رئيس التحرير: عادل صبري 12:52 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

التحرش عن بعد !

التحرش عن بعد !
06 أبريل 2016

التحرش عن بعد !

دينا نجم

هل حاولت في مرة أن تقرأ تعليقات المتابعين لصفحات المشاهير على فيسبوك؟ هل قرأت ما يقولوا رواد الإنترنت معلقين على آخر صورة نشرها لاعب كرة على انستجرام؟! بل دع المشاهير جانبا وأخبرني هل وقعت عينيك يوما على صفحة أحد "المؤثرين" كما يطلقون عليهم الآن وشاهدت كيف يعلق متابعيهم على ما ينشرون على صفحاتهم؟! هل اختبرت أنت شخصيا رد فعل المحيطين بك إذا قررت أن تعبر عن رأيك في أي موضوع مهما كان حجمه؟ إذا لم تفعل أي من ذلك أبدا فعليك أن تجرب الآن لتختبر للمرة الأولى كيف يكون التحرش عن بعد! 


من خلال متابعتي لمواقع التواصل، توقفت كثيرا عند تعليقات مهينة .. وهجوم لاذع .. ونقد موجع وسب وقذف عن عمد وتعمد دون رد أو دفاع أو مجاراة. قرأت تعليقات متابعي النجمات المشهورات على صورهن يهددونهن بعذاب جهنم عقابا لهن على ما يرتدون ويوجهون لهن التهم في العرض والشرف بينما راح البعض الأخر يعرض عليهن ليالي حمراء.. تعلمت شتائم جديدة من خلال متابعتي لصفحات لاعبي الكرة حيث لا يمنع تعرض اللاعب لإصابة ونشره لأدعية دينية طالبا من الله أن يشفيه، من تعليقات شامتة متشفية يزينها السباب والألفاظ اللاذعة الداعية أن لا يُشفى من إصابته أبدا.. رأيت أيضاً كيف غضب مدرب الاهلي البرتغالي السابق من تعرض إبنته لحملة من التحرش اللفظي على صفحتها بمجرد الإعلان عن تدريبه للأهلي وقدومه إلى مصر وكأن الإعلان كان عن إستقدام فتاة لعوب لأحد الملاهي الليلية على شاكلة: "قرب قرب قرب" وليس لمدرب فريق كرة! 

 

رأيت أشخاص موهوبين في مجالات عديدة يصابون بحالات إكتئاب حقيقية ويفكرون في إعتزال ما يبدعون فيه ويتحدثون بيأس وإحباط عن هجوم من يتابعوا حساباتهم على المواقع الإجتماعية مما أدى بهم إلى فقدان الثقة في أنفسهم وفي موهبتهم. فكرت أنا شخصيا في التوقف عن الكتابة نهائيا بسبب إتهامي "بهدم كيان الأسرة المصرية" أحيانا ووصف تفكيري ب "الماسوني المتخلف" في أحيان أخرى... 

 

توقف أشخاص كثيرون عن التعبير عن أرائهم في أي موضوع ما عظم منها وما صغر بعد أن أصبح التعبير عن الرأي ليس إلا إعلان عن حرب تبدأ كلامية ثم تتحول إلى سلسلة من المشاحنات وتصل أحيانا إلى صراعات قد تُخسرك صداقة عمرها سنوات أو تُكسبك عداوة أشخاص لم يحدث أن قابلتهم في حياتك أبدا... بل وصل البعض إلى حد مقاطعة مواقع التواصل تماما لتجنب الضغط النفسي والتأثير السلبي الذي تتسبب فيه معارك الشاشات!  

 

أصبحت الإهانة سهلة بسيطة وصار التشويه لا يتطلب إلا الضغط على بعض الأزرار وأثبت هؤلاء الذين يتفننون في إهانة غيرهم إن ما كان يمنعهم من ذلك في الماضي هو خوفهم من العواقب وليس حرصهم على مشاعر الغير وإحترامهم لآدميتهم فصار"الردح" هو طريقة النقاش والشتائم مفردات أساسية ولازمة للحوار! 

 

فتحت لنا مواقع التواصل الإجتماعي نافذة جديدة على العالم ولكن إنبعثت معها رائحة كريهة لإنتهاك الحريات والخصوصية وإهانة البشر والتشكيك في أخلاقياتهم والتقليل من نجاحتهم والتتفيه من آرائهم فتحولت إلى مواقع للتحرش الإجتماعي. هربنا من التحرش في الشوارع فوجدناه يلحق بنا إلى منازلنا من وراء الشاشات مطبقا مبدأ "إضرب وإجري" لإطمئنان المتحرش من عدم إمكانية ملاحقته أو مقاضاته فما أن فرغ من إخراج شحنة الإهانات والسباب المحشورة في حلقه، يعود إلى ممارسة حياته العادية بشكل طبيعي غير عابئا أو معيرا أي إهتمام إلى تأثير ما قال على المُتلقين الذين قد تكون جُرحت مشاعرهم كما لم تُجرح من قبل، و وقفوا عاجزين غير قادرين على حماية أنفسهم وأهلهم و عرضهم من بطش متحرشي الشاشات.

 

يؤمن البعض إن هذه هي ضريبة التواجد على مواقع التواصل... وأن من إختار أن يكون مشهورا أو موهوبا أو ذو رأي، عليه أن يدفع ثمن ذلك.. أما أنا فأؤمن أننا بشر لدينا قوة احتمال ..  وأن مهما حاولنا غض البصر عن الإهانة والمضي قدما في طريقنا، حتما سيأتي يوم نُسلم فيه وننسحب... وأن من يهاجِم ويهين اليوم، غداً سيكون هو المجني عليه.. وأن الصمت يظل إختيار أفضل من التجريح.

كما أؤمن إنه ليس من المنطقي بعد أن حرمنا من التعبير عن أرائنا من أمام الشاشات أن نسلب بعضنا البعض حق التعبير عن الرأي من خلف الشاشات أيضاً... وأن نقضي على المتنفس الذي أصبح سبيلنا الوحيد للنقاش والمشاركة والضحك والبكاء والإحساس بالوجود حتى وإن كان من خلال عالم إفتراضي خلقناه بأيدينا وأقنعنا أنفسنا إنه لا يقل أهمية عن العالم الخارجي الحقيقي... وإذا كنا قد فشلنا في القضاء على التحرش في هذا العالم الخارجي فعلينا ألا نجعله ينتصر أيضاً في عالمنا هذا لأن وقتها، لن يصبح لدينا مكاناً أخر نعيش فيه!

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية