في 18 أبريل 1992، في قرية أسطنها بالباجور محافظة المنوفية، طفلة قرر والداها أن يطلقوا عليها اسم ميادة، وبخطى ثابتة اتخذت طريقها نحو التفوق، لينتهي ذلك الطريق أمس 28 مارس 2014 برصاصتين، في الرأس، لم يمهلوها فرصة الاحتفال بيوم مولدها الثاني والعشرين، ولكنها ربما كانت تنتظر ذلك اليوم لحدث آخر سعيد إلا وهو حفل تخرجها في كلية الإعلام جامعة القاهرة.
في أغسطس 2009، لم تتمالك ميادة نفسها من الفرحة، حققت حلمها في دخول كلية الإعلام جامعة القاهرة بمجموع 96% بالثانوية العامة، في 7 أغسطس من نفس العام تسلمت شهادة تقدير لحصولها على المركز الأول أدبي بمدرستها " أسطنا الثانوية المشتركة"، أصرت على التقاط صورة لتلك الشهادة احتفظت بها.
عقب ذلك التاريخ بشهرين اتجهت ميادة إلى القاهرة، تاركة قريتها الصغيرة، 4سنوات قضتها في القاهرة، غربة لا يعلمها إلا من عاشها، لم يمر سوى عامين فقط، حتى التحقت ميادة للعمل بموقع الدستور منذ بدايته، فى 10 مايو 2012.
وعلى الرغم من ضآلة الراتب الذي حصلت عليه ميادة "250 جنيها"، في هذا الوقت، إلا أنها أصرت على استكمال ما بدأته للوصول إلى حلمها الآخر وهو "كارنية نقابة الصحفيين"، والذي تصفه دائمًا بـ"المأساة".
من تاريخ التحاقها بالدستور وحتى يونيو 2013، انقسمت حياة ميادة ما بين الموقع، والدراسة بكلية الإعلام، وفى نهاية كل عام كانت الرحلة الشاقة، بحمل حقائبها للانتقال من المدينة الجامعية للمنزل مرة أخرى، أثناء العطلات الدراسية.
"بولتيكا"، اسم فرحة أخرى في حياة ميادة ، مشروع تخرج حصد المركز الأول مكرر على مستوى قسم الصحافة بكلية الإعلام ، ومع الدفعة التي سببها هذا المركز، رفضت محاولات والديها بالبقاء في المنوفية حتى اضطرت في بعض الأحيان إلى السفر يوميًا من القاهرة إلى المنوفية، حتى رضخا أخيرًا لرغبتها.
"يوم الجمعة"، يوم اعتادت ميادة النزول فيه لتغطية الأحداث، تختار المنطقة المشتعلة بالتظاهرات لتخرج بتغطية ممتازة، والتي غالبًا ما تكون منطقة "المعادي" وأحيانًا شارع الهرم، لكن هذه الجمعة كان طلبها الخاص النزول في مسيرة عين شمس، لتكون بجوار صديقتها أحلام حسنين.
في تمام الثالثة انضمت المسيرات في شارع أحمد عصمت، لم يبلغ اليوم ذروته بعد، فعزومات يطلقها الزملاء على الطعام وضحكات المودة لازالت موجودة .
يقول محمد ربيع أحد الصحفيين المرافقين لميادة، عند مزلقان عين شمس وقفنا أمام عصارة قصب وشربت العصير، بعدها أجرت ميادة حوارًا مع أحد المتظاهرين- عمره 15- وداعبته قائلة "مش كنتوا تتظاهروا قريب " قالها "مش بمزاجنا، دا بمزاج التحالف".
هذا الحوار هو آخر كلام ميادة حسب ربيع، لبدء الاشتباكات بعدها فورا، بلطجية وداخلية يهاجمون المسيرة من ناحية مدرسة فلسطين، تفرقنا، ميادة وأحلام جريا من طريق تاني، وجريت مع زميل تجاه المترو .
أما محمد نصر، الصحفي بالأهرام فيقول، كان عنوان خبر ميادة عن الاشتباكات "طفل يقود التظاهرات في عين شمس".
يستكمل محمد ربيع روايته قائلاً، عند وصولي للمترو اتصلت بميادة ولكنه تركني قيد الانتظار، طمأنني هذا ، "بتكلم الموقع عشان تملي الخبر"، عاودت الاتصال رد على أحدهم، سألته عن صاحبة التليفون ، فأجابني "أخدت طلقة في دماغها وهما رايحين مسجد عبيد".
في المسجد وقفت عند رأسها ، "بيربطوا إيديها ووجهها بشاش"، وأحلام تتمتم بجوارها بكلمات غير مفهومة ، "كانوا عاوزين يخلصوا من الميتة، والأهالي عاوزين يطردونا لأنها ماتت أثناء المظاهرة".
يضيف ربيع ، لدي معلومة أن قيادات الصحف قد أبلغت من قبل الداخلية عن أن ميادة أصيبت بطريق الخطأ وعلى الجميع التزام الهدوء، نظرًا لما تمر به البلاد.
أما محمد سعد خسيكة ، صحفي فيقول، إن بعض قيادات الصحف قد هددت بعض العاملين بها بالإقالة إذا ما أطلقوا العنان لأسنتهم بشأن شهادتهم عما وقع لميادة .
وخلف ستارة المسجد كانت ميادة مبتسمة بشوشة كما كانت دائمًا، تخلصت من أعباء الدنيا ، وحقيبة السفر وعنائه ، لا طريق سيؤلمها طوله ، ولا غياب عن الأحباب يزيدها اشتياقًا، فقط الأحباب سيشتاقون .
ربما الآن يطبطب عليها الله بطريقته، كما كانت آخر أمنياتها، واللي صابها كان من نصيبها كما كتبت على صفحتها عبر فيسبوك، وستصبح أولى اهتمامات من فارقتهم، بعد أن رحلت قبل أسبوعين من حفل تخرجها والذي يوافق عيد ميلادها 23 .
ونحن هنا نردد مع محمد طلبة:
"مكتوب على باب المستقبل: العشق أمارة وزوادة
مكتوب عن بنت كانت حرة قتلوها بشاشة وببيادة
مكتوب العسكر هيروحوا
وتعيشي يا ضحكة ميادة"
اقرأ أيضا :
"ميادة".. ضحية جديدة لكشف الحقيقة
عائلة "ميادة": الجثمان مازال بالمستشفى والجنازة فور وصولها
"الدولية للصحفيين":"ميادة"أول صحفية تقتل بمصر خلال2014