رئيس التحرير: عادل صبري 01:55 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

انتصار وجريمة وسؤال وجودي لا يبحث عن إجابة

انتصار وجريمة وسؤال وجودي لا يبحث عن إجابة
16 سبتمبر 2014

انتصار وجريمة وسؤال وجودي لا يبحث عن إجابة

طاهر مختار

انتصار وجريمة وسؤال وجودي لا يبحث عن إجابة

أمس الاثنين قرر القاضي الذي ينظر قضية متهمي وقفة المطالبة بإلغاء المحاكمات العسكرية للمدنيين التي تم تنظيمها أمام مجلس الشورى في شهر نوفمبر 2013 إخلاء سبيل علاء عبدالفتاح ووائل متولي وحمادة نوبي المعتقلين الثلاثة على ذمة القضية بكفالة 5000 جنيه بجانب قراره التنحي عن نظر القضية لاستشعاره الحرج وإحالة المسئول عن عرض السي دي الشخصي الذي يخص زوجة علاء عبدالفتاح للنائب العام.. في الحقيقة فإن هذه القرارات هي انتصار هام جدا؛ فرغم كونه جزئيا إلا أنه جاء في توقيت غاية في الأهمية للحركة الاحتجاجية ضد النظام القائم، فعندما يتم إخلاء سبيل الجدعان الثلاثة بعد فترة حبس تخطت الثلاثة أشهر ويقرر القاضي الذي سبق طلب رده ورفض التنحي الآن في خضم معركة الأمعاء الخاوية حيث يخوض مئات الجدعان داخل وخارج سجون السلطة إضرابا عن الطعام من أجل الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإسقاط قانون التظاهر القمعي وأن يحيل السيسي بالتوازي مع ذلك قانون التظاهر لوزارة العدالة الانتقالية لتعديله فهذا انتصار بلا جدال.

ما أروع الأمل الذي نستلهمه من مثل هذا الانتصار الذي يعزز ثقتنا في قدرتنا على تحقيق انتصارات جزئية بالنضال والمثابرة حتى والثورة تتراجع خطوات سريعة للخلف تحت وطأة هجمات الثورة المضادة، مثل هذا الانتصار من الممكن أن يفتح الطريق لانتصارات أكبر مستقبلا إن نجحنا في استغلاله جيدا وقمنا بالبناء عليه، نعلم أن الطريق طويل وشاق ولكن هذا الانتصار خطوة هامة في طريق الحرية لكافة المعتقلين السياسيين التي هي أهم أولوية لمعظم الباحثين عن الحرية بمعناها الواسع حاليا.

نعم الضغط الذي تم على السلطة بالنضال للإفراج عن المعتقلين الساسيين وضد قانون التظاهر كان له أثر كبير في هذا القرار ولكن لا يجب أيضا إغفال الفضيحة التي نالتها منظومة تكريس الظلم بجناحيها النيابة والقضاء التي تسميها الدولة بمنطومة العدالة ظلما للعدالة نفسها عندما عرضت النيابة العامة فيديو شخصي لزوجة علاء عبدالفتاح حصلت عليه الداخلية بشكل غير قانوني من "لاب توب" منال زوجة علاء عندما اقتحموا منزل علاء للقبض عليه قبل ساعات من الوقت الذي أعلن أنه سوف يسلم نفسه فيه، ثم قامت الداخلية بتقديم الفيديو للنيابة العامة شريكتهم في جريمتهم بالتنكيل بالمعتقلين السياسيين طوال السنة الأخيرة والتي قامت بدورها بعرض الفيديو أثناء نظر جلسة إعادة الإجراءات أمام القاضي الشريك الثالث في الجريمة الذي سمح للنيابة بعرض الفيديو الشخصي الذي ليس له علاقة بالقضية دون أن يفتح فمه ولم يوقف عرضه إلا بعد اعتراضات المحامين.

لقد حاول النظام المجرم من خلال قضائه ونيابته وداخليته التشهير بعلاء وزوجته منال والانتقام من جديد من علاء وهو مغلول اليدين داخل محبسه ولكن السحر انقلب على السحر وأصبحت فضيحة النظام ذات بعد دولي بعدما تناقلت الصحف العالمية خبرا عنوانه "في مصر رقص زوجة يستخدم كدليل إدانة ضد ناشط" فكان لابد لتدارك الفضيحة من إخلاء سبيلهم وتنحي القاضي.

هذا عن قاضي مجلس الشورى الذي سبق له الحكم غيابيا على نفس المتهمين بالحبس 15 عاما بعدما منعتهم الداخلية من حضور محاكمتهم التي كانت تقام في أحد مقرات الداخلية، أما القاضي شريف حافظ قاضي استئناف قضية وقفة خالد سعيد في الإسكندرية والذي أيد إدانة الجدعان ماهينور المصري ولؤي القهوجي وعمر حاذق وإسلام حسنين فله قصة أخرى توضح كيف أصبح القضاء المصري الآن؛ فشريف حافظ يتباهى على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي للصور "إنستاجرام" بأنه القاضي الذي حكم على ماهينور المصري رافعا صورة له داخل المحكمة أثناء الجلسة وكاتبا عليها "أثناء جلسة محاكمة ماهينور المصري" وعلى صور أخرى يتباهى أمام متابعيه بنظرة الصرامة في عينيه أثناء الجلسات ولن أدخل في تفاصيل أخرى شخصية تتبدى في تعليقاته!

***

الاختيار لك: أن تعمل بدون مقابل أو أن يتم ضربك بالنار!

يوم الأحد الماضي كان موعدهم مع رئيس مجلس إدارة الشركة في جلسة تفاوض بعد أسبوعين من الاعتصام داخل الشركة دون الاستجابة لمطالبهم، تخلف رئيس مجلس الإدارة عن جلسة التفاوض، قرروا الخروج من الشركة لينظموا وقفة احتجاجية أمامها ليعلم بهم وبمأساتهم من هم في الخارج، تأتي قوة شرطة من قسم سيدي جابر في "بوكسين" من بوكسات الداخلية، يطلب منهم ضابط شرطة ذو رتبة كبيرة الدخول للشركة، يردون عليه بأنهم سيكملون وقفتهم حتى يحصلوا على مطالبهم وحتى يعلم العالم بهم ويقولون له أنهم لا يقطعون طريقا كما يرى ولن يقطعوا الطريق وأنهم فقط سيقفون حتى تحقيق مطالبهم، يقول لهم الظابط إن لم تفضوا الوقفة خلال عشرة دقائق "مش هيحصلكم كويس"!

وخلال دقائق فوجئوا بقدوم سيارات كبيرة محملة بجنود الأمن المركزي، وأعطى الضابط الأمر فورا بفض الوقفة، قد يتصور البعض ممن أدمنوا مشاهدة المشهد من خلف التلفاز خلال العام الأخير ويصدقون كل روايات الدولة أن فض الوقفة قد تم أولا برشهم بالمياه بواسطة خراطيم سيارات المطافي كما ينص قانون التظاهر القمعي الذي يجرم التظاهر بدون تصريح وهو ما يخالف في حد ذاته مبادئ حقوق الإنسان بل والدستور الذي قامت السلطة الحالية بوضعه، وقد يتصور البعض الآخر ممن يعلم الطريقة التقليدية للدولة لفض الوقفات الصغيرة باستخدام العصي والشوم وظهر السلاح أنها فضت وقفتهم بهذه الطريقة الوحشية المعتادة، ولكن لا هذا ولا ذاك هو ما حدث؛ ما حدث أن وقفتهم تم فضها باستخدام طلقات الخرطوش والرصاص الحي مباشرة!

ما إن أصدر الضابط أمر فض الوقفة حتى فوجئوا بالغاز المسيل للدموع والخرطوش والرصاص الحي ينهالون عليهم في نفس اللحظة، فأصيب 6 عمال تم نقلهم لمستشفى جمال عبدالناصر للتأمين الصحي منهم عامل إصابته خطيرة عبارة عن كسر في العظمة الكبرى الأمامية للساق اليسرى استلزمت دخول العمليات كحالة طارئة يومها وهو تحت حراسة الداخلية التي أصابته ثم تحفظت عليه في حين تم نقل باقي العمال المصابين بعدما تم عمل الإسعافات الأولية لهم في المستشفى إلى قسم سيدي جابر للتحقيق معهم وهناك تم احتجازهم والضغط عليهم بألا يتهموا الداخلية بإطلاق النار عليهم وإلا سوف تلفق لهم الداخلية تهمة الاعتداء على ضابط شرطة!

هذا ما حدث مع عمال شركة الإسكندرية للغزل والنسيج يوم الأحد الماضي الذين لم يطلبوا سوى مستحقاتهم؛ فمطالبهم كانت الحصول على علاوة يوليو المقررة لهم والتي لم يحصلوا عليها حتى الآن رغم أننا في منتصف شهر سبتمبر حاليا والحصول على راتب الشهر الأخير، فمن المنطقي أن يحصلوا على مقابل لعملهم والمجرم هو صاحب الشركة الذي يرفض إعطاءهم أجورهم الزهيدة مقابل عملهم و هو الذي تنحاز له الداخلية والدولة، فهل المطلوب منهم إن يعملوا بالسخرة بدون مقابل حتى لا يتم ضربهم بالنار؟! هل هذا هو الإرهاب الذي تحاربه الدولة؟!

***

سؤال وجودي لا يبحث عن إجابة

السؤال الوجودي الأشهر أثناء ممارستي مهنة الطب كطبيب مقيم في قسم العناية المركزة في إحدى مستشفيات التأمين الصحي: هل الأكثر فائدة للمرضى ذوي الحالات الحرجة أن أستقبلهم في العناية المركزة في هذه المستشفى أم أرفض استقبالهم لعلهم يجدون مكانا آخر يمكن أن يجدوا فيه الإمكانيات التي تساهم في إنقاذ حياتهم إذا تدهورت حالتهم؟ هل أقبل المريض وأنا أعرف أن الأوكسجين المركزي من الممكن أن يتوقف في أية لحظة وجهاز التنفس الصناعي الذي يصاب بالأعطال كثيرا من الممكن أن يصاب بعطل جديد في أي وقت بشكل مفاجئ؟ هل أقبل المريض وأنا أعلم أنه إذا تدهورت حالته لن أجد جهاز تنفس صناعي متاح له وهو ما يعرض حياته للخطر؟ هل أقبل المريض وأنا أعلم أنه ربما إذا احتجت أن أركب له إنبوبة قصبة هوائية لإنقاذ حياته سأجد المنظار الحنجري لا يعمل؟ هل أقبل الحالة كحالة إضافية وأزيد الحمل على الممرضات والممرضين الذين يعملون مع الحالات؟

أنا هنا لا أتحدث عن إرهاق التمريض نتيجة متابعتهم لحالة إضافية عن الحالات الإضافية التي يتابعونها وفق المعايير المحترمة لممارسة الطب فهم في كل الحالات "بيطلع عينهم"، أنا هنا أتحدث عن تشتيت جهودهم بين عدد أكبر من المرضى فتنهك الممرضات دون أن يحصل كل مريض على حقه من الرعاية الصحية لأن الممرضة تتابع عددا أكبر مما يجب أن تتابع.


ويبقى السؤال الوجودي والأخلاقي: هل أقبل المريض لأن له حق في التأمين الصحي أم أرفض قبوله لأن له حق في الصحة والحياة ربما لن يحصل عليه في هذه المنظومة الخربة؟ هل أقبل المريض وأوفر عليه الأموال الطائلة التي سوف ينفقها إن لجأ للمستشفيات الخاصة أم أرفض قبوله حتى لا أعطيه وأعطي أهله بقبوله وعدا زائفا أن "صحته أمانة بين إيدينا" - شعار التأمين الصحي المكتوب - والمستشفى لا تتوفر فيها العديد من الإمكانيات التي تجعل ذلك ممكنا تاركا الباب مفتوحا أمامه للبحث عن مكان أفضل للحصول على خدمة صحية لائقة ولكنها بمقابل كبير؟

إذا كان هذا هو حال مستشفيات التأمين الصحي المعروفة أنها أفضل بمراحل من مستشفيات وزارة الصحة؛ فما هو حال مستشفيات وزارة الصحة إذاً؟!

مثل هذا السؤال لا يبحث عن إجابة؛ فكل الإجابات له تحمل ظلما للمرضى، بل يبحث عن فعل؛ يبحث عن نظام يحترم الإنسان وحقوقه والتي على رأسها الحق في الصحة والحق في الحياة وبالتالي يهتم بمنظومة الصحة ويخصص لها جزء محترم من ميزانيته لا يقل عن 15% من الموازنة العامة للدولة حسبما نصت اتفاقية أبوجا التي وقعت عليها مصر سنة 2001 مع العلم أن نصيب الصحة حاليا من الموازنة العامة للدولة مازال يدور في حدود 5% فقط!


لمتابعة كاتب المقال على تويتر:

https://twitter.com/TaherMukhtar

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية