رئيس التحرير: عادل صبري 08:39 صباحاً | السبت 20 أبريل 2024 م | 11 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

"أم وردة" تبيع الأغذية الفاسدة للغلابة

"أم وردة" تبيع الأغذية الفاسدة للغلابة

الزبائن: سعرها مهاود وعلى قد الإيد

رشا عبيد 16 يناير 2014 09:40

أمام فرشتها في إحدى المناطق الشعبية, ينتظرها الزبائن كل صباح، وإذا بميكروباص متهالك يقف أمام الفرشة لتنزل منه " أم وردة" بطفلها الرضيع، وتبدأ في إنزال بضاعتها وفرشها مؤكدة على جميع الزبائن ألا يمد أحد يديه إلا إذا انتهت من تنظيم بضاعتها.

الأسعار معلومة للجميع، كيلو صدور الدجاج المتبلة "الفيليه" والسجق بعشرة جنيهات، ومرقة الدجاج التي اختفت ملامحها تباع الكيلو بخمسة جنيهات، وبيف أمريكانا العلبة بجنيهين فقط، وكيلو الجبن مقابل ثمانية جنيهات، وكيلو الشيبسي بستة جنيهات، والكيس من فيليه دواجن الوطنية المنتهية صلاحيته منذ شهرين باثني عشرة جنيها، والعصائر والزبادي بأسعار زهيدة.

 

بقلق وتوجس تقول " أم وردة" الجميع يعرفني ويشتري هذه البضاعة يوميا ولم أسمع أن أحدا اشتكى منها أو أصابته بشيء وأطهو لأولادي منها يوميا، وتتابع: "ياريت تجربي السجق دة, متخافيش دة زي الفل".

 

وعن مصدر البضاعة، رفضت الإفصاح عن أي معلومة مؤكدة أن هناك متعهد يأتي لها بالبضاعة يوميا حتى باب بيتها وأن هذا هو مصدر رزقها ورزق أولادها الوحيد ولا تعرف سواه.

 

الفقر والجهل والعوز

" دة أكل الغلابة يا بنتي" هكذا علقت إحدى الزبائن... فمع غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار, باتت ربة المنزل تتحايل على ما تأخذه من مصروف لتلبي جميع رغبات أطفالها من طعام وحلويات وعصائر، وشراء ما يكفي لعمل وجبة رئيسية، حتى باتت هذه المنتجات الفاسدة  والمنتهية الصلاحية منذ شهور فرصة أمام ربة المنزل لشراء كل ما يكفيها وأطفالها "على قد الجيب"

 

ويبدو أن الفقر والجهل قد ضرب بالمثل الشعبي " اللي يسترخص اللحم يلاقيه في المرق " عرض الحائط مع الإقبال المتزايد والملفت للنظر على هذه المنتجات والسلع الاستهلاكية في الأماكن الشعبية دون الاهتمام بفترة الصلاحية ومدى صلاحيتها للاستخدام عن قصد أو دون، إذ إن رخص سعرها يغفر لها كل عيوبها.

 

فرصة لربة المنزل

إحدى الزبائن وقفت لتشتري السجق رغم أنه غير مجمد ويوضع في كيس بلاستيكي غير نظيف, ومع ذلك تقول: " أقوم بغليه جيدًا قبل طهيه حتى تزول كل شكوكي، وكذلك يطلبه أولادي دائما.

 

وترد أخرى: " ننتظر أم وردة يوميا، سعرها مهاود على قد الإيد في الزمن الصعب دة ولولاها لم يذق أولادي كل هذه اللحوم والسجق والفيليه أو الزبادي والعصائر المختلفة والحلويات, كنا هنجيب منين والمرتب يدوب.. سيبوا الغلابة تاكل"

 

 " أم وردة" ليست وحدها، فجميع الأسواق الشعبية أصبحت تعج بالكثير من هذه البضائع والأغذية الفاسدة حتى أنواع الشيكولاتة المرتفعة الثمن بالنسبة للكثيرين تباع بأسعار زهيدة بعد أن تنتهي صلاحيتها مثل كادبوري وكيت كات وجلاكسي وغيرها من الأسماء غير المعروفة لهذه الطبقة، وأكياس الحلويات المستوردة، ويتهافت الغلابة عليها.

 

فما مصدر هذه السلع المنتهية الصلاحية؟

وكيف فلتت من الرقابة التموينية؟ وما مدى تأثيرها على صحة المستهلك؟

تسريبها من المدافن الصحية

(م.ع) محام ويعمل بالشئون القانونية في إحدى شركات المواد التموينية، بعد أن أكد على عدم ذكر اسمه يقول: المفروض أن جميع المصانع والشركات تتخلص من المنتج التالف لديها وغالبا يكون ذلك بعد عمليات تفتيش من الرقابة حيث يتم ضبط أطنان من هذه الأغذية الفاسدة وبالتالي يتم تحرير هذه المواد الغذائية بمحضر وترسل في شاحنات إلى المدفن الصحي بمدينة السادس من أكتوبر أو المدفن الصحي بمنطقة شق الثعبان لإعدامها والتخلص منها نهائيا.. وهناك يتم وضعها في حفرة كبيرة ثم يردم عليها بالجير الحي والجاز ويقوم الجرار بدهسها أكثر من مرة حتى يتم إعدامها نهائيًا.

 

ويتابع: كل هذا سليم، ولكن إذا تمت العملية كما هو محدد لها، إلا أن هذه الشاحنات المملوءة بالسلع الغذائية الفاسدة وأثناء طريقها إلى أي من المدفنين الصحيين، يتم إيقاف الشاحنة في الطريق من قبل سماسرة مخصصون لهذا العمل، وإذا كانت الشاحنة محملة مثلا بألفين كيلو من السلع الغذائية الفاسدة، يتم تخفيفها إلى ألف فقط ثم تدخل إلى المدفن الصحي بالرشاوى دون وزنها، ثم يقوم سماسرة الأغذية الفاسدة بتوزيعها على تجار التجزئة ونشرها في الأسواق الشعبية

 

ويكمل: محلات السوبر ماركت هي الأخرى تتخلص من البضاعة التالفة حتى لا تتعرض للمساءلة القانونية، وتبيعها بأسعار رخيصة لهؤلاء الباعة أيضًا.

 

تأثيرها على الصحة

وعن تأثير مثل هذه الأغذية المنتهية الصلاحية على صحة المستهلك، يقول دكتور محمود عمرو، أستاذ السموم بجامعة القاهرة: هذه الأغذية المنتهية الصلاحية تحتوي على جميع أنواع السموم بلا استثناء, بداية من المعادن الثقيلة والمذيبات والمواد الحافظة وفطر الافلاتوكسين، وكل هذه المواد السامة الخطيرة تسبب الالتهاب الكبدي في صوره المتعددة, إما التهاب كبدي حاد أو التهاب كبدي مزمن يتحول إلى سرطان في الكبد أو سرطان في الجهاز الهضمي.

 

وعلى لسانه يقول: على ربة المنزل أن تدرك جيدا أنها مهما حاولت التغيير في المنتج أو غليه أو وضع إضافات عليه فلن تقضي على أي من هذه السموم إذا كان المنتج منتهي الصلاحية, وذلك لأن فطر الأفلاتوكسن لا يتأثر بالحرارة حتى إذا وصت إالى 500 درجة مئوية.

 

ويواصل: كذلك نجد أن تأثير هذه الفطريات يكون واضحا وأكثر قوة في الإنسان الضعيف كالطفل أو المرأة الحامل أو كبار السن أو المصابين بالأمراض المزمنة كتليف الكبد مثلا، وهذا ما يفسر حالات إصابة الأطفال بالتسمم في المستشفيات دون أن تدرك الأم سبب التسمم، مؤكدة أن الأسرة كلها تناولت من نفس الأكل.

 

ضرورة تكثيف الرقابة

ويضيف: هذه الفطريات من شأنها التأثير على نصف المجتمع في حال انتشارها، وبالتالي عندما نضر نصف الشعب بسبب ضعف الرقابة فالنتائج ستكون سلبية بالطبع على المجتمع ككل.

 

ويلوم عمرو على ضعف المسئولية الرقابية في الدولة, وانتشار اللحوم الفاسدة في الأسواق، مؤكدا أن ميناء الإسكندرية تخرج منه الكثير من اللحوم الفاسدة وبدلا من إعدامها ووضعها في المحارق, تنتشر في الأسواق ليباع الكيلو بخمسة جنيهات أو تضاف إليها كميات من الخلطة ومكسبات اللون والطعم وتدخل في صناعة السجق والحواوشي واللانشون بحيث تختفي معالمها الأصلية ولا أحد يفكر في مكوناتها.

 

ويتعجب قائلا .. الشعب يأكل دون أن يتساءل لماذا يباع كيلو اللحم بسبعة جنيهات!! في حين أن كيلو اللحم البلدي عند الجزار بسبعين جنيها؟  وكأن التاجر ذمته جيدة جدا ويجبي على الشعب.

 

ويختتم مطالبا بتكثيف الرقابة التموينية على الأسواق الشعبية واتخاذ الإجراءات الصارمة لكل من يخالف.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان