العلاقة بين اللا تعليم والفقر (2)
فتحى النادى
العلاقة بين اللا تعليم والفقر (2)
نصف قرن من العمل العام حاولت خلالها أن أحلق فوق أي مكان أعمل به أو أزوره بجناحين: العلم والخبرة العملية.. ألتقي بكم هنا كل أسبوع مرة في محاولة للتحريض على التفكير في أمور حياتية من خلال مواقف تعرضت لها وتعلمت منها.
عرضت فى المقال السابق لتجارب فى مجتمعات فقيرة ومهمشة كما فى الهند والبحوث العلمية التى قاموا بها لكى لايقف الفقر عقبة فى طريق انتشار التعليم ليشمل كل فئات المجتمع ولايكون قاصرا على أبناء الأغنياء ممن يستطيعون أن يوفروا لأبنائهم تعليما جيدا فى مدارس وجامعات خاصة .. وختمت مقالى بالتنويه عن تجربة وبحث ميدانى قاموا به فى إسرائيل عام 1991 وكيف أنهم قاموا بتهجير 15 ألف يهودى إثيوبى فى يوم واحد إلى إسرائيل بما فى ذلك الأطفال فى سن التعليم الأساسى والإبتدائى.
التحق الأطفال الإثيوبيين الأكثر فقرا (إثيوبيا أفقر 51 مرة من أمريكا بمقدار ومتوسط الخصوبة / الإنجاب للمرأة الإثيوبية 12ر6 طفل لكى إمراة فى مقابل 05ر2 طفل لكل امرأة فى أمريكا) ووالديهم لم يحصلوا على أى تعليم أو تعليم بسيط ممن هم فى مراحل التعليم الأولى بفصول المدارس التى يتعلم فيها أبناء اليهود الروس الأكثر غنى وممن حصل والديهم على سنوات معقولة من التعليم وتلقوا نفس المناهج والبرامج التعليمية دون تفرقة .. وخرج الإسرائيليون بنتائج مذهلة:
أولا – ظهرت فروق كبيرة بين مستوى تحصيل الأطفال المهمشين والمعدمين لأبوين لم يحصلا سوى على 1-2 سنة فقط من التعليم والأطفال الروس لأبوين متوسط سنوات تعليمهم 5ر11 سنة حيث وصل 15% من الأطفال الإثيوبيين لنهاية المرحلة الثانوية (بعد 12 سنة تعليم رسمى) دون إعادة أى سنة دراسية فى مقابل 74% للأطفال الروس. إذن الفقر له تأثير سلبى على مستوى الفهم والتحصيل ولكن الإهتمام بجودة التعليم يمكن أن تقلص الفوارق بين الطلاب الذين تربوا فى بيئة فقيرة ونظرائهم ممن تربوا فى بيئة أكثر غنا ولأبوين أكثر تعليما.
ثانيا – إعداد المعلم الكفء لايتطلب وقتا طويلا بشرط حسن اختيار ذوى الكفاءات الشخصية من المحترفين والمتطوعين وتأهيلهم نفسيا ومهنيا للتدريس والقيام بدور القدوة والمرشدين للطلاب ورعايتهم فى سنوات التعليم الأولى.
ثالثا – يمكن تحقيق طفرات كبيرة فى مستوى التحصيل العلمى لو أعيد ترتيب وهيكلة المناهج بحيث تناسب المستويات الحقيقية لقدرات الطلاب ، والمرونة فى النقل من مستوى لآخر بمعنى أن ينقل الطالب للمستوى الأعلى حتى لو أخفق فى مادة أو أكثر بشرط إتاحة الفرصة له / لها للإنضمام للفرقة الأقل واجتياز امتحانات المادة فى وقت لاحق.
رابعا – تسهيل استخدام التكنولوجيا فى المراحل الأولى من التعليم تأتى بنتائج إيجابية ممتازة ، ففى الدومينيكان وهنداروس أتاحوا للأطفال إستخدام ألعاب الكمبيوتر فى حل المسائل الحسابية البسيطة ، وقاموا بتحفيز الأطفال بجوائز ونقاط تجعل الطفل / الطفلة ينتقل للمستوى الأعلى للعبة لكى يحصل على نقاط وحوافز إضافية.
ولعله من المناسب هنا أن أذكر أن هؤلاء الأطفال الذين تم تهجيرهم لإسرائيل فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى هم من الشباب الذين يتقلدون المناصب فى إسرائيل وربما يشتركون مع آبائهم فى تنفيذ خططها للهيمنة والسيطرة والتوسع والدفاع عن أمن إسرائيل القومى بما فى ذلك سد النهضة الذى أصبح أمرا واقعا مفروضا علينا يهدد الأمن القومى المصرى لأجيال كثيرة قادمة.
