منه، والباقي يشتري هو منه أغراضًا ﻷختيه الأكبر منه، يقول كريم باعتزاز: "بحس إني كده بقيت راجل لما بشتغل وبصرف وأقدر أفتح بيت".

ربما ﻻ يعلم كريم بأمر اتفاقية العمل الدولية، رقم 138، التي تمنع عمل اﻷطفال تحت سن الـ17، وتعتبره جريمة.

[الطفل كريم]


مياه شبرامنت طريقك للمرض

بينما تسير في شوارع شبرامنت، تجد العديد من محطات التنقية التي يقوم عليها اﻷهالي، هربًا من مياه الخزان العمومي في شبرامنت، الذي يقول اﻷهالي إنهم عانوا من سوء مياهه، زينب كانت إحدى ضحايا هذه المياه.



المياه في شبرامنت أصابت والدها بمرض الكبد الوبائي والفشل الكلوي، تقول زينب: “أبويا كان الوحيد اللي بيصرف على البيت، لما تعب مابقاش قادر فسبت الدراسة ودورت على شغل".

كانت تعمل بأحد مصانع الملابس بالهرم، تقول زينب إنها تركته لسوء المعاملة فيه: "بيمسكوا عصيان يضربوا بها البنات اللي مش شايفة شغلها وﻻ اللي شغلها قليل، أنا كنت بنت في حالي وشايفة شغلي بس ماحبتش حد يتكم معايا".

 تحكي زينب أنها اﻵن تبحث عن عمل آخر غير الذي تركته لتعول أسرتها المكونة من أبيها المريض وأمها، وأختها الصغيرة رحمة، التي ظلت طوال وجودنا تشتكي من المياه: "الفاتورة الشهر ده جاية 500 جنيه، وإحنا ما بنستخدمش مية الحكومة أصلا"، عند سؤالنا عن سبب اعتمادهم على مياه التنقية.

تأتي كل من زينب ورحمة كل يومين لشراء 40 لترًا من مياه محطة التنقية التي يمكلها محمد عاشور، خريج آداب القاهرة، الذي رأى في هذا المشروع ما هو أفضل من الجلوس منتظرًا العمل بشهادته، يقول عاشور: “محطات التنقية اللي بتعملها اﻷهالي منتشرة في نواحي الجيزة، مش في شبرامنت بس، والمشروع نوعًا ما مربح، وأحد أصدقائي في مركز قريب من شبرامنت هو اللي اقترحه عليّ".

رحمة ليست كأختها فهي لم تترك دراستها، تدرس اﻵن في الصف السادس الابتدائي، في مدرسة عمر بن الخطاب الابتدائية، يتسع فصل زينب لسبعين طفلا، بحسب قولها، مثلها أرادوا أن يتعلموا علّهم يستطيعون تغيير واقعهم وواقع أهاليهم، تقول زينب: “المدرسين عندنا نصحونا نبعد عن الدروس الخصوصية، وكفاية المجاميع، بس فيه طلبة برضو بتروح الدروس".

مدرسة رحمة واحدة من 4 مدارس ابتدائية في نواحي شبرامنت كافة، لكنها مع ذلك ﻻ تستطيع المدارس اﻷربع تغطية الكثافة العالية للأطفال في التعليم الابتدائي في شبرامنت، ففي مدرسة رحمة وحدها هناك 1000 طالب موزعيو على 20 فصلاً، في مدرسة لم تتجدد من وقت بنائها، منذ أكثر من عقدين، بحسب ما يقوله عم محمود، حارس المدرسة.
[زينب ورحمة]

مأساة زينب ﻻ تنتهي عند خروجها من المدرسة للعمل، فوالدها واحد من من مئات المرضى في شبرامنت، يرون مبنى مشفى شبرامنت المركزي أمام أعينهم وﻻ يطولون دخوله، ﻷنه مبنى لمستشفى متوقف عن العمل منذ أكثر من عشر سنوات دون سبب معروف للأهالي، على اﻷقل، ليلجأ معظمهم إلى مستشفى أبو النمرس، التي تبعد عنهم حوالي الساعة، أو إلى العيادات الخاصة، كوالد زينب.

سألنا زينب عن مستشفى شبرامنت المركزي، قالت لنا باختصار: "مالهاش ﻻزمة".

مستشفى شبرامنت المركزي في العناية المركزة

في قرية تعاني أمراض الفشل الكلوي والكبد الوبائي، كما يعاني والد زينب، تستغرب الهدوء الذي يخيم على مستشفى شبرامنت المركزي، ﻻ مرضى وﻻ زحام، فالمشفى ظل ينتظر من يفتتحه منذ عشر سنوات.

بالقرب منه تجد مبنى صغيرًا بلافتة "الوحدة الصحية بشبرامنت"، هناك أيضًا يخيم الهدوء، فقط مجموعة من اﻷطباء يجلسون على كراسي الانتظار المقابلة للمشفى، منهم الدكتور مصطفى عبدالله، مدير وحدة صحة اﻷسرة بشبرامنت.

 وعن الخدمات الصحية التي يقدمونها للأهالي قال: “نحن وحدة صحية وقائية وليست علاجية، نهتم بالتطعيمات وتسجيل المواليد والوفيات، وهناك بعض العيادات الخارجية، ولكننا لسنا مستشفى".

بينما رفض عبدالله الحديث عن سبب توقف مستشفى شبرامنت المركزي عن العمل حتى اﻵن، قائلاً: “اسألوا رئيس وحدة الشئون الصحية، أنا لست مدير المستشفى ﻷتحدث عن سبب توقفه".

ذهبنا إلى الدكتور سيد غزالة وكيل مديرية الشئون الصحية بالجيزة، فأكد لنا أن مركز صحة الأسرة يؤدي دوره العلاجي على أكمل وجه، وذكر أن المركز به كل التخصصات التي تغطي أهالي القرية بالكامل، في حين أنه عندما ذهبت مصر العربية إلى المركز "لم تجد مريضًا واحدًا فيه".

وأضاف غزالة أن مستشفى أبو النمرس المركزي ليست بالبعيدة، فهو على بعد 3 كيلو من قرية شبرامنت، ويمكن الوصول إليه بسرعة.

وعن تأخر العمل بمستشفى شبرامنت المركزي، علل غزالة بأن هناك أعطالاً فنية بتصميم المستشفى والعمل به توقف أكثر من مرة منذ بدء العمل به عام 1999، إلى جانب عوائق مالية ساهمت في تعطيل بدء العمل فيها.

وذكر أن المستشفى تم الانتهاء من 95% منه وسيتم تسليمه على ما هو عليه لحين الانتهاء من مشكلة الأحمال الكهربائية، التي لن تستطيع تحمل ضغط الأجهزة الحديثة المقرر العمل بها في المستشفى، وهي المشكلة الرئيسية التي تعطل العمل بالمستشفى بسببها.

تعداد قرية شبرامنت، إحدى قرى مركز أبو النمرس بمحفظة الجيزة، بحسب تعداد المركز القومي للتعبئة واﻹحصاء في 2006، وصل إلى 20172 نسمة، جميعهم يعانون من مشاكل كالتسرب من التعليم وانعدام اﻷمن والصحة، لكن أبرز مشاكل المكان، كما ترى لمياء محمود، مديرة حضانة نور على نور، إحدى الحضانات الخيرية في منطقة عرب سراب في شبرامنت هي الجهل.



توضح لمياء: "نحاول القيام بالتوعية اللازمة حتى يتوقف اﻷهالي عن حرق القمامة أو رميها في الترعة، ذلك أن نسبة كبيرة جدًا من اﻷطفال في الحضانة مصابون بمشاكل في الرئة بسبب الحرق المتكرر للقمامة"، لكنها استدركت: "المشكلة برضو في عدم وجود أماكن لرمي القمامة أصلا، الناس هتعمل إيه"؟

رئيس الوحدة المحلية: المشكلات مؤقتة

 كان اللقاء مع المهندس شفيق جلال، رئيس الوحدة المحلية بأبو النمرس، التي تقع تحت مسؤوليتها خدمة عدّة مناطق، منها منطقة شبرامنت، حيث رفض الحديث عن وجود قمامة في شبرامنت، على الرغم من إخبارنا له بتصويرنا القمامة المنتشرة في أكثر من مكان، ومنها ما هو على الترع التي يروي الفلاحون منها أراضيهم، قال جلال: “فيه عندهم 80 صندوق زبالة في شبرامنت، الواحد منهم سعة متر ونصف من القمامة، ومنتشرين في كل المنطقة".


كما أكد جلال أن مشكلات شبرامنت معظمها يتعلق بـ"الصرف الصحي"، وأن باقي المشكلات مؤقتة، رافضًا ما قاله اﻷهالي عن تلوث مياه الخزان في شبرامنت، أو عدم صلاحيتها للشرب.

 يقول جلال: “ضعف شبكة المياه يجعل من الصعب وصول المياه لمناطق نائية أو أدوار عالية إﻻ باستخدام موتور"، مضيفًا: "التلوث بييجي من وصلات اﻷهالي فقط، وليس من الخزان".

وعن عمالة اﻷطفال وتسربهم من التعليم، قال جلال إن تسرب اﻷطفال متوقف على المستوى التعليمي للأهل ورغبتهم في تعليم أبنائهم "ثقافة اﻷب هي التي تطغى"، وعند سؤاله عن العمالة قال إنه ما زال يبحث مشاكل المكان "أنا في منصبي منذ أسبوعين وما زلت في طور بحث المشاكل".

حقوق الأطفال المهدرة بين القانون والواقع

فى تواصل مع الحقوقية "أمل جودة" عضو ائتلاف حقوق الطفل، للتعليق على ما يواجه اطفال شبرامنت من عمالة مبكرة وتسرب من التعليم، بالإضافة للمشكلات الصحية، أكدت أن عمل الطفل يحرمه من العديد من حقوقه، كحقه في التعليم والترفيه، لكن من الصعب في نفس الوقت حث الطفل على عدم العمل قائلة: "الفئات المهمشة ﻻ تنظر إلى المستقبل البعيد، ما يهمها هو قوت يومها، ففي نظر اﻷسرة من اﻷفضل أن يعمل الطفل ويدر دخلاً من أن يلتزم مدرسته ليكلفهم أعباءً إضافية".

وتضيف جودة، أنه يمكن اتخاذ حلولٍ وسط، لعمل اﻷطفال ولكن بشروط معينة، كالبعد عن العمالة الؤثرة على حياته، عمله لساعات عمل تناسب قدرته، وتعطيه الوقت للذهاب إلى المدرسة والترفيه في نفس الوقت، بحسب قانون الطفل.

وأوضحت جودة أن قانون الطفل يسمح للأطفال بالتدرب على العمل منذ سن الرابعة عشرة، وأن يبدأ العمل الفعلي من سن السادسة عشرة.

وتحدثت جودة عن أن تعامل المدرسين مع اﻷطفال في المناطق المهمشة بمنطق "مصدر الرزق"، يكلف أسرة الطفل أعباءً اقتصادية قد ﻻ تتحملها، تقول جودة: “المدرس يطلب من الطفل أخذ دروس أو مجموعات، ما يحمل الطفل واﻷهل أعباء إضافية، هذه اﻷعباء بجانب المعاملة السيئة التي يتلقاها الطلبة واﻹحراج الذي يتعرضون له نتيجة اﻹهانات من المدرسين، تجعلهم يكرهون المدرسة ويرحبون بتركها".

هل من مهتم؟

تركنا أطفال شبرامنت ليواصلوا يومهم فى نفس الخطوات التى فرضتها عليهم الظروف القهرية والحاجة والإهمال، رغم اهتمام الدولة الظاهرى بالقوانين والمؤسسات والمجالس القومية المعنية بالطفل وتخصيص بند من بنود الموازنة العامة للدولة لتصرف فى هذا الاتجاه، لكن يبدو أن تلك الأموال والمخصصات تصرف على عقد مؤتمرات واجتماعات بالفنادق الراقية ليتناقش فيها أصحاب البدل الراقية عن حقوق الأطفال فى مصر، دون أن يدركوا أن هناك أطفالاً فى شبرامنت وغيرها قد تكفى تكلفة اجتماع واحد، أعباء عمل شهر كامل لهؤلاء الأطفال.

 

 

 
اقرأ أيضًا:

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان