عزيزتي قناة السويس الجديدة.. أهلاً
براء أشرف
عزيزتي قناة السويس الجديدة.. أهلاً
عزيزتي قناة السويس الجديدة..
أكتب هذه الرسالة وأنا أعرف مشاعر الحزن والضيق التي تسيطر عليكي هذه الأيام. تم حفرك أخيراً.. وسيتم افتتاحك خلال ساعات.. والناس من حولك منقسمة.. هل أنتي قناة فقط أم مجرد تفريعة؟.. هذه إهانة.. أن يتم كل هذا الجدل دون أن يهتم أحدهم بالترحيب بك، والإطمئنان على سلامة فتحك، وصحتك بعد حفرك على الناشف.
أتمنى (كمواطن مصري) أن تكوني بخير.. أنا عادة أتمنى الخير لكل سكان الوطن. وكونك قناة، مؤنثة، فهذا لا يمنع حقك في أن تنالي ترحيباً لائقاً في بلد أفضل ما يقدمه للإناث هو التحرش!.. أو الاعتقال.
ما أريد أن أطمئنك عليه. هو أن الجدل الذي اثير حولك، هو أمر لا يخصك تحديداً.. صدقيني، سكان البلاد التي تم حفرك بها، هكذا دائماً مختلفين في تعريف الأمور.. فتجديهم اختلفوا حول "يناير"، ثورة أم مؤامرة، واختلفوا حول "يونيو" ثورة أم إنقلاب، واختلفوا حول السيسي، عسكري أم عسكري..
الجدل حول كونك قناة حقيقية أم مجرد تفريعة شيء عادي ومتوقع جداً في بلد مثل مصر..
عزيزتي القناة.. دعينا نتجاوز هذه النقطة لمسألة أخرى أكثر تعقيداً.. لعلك لاحظتي أن اسمك ينتهي بصفة "جديدة".. وهذا لا قدر الله يعني أنك "شابة" في مقتبل العمر.. وصدقيني، في مصر، لا يوجد أسوأ من أن يتم اعتبارك من فئة الشباب.. فهم، بشكل عام، أعداء للوطن، ويصيبون النظام السياسي الحالي (والسابق والأسبق) بحساسية غير مفهومة..
علاقتك بالقناة القديمة ضرورية وأساسية.. إياكي أن تنسي نفسك في لحظة وتتصوري أنك أهم أو أفضل منها مهما قالوا في وصفك.. لن تكوني أفضل من شباب تم وصفهم يوماً بالورد اللي فتح في جناين مصر.. وانتهى بهم الحال إما قتلى في ذات الجناين، أو في انتظار من يفتح لهم زنازين سجونهم..
حاولي أصلاً ألا يكون لكي رأي أو موقف بشكل عام.. ستجدين لافتات ضخمة معلقة بجوارك مكتوب عليها اسمك، من نوعية "قناة السويس الجديدة ترحب بالسادة الضيوف"، "قناة السويس الجديدة تحب الرئيس"، "قناة السويس الجديدة تدين الإرهاب"، "قناة السويس الجديدة تشعر بالبهجة".. عادي جداً.. مصر نفسها تجد اسمها في لافتات كهذه ولا تحاول أن تعترض..
أيضاً، واجبي أن أنبهك إلى خطورة أن تشعري بالضيق من البلاد لدرجة تجعلك تفكرين لا قدر الله في الهجرة. القوانين الأخيرة تدين الهجرة بأنواعها المختلفة.. يعني لو هاجرتي بشكل شرعي سيقولون "عميلة خائنة".. وإن هاجرتي عن طريق غير شرعي، سيتم إلقاء القبض عليكي، وإلزامك بدفع غرامة، وربما يتم اعتقالك وتعذيبك.. وإياكي أن تظني أن كونك قناة سيمنع وزارة الداخلية المصرية من تعذيبك.. الوزارة قادرة على تعذيب المحيط نفسه، ولن تقف عاجزة أمام قناة مشكوك أصلاً في كونها مجرد تفريعة..
سيقام حولك مولد كبير، ثم سينفض المولد ويعود الجميع إلى منازلهم سعداء. وستعانين، كأي شيء مصري، من إهمال وفساد، الصبر يا عزيزتي مفتاح الفرج. وأي محاولة للشكوى سيكون ردها سؤال فلسفي عميق : إيه اللي وداها هناك؟.. وبصراحة مطلقة معاهم حق.. إنتي إيه اللي جابك أساساً؟..
فكري جيداً قبل الإعتراض. تأملي حال القنوات الأخرى في سوريا والعراق.. أنا أعلم أنه لا توجد قنوات حالياً في سوريا أو العراق.. لكن هذا لا يغير شيء في الموضوع.. لأن أكيد لو كانت هناك قنوات فحالك أحسن من حالها.. معروفة يعني..
أيضاً، أريدك أن تكوني جاهزة دائماً لإبهار العالم.. أنت جزء من وطن يبهر العالم بشكل يومي.. عدة مرات في اليوم الواحد.. افعلي أي شيء وابهري العالم.. وإن لم ينبهر، قولي أنه انبهر، عادي يعني لستي أول من يقولها ويصدقه الناس..
ثم، ركزي في هذه الجزئية تحديداً.. صحيح أن الشعب المصري هو الذي دفع تكلفة حفرك على الناشف. لكن دعيني أسألك : هل الفلوس كل حاجة؟!.. طبعاً لأ.. الجيش وحده كل حاجة.. طبعاً.. ما الذي فعلته الفلوس مقارنة بما فعله الجيش الذي حفرك وفتحك وافتتحك؟..
عزيزتي.. هل تعرفين أن #مصر_بتفرح حالياً؟.. طيب.. لماذا لا تفرحي معها؟.. لو قالت السلطة في مصر أنها بتفرح فيجب أن تفرحي.. هذا أمر.. افرحي.. افرحي أكثر.. افرحي كمان.. افرحي لأنك مصرية.. هذا في حد ذاته سبب كافي..
انسي أي كلام عن حقوق القنوات. فمصر تحارب الإرهاب.. كذلك، حاولي ألا تكوني إخوانية أبداً.. وهذه ربما أسهل نقطة في كل ما سبق.. أي شيء تفعليه (أو يقال أنك تفعليه) لا يرضي السلطة كفيل بتوجيه تهمة الأخونة إليكي.. تسأليني : طيب يعني كيف أصبح إخوانية وأنا قناة؟.. صدقيني هذه تفصيلة تافهة.. الكهرباء مثلاً يتم وصفها بآنها إخوانية لأنها تنقطع كثيراً (ربنا هداها مؤخراً وأصبحت تؤيد الرئيس).. نهر النيل نفسه يتم وصفه بذات الصفة لأن المراكب تغرق فيه، سواء كانت محملة بالبشر أو بالفوسفات.. استهدي بالله واسمعي الكلام.. لأنك غير قادرة على تخيل ما الذي يمكن أن تواجهينه حال تم وصفك بهذه الصفة.. ستتمنين اليوم الذي يتم ردمك فيه..
أيضاً ضروري ألا تصبحي ماسونية. والحقيقة لا أعرف تحديداً ما الذي يجب عليكي فعله بحيث تتجنبي هذه التهمة.. يعني أي تصرف غير عادي لك (أو عادي) قد يوصف بالماسوني.. حاولي أن تصمتي قدر الإمكان.. اثبتي مكانك.. اسمحي للسفن بالعبور بشكل طبيعي.. ولا تتحدثي أبداً عن أن السفن قليلة والإيراد أقل من المتوقع.. فهذه مسألة ماسونية واضحة.
عزيزتي قناة السويس الجديدة.. كنت أتمنى لو نلتقي في ظروف أفضل، لكن الحمد لله على كل حال.. كنت أتمنى لو نلتقي أصلاً.. لكن الوضع معقد كما تعلمين، ودعوات حضور حفل افتتاحك محدودة ومخصصة لنوع معين من المواطنين، للأسف فشلت في الانتماء إليه.
لكن على كل حال، ملحوقة. سنلتقي يوماً بعد انتهاء المولد.. ويكون لدينا وقتها الوقت الكافي لأحكي لك الحكاية من بدايتها..
عزيزتي.. أهلاً بك في مصر.. وربنا يستر عليكي..
