على مدار ثلاث سنوات تغنى اﻹعلام بدور المرأة في حسم صراعات سياسية وإنجاح ثورات، قدمت شهيدات وقادة للمظاهرات، مبادرات سياسية وأحلام بغد أفضل ينعم فيه المجتمع بتوازن بين الرجل والمرأة، لكن هذه الأحلام ربما تتحطم على صخرة الواقع القاسية.
نحو 24 مليون مصرية لهن حق الانتخاب في جميع أنحاء الجمهورية، يتوزعن بين المحافظات، تملؤ صور طوابيرهن الجرائد والتليفزيونات في اﻷعراس الديمقراطية المختلفة، ما بين استفتاء وانتخابات برلمان ورئاسة، لكن على الجانب اﻵخر من المعركة الانتخابية تجد أرقامًا محبطة.
فمن بين 984 سيدة ترشحن في دوائر مختلفة في انتخابات مجلس الشعب في 2011/ 2012، لم تفز سوى سيدتين فقط عن طريق صناديق الاقتراع، لتقع مصر في إحراج كبير بسبب حجم التمثيل النسوي الضعيف في البرلمان، يضطر بعدها المجلس العسكري لتعيين 9 سيدات، ليصبح التمثيل النسائي في أول برلمان مصري بعد الثورة 2%.
الهزائم المتكررة للمرأة في المعاركة الانتخابية ليست حكرًا على مجلس الشعب وحده، بل كان أيضًا في الانتخابات الرئاسية في 2012 و2014، حيث تقدّم اﻹعلامية بثينة كامل كمرشحة محتملة للرئاسة في الفترتين، لم تنجح في جمع التوكيلات المطلوبة لتدخل سباق الرئاسة في المرتين.
المعادلة غير المنصفة للنساء، تتكرر حتى مع وجود "كوتة المرأة" في برلمان 2010 قبل سقوط نظام مبارك، فشكلت النساء ما نسبته 13.1% فقط من البرلمان، منهن 5 سيدات معينات من قبل الرئيس اﻷسبق محمد حسني مبارك، وهو ما يشير إلى أن المسألة تتعدى أيضًا قانونًا يضمن حصة للمرأة في البرلمان، فتونس مثلاً حازت النساء فيها على نسبة تمثيل قاربت الـ26% بعد الثورة.
تقدير الذات
يوضح تقرير المنتدى شبه اﻹقليمي حول مشاركة المرأة في الانتخابات البرلمانية بعد الثورة في دول الربيع العربي، لمنظمة اﻷمم المتحدة للمرأة "UNWomen”، أن هناك خمس عقبات تواجه وصول المرأة للسلطة في مصر، منه عدم تقدير المرأة لذاتها وقلة طموحها.
ربما تجد هذا متجليّا في آراء النساء في الشارع حول مدى صلاحية المرأة لتقلد منصب نيابي أو تشريعي، فقد سألت "مصر العربية" نساءً مصريات هذا السؤال، فكانت إجابة أغلبهن أن الرجل أصلح من المرأة لهذه المناصب، بينما تنوعت اﻷسباب لتشمل قلة الخبرة والعاطفية، وكونها ضعيفة.
فقد قالت منال صار، ربة منزل، إنها ترى الرجال أصلح لهذه المناصب "ﻷن علاقاتهم واسعة وخبرتهم أعلى وأكبر في السياسية"، بينما رأت عواطف أحمد، ممرضة، أن السبب هو أن المرأة عاطفية وغير قادرة على التصرف الصحيح في بعض المواقف، إﻻ أنها أكدت إيمانها أن السيدات في بعض اﻷحيان يكسرن المعادلة، ويكن أفضل من الرجال، في الوقت الذي أكدت فيه زينب عبدالله، رئيس معاون بالمركز القومي للبحوث أن "الست مهما كانت ضعيفة".
تمسكت أخريات بعنصر الكفاءة بعيدًا عن مسألة النوع، فقد أكدت رقية عبد النبي، ربة منزل، أن صوتها لمن يمكنه حل مشاكل ابنها الذي يعاني بسبب إعاقته، بعيدًا عن مسألة "راجل أو ست".
أخريات رأين في النساء خيارًا أفضل من الرجال، لأنهن قادرات على الدفاع عن حقوقهن، كسارة خالد، الطالبة التي رأت في المرشحة المرأة شخصية قادرة على اﻹحساس، ليس فقط بمعاناة المرأة ولكن بمعاناة المجتمع ككل، "الست هتدافع عن حقوقي وحقوق المجتمع كله، لكن الراجل مايعرفش حاجة عن مشاكلي أنا".
الخطاب
تحكي بثينة كامل، اﻹعلامية، عن محاولتها الترشح لانتخابات الرئاسة: "في انتخابات 2012، عملت لعام كامل على حملتي الانتخابية، من إبريل 2011 ﻹبريل 2012".
تقول كامل إن ترشحها لم يكن بغرض الفوز في المقام اﻷول، ولكن لكسر "تابوه" عدم قدرة المرأة على الترشح ﻻنتخابات الرئاسة، "قابلت من كان يظن أن الدستور والقانون ﻻ يسمحان للمرأة أصلا أن تترشح للرئاسة".
تتابع كامل: "المجتمع تغيّر في تقبل الفكرة بشكل كبير من أول مؤتمر نظمناه لحملتي، وحتى آخر مؤتمر لي في 2014، الفكرة تحولت من نكتة إلى حقيقة يتعامل معها الناس بشكل عادي"، تؤكد كامل أن خطابها السياسي اعتمد بشكل أساسي على مشاكل المواطن بغض النظر عن النوع، "مشاكل المرأة عامة ليست مشاكل خاصة بها، كل المشاكل الاقتصادية واﻷزمات السياسية المرأة تتأثر بها".
ترى إيفون مسعد، القيادية بالجبهة الوطنية لنساء مصر، أن أحد مشاكل السياسيات المصريات في المعارك الانتخابية التي يخضنها تكمن في قصر خطابهن على مشاكل المرأة وفقط، على الرغم من أن الناخبة المصرية ﻻ ترى معظم مشاكلها في هذه الناحية، بل ترى أن المشاكل العامة التي تؤثر على المجتمع بأسره هي اﻷكثر تأثيرًا عليها، ما يدفع الناخبة ﻻختيار بديل مختلف للمرشحة المرأة.
نفس المسألة انتقدتها كريمان سيد إبراهيم، واحدة من المرشحات للمجلس النيابي القادم، ولها تجارب في الترشح للبرلمانات 2010 و2012، فقد رأت كريمان أن اﻹعلام دائمًا ما يعطي الفرص للسيدات صاحبات الخطاب النسوي الذي يركز على مشاكل النساء في اﻷحوال الشخصية فقط، ويهمل صاحبات الخطاب الذي يتوجه لقطاعات مختلفة، "مشاكل المرأة مش أحوال شخصية بس، عندنا مشاكل ثانية وبتمس قطاعات كبيرة من المجتمع بس اﻹعلام ما بيظهرهاش".
ذكورية
واحدة من اﻷسباب التي أقرها تقرير منظمة اﻷمم المتحدة للمرأة في تقريرها للمنتدى شبه اﻹقليمي عن مشاركة النساء في البرلمانات بعد الثورة في عدة دول منها مصر، هي الثقافة الذكورية التي تسود المجتمع المصري.
وتؤكد الدكتورة كريمة الحفناوي، اﻷمين العام للحزب الاشتراكي المصري، أن الثقافة الذكورية واحدة من أهم اﻷسباب التي تعوق وصول المرأة للسلطة، أو حتى تمثيلها في اﻷماكن والمناصب الهامة، "لجنة اﻹصلاح التشريعي والمحافظات والدواوين، كلها أمثلة على لجان وأماكن ينقصها تمثيل عادل للمرأة".
وتؤكد الحفناوي أن اعتبار المرأة غير قادرة وغير خبيرة نتاج عدة مصادر كونت هذه الثقافة، مثل الدراما والتربية اﻷسرية والدينية.
تقارن كريمان سيد ابراهيم، إحدى المرشحات المحتملات للبرلمان القادم، بين تجربتها في الترشح لبرلمان 2010 في ظل وجود كوتة المرأة، و2012 في ظل عدم وجودها: "في 2010 الناس كانت مرحبة بيّ حتى من الصعيد، ﻷني لم أكن أنافس مرشحيهم، لكن في 2012 واجهت منافسات شرسة وصلت إلى سرقة أملاكي الشخصية".
وأشار تقرير أعدّه مركز القاهرة للتنمية حول مشاركة المرأة في اﻷحزاب السياسية المختلفة، في الثلاثة أشهر اﻷخيرة، انتقى عينة مكونة من ثمانية أحزاب مصرية، تمثل معظم التيارات السياسية في البلاد، أوضح بحسب النتائج التي أعلنها العاملون عليه في مؤتمر صحفي عقد باﻷمس، أن اﻷحزاب المصرية تتجاهل تمثيل المرأة على قوائمها أو تحبذ وضعها في ذيل القوائم الانتخابية.
تقول الدكتورة كريمة الحفناوي، إن الاتحاد النسائي درب 100 سيدة على القيادة السياسية ليؤهلهن لدخول البرلمان، "تم اختيار السيدات بناءً على 14 معيارًا ﻻ يعتمد الحزبية أو المحسوبية، وبالتالي على اﻷحزاب اﻵن تشجيع دخول النساء إلى قوائمهن الانتخابية وتصعيدهن في تلك القوائم".
وتؤكد إيفون مسعد، القيادية بالجبهة الوطنية لنساء مصر، أن الأحزاب إلى جانب الدولة مسؤوﻻن عن تهميش المرأة وإظهارها كشخص غير صاحب أهمية لدى الدولة، ﻷنها امرأة.
تقول مسعد: "الدولة ﻻ تعطي لتواجد المرأة السياسي الاهتمام، الناخب، حتى وإن كان امرأة، لن يصوت لمرشح امرأة، ﻷنه يعتقد أن الدولة لن تعطيه ولن تعطي ما يطالب به اﻷهمية الكافية".
تشير مسعد إلى أن المادة 11، والتي تعطي المرأة حق التمثيل الملائم في مجلس الشعب ليست كافية لضمان تمثيل عادل للمرأة في البرلمان، "الكثير من المواد الدستورية ﻻ تنفذ، هناك قوانين ﻻ تنفذ، وبالتالي أنا ﻻ أضمن تنفيذ هذه المادة كما جاءت في الدستور"، مؤكدةً أن "اﻷحزاب والدولة مطالبان بإعلاء شأن المرأة وإعطائها اﻷهمية".
اقرأ أيضًا: