رئيس التحرير: عادل صبري 05:24 صباحاً | الأحد 22 يونيو 2025 م | 25 ذو الحجة 1446 هـ | الـقـاهـره °

الناس من خوف الذل، في ذل!.

الناس من خوف الذل، في ذل!.
12 مارس 2015

الناس من خوف الذل، في ذل!.

كريم الشاذلى

الناس من خوف الذل، في ذل!.

بهذه العبارة العبقرية أفرغ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ما في صدره من مرارة ووجع.

أن الناس في خوفهم من الذل وهربهم منه، يفعلون كل ما من شأنه أن يجعلهم أذلا، خائفين، مرتبكين.

يطأطئ المرء منا رأسه، ويخفت صوته، ويهرب من معارك الشرف والكرامة، بغية العيش في هدوء وراحة وسلامة، فلا يجد إلا المزيد من الخنوع، والذل، والمهانة.

والخائف شخص مهزوم، لكنه للأسف يُهزم في غير معركة، ودون أن يشهر سيفاً، وكلما اشتدت المأساة من حولة، وطاله دنس الذل، كلما بالغ في التذلل والمهادنة.

 والحياة لا تتسامح أبداً مع الخائف، إنها تقتله كل يوم وساعة، تقتله مع كل صيحة يحسبها عليه، مع كل حركة يراها تربص به، مع كل بارقة أمل يظنها فخاً أُعد له .. إنها تعذبه عله يفيق، لكنه يزداد رعباً وهلعاً، ويبذل جهداً مضاعفاً في الاستسلام عله ينجو من ضرباتها!.

أوهذه حياة ..!؟

علماء النفس يؤكدون على أن الخوف قاسم مشترك بين كثير من الناس، وأنه ليس مشكلة في ذاته، فبالرغم من كونه شعوراً سلبياً في مجمله، ذلك أن القليل منه مجدي ومفيد، فنحن نحتاج للقليل من الخوف كي نكون أكثر حرصاً وانتباهاً، وإلا لكانت البلادة وعدم المبالاة هما الغالبان على حياتنا وأثناء معاركنا، القليل منه ذا نفع إذن.

أما الخوف من أن نقتحم، ونتقدم، ونعمل، ونجرب ..

الخوف من أن نُعَبِر عن أنفسنا .. وذاتنا .. ونكون ما نود أن نكونه..

الخوف من المطالبة بالحق .. والدفاع عن أحلامنا وحقوقنا..

فهذا هو الخوف المذموم الذي يكسرنا ويمنعنا من مواصلة الرحلة ..

 وكلاهما ـ الخوف والشجاعة ـ يتأتيان بالممارسة!.

فمن يتمرس على قول كلمة الحق، وعدم الرضى بالدونية والضيم، ويدفع ثمن شجاعته تلك راضياً مختاراً، لا يمكن أبداً أن يقبل بكونه مطية لغيرة، ويأنف من تقديم قرابين الذل كبيرة كانت أو صغيرة، فالشجاعة لدى الشجاع كل لا تُجزأ ..

ولعلي بقائل: ومن في الحياة لم يخف يوماً، ومن ذا الذي يمكن أن يدعي بأن الشجاعة كانت ديدنه في كل مواقفه؟!.

وعليه أقول بأن الخوف يا صاحبي ليس هو اضطراب القلب حال الخطر، ولا ارتباك العقل عند الأزمة، فليس منا لم يطر فؤاده بعيداً ذات يوم..

ولن تجد مِن البشر من يملك الادعاء أن الجزع لم يسيطر عليه، أو أنه لم يمر بمحنة ما جعلته ملتاع الروح، فارغ الفؤاد.

وإنما الخوف والجبن اللذان أقصدهما، هو أن يكون هذا الشعور السلبي، متحكماً في قناعاتك، ويؤثر على خطواتك ومواقفك في الحياة.

الخوف الذي أقصده هو خيانتك لقيمك ومبادئك وقناعاتك ومهاراتك ومواهبك وحكمتك !.

الخوف هو ذلك السور العالي الذي ما إن تصل إليه حتى تنسى ما كنت تردده من أناشيد حماسية، وأحلام، وتطلعات نبيلة .

هو المسافة الفاصلة بين جهرك بالحق وأنت آمن .. وصمتك عنه عند الخطر، بين حديثك الجهوري وأنت بين عشيرتك رافعاً جبهتك، والدوران حوله وأنت وحدك تستثقل رأسك .

الخوف ليس ما يجري بداخلك من مشاعر وأحاسيس، وإنما ما تقوم به من أفعال ومواقف.

الرافعي في "وحي القلم" يخبرنا أن "رؤية الكبار شجعان، هي وحدها الطريقة الوحيدة كي يصبح الصغار شجعان"، من هنا نعرف سر الأزمة التي نعيشها الآن!.

فللأسف، نحن جيل تربى على الخوف، رضعناه من ثدي واقعنا الذي ولد مطأطئ الرأس، تعلمناه ضمن أبجديات الحياة ومفردات العيش، حتى صار جزءًا منا وصرنا جزءًا منه .

في عامي الأخير بمدرستي الإعدادية، حدث وأن تصادمت مع أحد المدرسين، أُتهمت بذنب لم أقترفه، وخُيرت ما بين اعتذار أو عقاب .. وبلا إبطاء رفضت كليهما!.

كنت قوياً ببأس الحق الذي أملكه، وكان المدرس قوياً بسلطة يمتلكها، وتم استدعاء أبي للمدرسة. قال لي بعدما عدنا للمنزل : لماذا لم تعتذر؟، قلت : لأنني لم أخطئ .

ففاجئني أبي بقوله: لكنه قادر على إيذائك، وكان يمكن أن يمر الموضوع بشكل أبسط؟!.

وقتها كنت بحاجة لمن يؤكد لي أنني قد فعلت الصواب، وأنه يجب أن أدافع عن حق أملكه، ولا أرضى بوضع ضعيف، أو الاستسلام لجريمة لم أرتكبها.

وازن أبي بين مستقبلي وبعض التنازلات البسيطة، بينما قارنت أنا بين عزة نفسي وانكسار مؤلم ..

والحقيقة أن هذا الموقف ـ على صغره ـ كاد يمثل عائقاً نفسياً لي ..إنه ببساطة يخبرني بأن: ‹‹اخفض رأسك لكل عاصفة››، ويلي إذن؛ فالحياة كلها عواصف ..

إلى أن قرأت خاطرة للشيخ محمد الغزالي ـ رحمه الله ـ في تفسيره لقول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِين تَوَفَّاهُم الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِم قَالُوا فِيم كُنْتُم قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِين فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَة فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُم جَهَنَّم وَسَاءَت مَصِيرًا).

ذكر الشيخ رحمه الله أن هناك صنفاً من الناس سماهم الله ‹‹ظالمين›› بالرغم من كونهم مضطهدين ومظلومين، والسبب هو أنهم رضوا بالاستضعاف، واستكانوا أمام ظلم الآخرين لهم، تعاتبهم الملائكة أن هاجروا إذا ما انعدمت سبل الحياة الكريمة. وفي النهاية، كان مأوى من قَبِل الظلم هو هو ذات مأوى الظالمين، كلاهما في جهنم .. وساءت مصيرا .

إن هذه الآيه تُعد تحذيراً خطيراً، وترهيباً مريعاً لحاملي مبدأ ‹‹السلامة››، والمُنظرين لوجهة النظر القائلة: ‹‹إن طأطأة الرأس شيء لا مناص منه أمام الظالم›› .. إنها صاعقة تضرب رأس الخوف .

هذا فوق الأزمة التي يعيشها الخائف في الدنيا، حيث لا طريق أمامه إلا أن يعيش حياة ‹‹التصنع››، أن يرتدي قناعاً من الافتعال، أن يصرف جهداً كبيراً في إقناع  نفسه بأنه على حق، وأن ليس ثمة طريق آخر. وهذا – تالله- عذاب ما بعده عذاب، دعك من أن ‹‹من خاف من العفريت يخرج له››، وأن الناس من خوف الذل في ذل كما أخبرنا أبو الحسن - رضي الله عنه 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية