رئيس التحرير: عادل صبري 12:06 صباحاً | السبت 20 أبريل 2024 م | 11 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

براء وياسين وإسلام

براء وياسين وإسلام
07 سبتمبر 2015

براء وياسين وإسلام

أحمد جمال زيادة

"ياسين"

كنا معًا خلف جدران زنزانة واحدة، اقتسمنا القهوة، وتحدثنا عن الثورة والحب والتاريخ، كان يقرأ ما أكتبه وكنت أقرأ ما يكتبه، كنا نغني فى الحزن قبل الفرح، ولكننا افترقنا دون قصد، أطلقوا سراحي وحكموا عليه بالسجن 5 سنوات ثم 3 سنوات و4 مراقبة.

عن "ياسين صبرى" أكتب.


قررت أن أتقمص دور الزائر مع أنني مازلت أشعر بالاعتقال، وقررت زيارة ياسين بسجن وادي النطرون، فاستيقظت فى السادسة صباحًا، وقابلت شقيقه ووالدته فى الثامنة ونصف تقريبًا، وصلنا إلى سجن وادى النطرون فى التاسعة ونصف، وانتظرنا خارج أسوار السجن نحو 7 ساعات، فى أماكن غير آدمية، لا أعلم إن كان حافظ أبو سعدة قد رآها أم لا، وحتى لو رآها فما الذى يمكن أن يفعله، جلسنا 6 ساعات فى الصحراء فى مكان صغير جدًا وهو المكان الوحيد الذى يمكن أن تحتمي به من الشمس، إذا نظرت له من بعيد ستعتقد أن الأجساد قد ارتصت بعضها فوق بعض حتى تظن أنها جسد واحد، المقاعد قليلة جدًا والسيدات جالسات على الأرض، والزبالة منتشرة فى كل مكان حتى أنني رأيتها فى هيئة أمناء شرطة يتحرشون بالأهالي، لا أدري كيف لم يقترح السيد حافظ أبو سعدة توسيع هذا المكان والاستغناء عن جزء صغير من الصحراء حتى يتسع لكل هذا العدد.


أثناء تفتيشنا كان معي بعض الكتب التى يحبها ياسين، ولكن ضابط المباحث سألنى عن تهمة ياسين قبل دخول الكتب، فقلت أنه متهم بالتظاهر، فقال: تظاهر يبقى ممنوع الكتب! حاولنا أن ندخل مجلات ميكي، فقال ولا ميكى ولا بيكي. نظرت له ولسان حالي يقول: فاشلون حتى فى خفة الظل.


من الأشياء الخطرة على الأمن القومي، الشوكولاتة والخبز والعلاج والخضروات والفاكهة والمعلبات بجميع أنواعها، لذا لا يسمح بدخولها للمعتقلين. وهذا نظام تطبقه كل السجون، وأى حافظ أبوسعدة يوهمك بغير هذا فهو كذاب.


رأيت ياسين واحتضنته كما لم أحتضنه من قبل. بللت دموعي كتفه ولكني كنت أضحك من قلبي، شعرت بأن الشيخ إمام يغنى لي فى نفس الوقت:


أنا رحت القلعة وشفت ياسين


حواليه العسكر والزنازين


والشوم والبوم وكلاب الروم


ياخسارة يا أزهار البساتين


عيطى يا بهية على القوانين.


كنت ألاحظ نظرات أمه التى لم تنظر لغيره طوال الـ 20 دقيقة – وقت الزيارة الحقيقي والذى يجب أن يكون ساعة حسب لوائح السجون - كانت تحاول أن تشبع منه، ولكنها لم تنجح فى ذلك. كانت تقول له أنه اقترب على إتمام العامين فى السجن وأنه ربما يخرج قبل ثلثي المدة أو يحصل على عفو فى العيد، كانت تتعلق بالأمل، ولكن الأمل فى بلادي قد تحول إلى ألم.


بعد انتهاء الزيارة جلسنا خارج أسوار الزيارة حوالى ساعتين ونصف، ولا أعلم السبب سوى أنه يجب أن ننتظر حتى يأتى ضابط المباحث.

 

"إسلام"

شعرت بالتعب المميت بعد زيارة ياسين وتساءلت كيف حال أمه؟ وكيف حال أمهات آلاف المعتقلين؟! ولكني حمدت الله أنه موجود وأن أهله يستطيعون زيارته، للأسف وصل بنا الحال أن نحمد الله على أننا نستطيع رؤية أحبابنا مرة كل 15 يومًا.


وتذكرت وقتها "إسلام خليل" الذى اعتقلته قوات الأمن من منزله واعتقلت أيضا شقيقه ووالده يوم 24- 5-2015 الماضي، واحتجزتهم فى أماكن غير معلومة ثم أطلقت سراح شقيقه ووالده بعدما تعرضا للتعذيب، ولكن إسلام لم يعد إلى الآن، ولا يعلم مكانه إلا الله وأمن الدولة!


107  أيام احتجاز فى مكان غير معلوم مع أن المادة 54 من الدستور تنص على أنه يجب أن يبلّغ فورًا كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويمكن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورًا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال 24 ساعة من وقت تقييد حريته.


تلك المادة كتبت فى دستورهم، ولكن حالة إسلام خليل قد محت هذه المادة من الدستور وحولتها إلى: يجب ألا يعلم كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويجب تعذيبه على الوجه الصحيح، ولا يمكن لذويه أو محاميه معرفة مكانه، ولا داعى أن يقدم إلى سلطة التحقيق لأن أمن الدولة ستقوم بالواجب!


107 أيام اعتقال فى مكان معلوم شيء مؤلم ومريب، فكيف لمن تم إخفاؤه فى مكان غير معلوم كل هذه الفترة؟!


تساؤلات كثيرة تجوب بخاطر كل من يتابع قضية إسلام:


هل تعرض للتعذيب بشكل بشع مما اضطر الداخلية ألا تفصح عن مكان احتجازه خوفًا من الفضيحة التى قد يتسبب فيها؟! أم أنه ما زال يتعذب؟! هل قتلوه كما قتلوا إسلام عطيتو؟!


كلها تساؤلات مطروحة، وللأسف الشيء الوحيد المؤكد أن إسلام قد تعرض للتعذيب، فلا يمكن إخفاؤه كل هذه الفترة دون أن يتعرض للتعذيب.


ولا أدرى كيف لم ينظر المجلس الذى يطلق عليه "القومي لحقوق الإنسان" لإسلام خليل، وكيف لم يتساءل عنه وعن مئات الحالات المتشابهة لحالته. قبل أن ينفى وجود تعذيب؟!

 

"براء"

بعد انتهاء زيارة ياسين وأمام البوابة الخارجية استلمت هاتفى، وفتحته، وأول ما رأيت كان خبرًا بعنوان "وفاة الكاتب براء أشرف".. كنت أظنه مقالًا ساخرًا كتبه بنفسه، ربما يقصد به اعتزال الكتابة بعدما صارت بلا جدوى، ولكنه لم يكن كذلك، لم يكن براء أشرف ساخرًا كعادته، كان جادًا، مات وهو فى الثلاثين من عمره، وعلى المستوى الشخصي علمني درسًا لن أنساه أبدًا، وهو أننا سنموت قريبًا جدًا، مهما طال العمر فقد اقترب ميعاد الرحيل.

لا يمكن الفرار من الرحيل مهما ازدادت حاشيتك ومهما كثر عدد أنصارك، ومهما كبر موكبك وتضخم، كما أن كثرة الأموال لا تطيل العمر دقيقة واحدة، سنموت قريبًا، ولا يمكننا اختيار ميعاد الموت، ولكن يمكننا أن نموت كما نريد، منا من سيموت بعدما نافق الحكام ومنا من سيموت وقد نطق بالحق فى وجوههم وقال لهم أنتم ظالمون.

منا من سيموت صامتًا، ومنا من سيموت شامتًا أو ظالمًا، أما أنا فقد قررت أن أموت كما مات براء أشرف، لا أعلم متى أموت ولكن أظن أننى لن أنافق، ربما أخطأ أو أفشل ولكنى لن أنافق، وأثق فى أننى لن أصير دندرواى الهوارى يومًا، لن أكون أحمد موسى، أو حافظ أبوسعدة، سأحاول أن أكون براء أشرف، فالحياة ليست طويلة بتلك الدرجة التى تجعلنا نخشى قول الحق.


رحم الله البراء أشرف. وأعاد لنا إسلام وياسين وأمثالهم.

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية