رئيس التحرير: عادل صبري 01:09 مساءً | الثلاثاء 23 أبريل 2024 م | 14 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

أي عار أصابك قبل رابعة أو بعدها؟

أي عار أصابك قبل رابعة أو بعدها؟
16 أغسطس 2015

أي عار أصابك قبل رابعة أو بعدها؟

إسماعيل الاسكندراني

أي عار أصابك قبل رابعة أو بعدها؟

شاهدت أفلاماً وثائقية كثيرة عن عالم الحيوان، ورأيت اقتتال الضواري والوحوش، فراعني مشهد التهام القوي للضعيف، وأحياناً رضيت به كسيرورة غريزية ضرورية لاستمرار الحياة البرية، لكني أبداً ما رأيت ولا سمعت عن انقضاض حفنة من الضباع على فرائسهم فقتلوا منهم المئات وأحرقوا جثث العشرات، ولا سمعت عن قادة سرب من الطيور أو قطعان من الثدييات تلقي بأفرادها إلى التهلكة ثم تناضل بجثثهم لاستعادة مكانتها في الغابة.فأخبرني أنت متى كان الحيوان أحط وأشد جرماً من القتلة سافكي دماء معتصمي رابعة ؟ أو أخبرني أين وجدت في عالم الحيوان خسة تضاهي المساومة بدماء الضحايا في سياق لعبة سياسية؟!


يفهم الديمقراطية خطأ من يظن أن الخلاف حول سفك الدماء مجرد وجهات نظر لا تفسد للود قضية. والحقيقة أنه يفسد الود، ويقطع العلاقة، ويذبح المروءة، فضلاً عن أن الحرية لا تعني حرية تسويغ الانتهاك ولا تسويق العدوان. أما الذي يريد التفاوض على حجم الجرم، والمجادلة بأنها لم تكن المذبحة الوحيدة، أو لم تعد الأهم في مسار البحث عن طوق نجاة مما نحن فيه في مصر، فإنهم – مهما جادلوا – فلن يستطيعوا محو دلالة ”ال“ التعريف من كلمة ”المذبحة“. فإذا قيل المذبحة، بالتعريف، علم القاصي والداني أن مصر لم تعرف في تاريخها الحديث أبشع وأفدح وأشد جرماً وانحطاطاً ووحشية وقسوة وهمجية، تترفع عنها أخس الحيوانات، من مذبحة فض اعتصام رابعة.

المذبحة وصمة عار في جبين نظام قاتل للحياة وللثورة وللأمل، لكن النظام وقياداته وجماهيره المتواطئة لم يحتكروا الخزي، وكذلك لم يحتكر البراءة منها كل من التصق بضحاياها واعتبر نفسه منهم وهم منه. للمذبحة مُخزيات كثيرة، قبلها وأثناءها وبعدها. فإذا سلمت منها جميعاً فأنتَ ممن نجوا بإنسانيتهم وسط أمواج التوحش العاتية، وإن أصابك منها عار فعليك التطهر إن أردت استعادة بشريّتك المستلبة.

في حق خصوم الضحايا عشرة أصناف من الخزي؛ قبل المذبحة عاران، وأثناءها خمس جرائم، وبعدها ثلاث. العار الأول في إهدار الدماء، يستوي في ذلك من أهدرها بخطاب ديني ومن أهدرها بخطاب وطني. فالعار في وجوه كل من استباح دماء خصمه موفراً الغطاء الأخلاقي للجريمة، وإن لم ينبس بعدها بكلمة.والعار الثاني في التحريض على القتل بالصدق أو بالكذب،عار يلاحق أبواق النظام في وسائل دعايته المرئية والسمعية والمقروءة، يشاركهم كل من استعان بهم القتلة لتحفيز الجنود وشحنهم، وكذلك كل من ردد خطاب الكراهية وروّج الشائعات في كل مكان.

أثناء المذبحة اشترك في الجرم المخزي والعار الفاضح خمسة أنواع من الشركاء؛ من سفكوا الدماء بأيديهم، ومن أعانهم عليها، ومن فرح بها، ومن شمت فيها، ومن غض الطرف عنها. في الحديث النبوي تحميل مسؤولية القتل لمن أعان على قتل أخيه ولو بشق كلمة، فما بالك بمن رقص طرباً أو أظهر فرحاً أو شمت في المكلومين المذبوحين؟ وما بالك بمن سلّم الناجين بنفسه إلى المجرمين المعتدين؟ وهل نسي العار أن يلاحق من أدار وجهه عنها متنصلاً من اتخاذ موقف ولو الرفض بكلمة؟ أما بعد مذبحة فالخزي يطارد ثلاثة؛ الصامتين عنها كأنها لم تكن، ومن تناساها بغير ضرورة علاجية إذا كانوا من الناجين المتأثرين نفسياً، ومن ساوم عليها يريد تسويغها أو التقليل من شأنها.

لكن الخصوم لم يحتكروا العار، كما لم يحتكر المناصرون الحفاظ على إنسانيتهم. فلن ينسى التاريخ أن أكثر من استشهدوا في المذبحة ليسوا أعضاء تنظيميين في الجماعة التي اختارت لاعتصام أنصارها واحداً من أسوأ الأماكن على الإطلاق، والذي لم يكن له غرض سوى قطع الطريق على الزاحفين من التحرير صوب قصر الاتحادية حماية للرئيس، بحسب تصور افتراضي حينئذٍ. قد يكون اختيار مكان الاعتصام مقبولاً قبل الانقلاب، إلا أن الاستمرار فيه بعد ”بروفات“القتل الجماعي أمام دار الحرس الجمهوري ومذبحة المنصة لم يكن سوى ضرباً من إلقاء الأنصار في التهلكة.

استمر الاعتصام 47 يوماً في قلب مربع ملغوم بالمقرات الأمنية والعسكرية وعمارات سكنية مخصصة لضباط الجيش يملؤها سلاح شخصي يكفي واحداً من كارهي المعتصمين أن ينزل ببندقية قنص ليقتل وحده ما يقرب من عشرين أعزل تضامناً مع مجرمي مذبحة المنصة، ثم يعود إلى منزله في هدوء مبتسماً.

نعم، فقدَ بعض قادة الإخوان فلذات أكبادهم في فض الاعتصام، لكنهم هم الأبناء والبنات أنفسهم الذين كانوا يشاركون في أمثال ”محمد محمود“ غير عابئين بموقف الجماعة، مثل الشهيدة أسماء البلتاجي. ونعم، لقد ذُبح الإخوان إنسانياً بالمجزرة التي أريد بها أن تستأصل شأفتهم حتى وإن لم يكن أغلب الضحايا من صفوفهم التنظيمية. ونعم، هم أولى الناس بها وإن كانت شأناً إنسانياً عاماً غير مقتصر عليهم. ولكن لأنهم أولى الناس بها فهم أولى الناس بتحمل التقصير الذي أودى بحياة كثيرين في حين كان من الممكن تقليل الخسائر الفادحة.

وفّر خطاب المنصة الغوغائي، المنحط أحياناً، مادة ثرية للتحريض على المعتصمين، وقدم للمحرّضين أنفس الهدايا لتسهيل مهمتهم. وشهد كثيرون ممن حضروا الفض الدموي بتباطؤ قادة الاعتصام في إخراج النساء والأطفال، أو على الأقل بعدم الشفافية في إعلان حقيقة الموقف في الإذاعة الداخلية للاعتصام والاستمرار في الشحن العبثي لعدة ساعات.

انتهى الفض الجازر، واستمر الضحايا الناجون وأهالي الشهداء في محاولة لملمة نفوسهم الممزقة، وكوابيسهم البشعة، وخسائرهم التي لا تعوض على مدار سنتين، ولـــمّــا يفلحوا بعد. وردتني رسالة من أرملة شهيد نشرتُها على صفحتي على فيسبوك لأنقل استغاثتها إلى ذوي الخبرة في التأهيل النفسي الفردي والجماعي، متحدثة عن الجانب المهمل في الحديث عن تبعات المذبحة، أرامل رابعة. لم تنس الأرملة المكلومة أن تسجل موقفها من الجماعة التي بصقت يوماً ما على أحد منتقديها، وقد اعترفت بأنها كانت ”غوغائية مؤدلجة بأيديولوجيتهم“ لفترة من عمرها حتى أفاقت على مواقفهم من الثورة، ثم محنتها العظيمة باستشهاد زوجها، فصارت الآن في موضع توجيه الاتهام للجماعة بالمشاركة في المسؤولية عن المذبحة.

قد يرى البعض في ذلك ردّ فعل مبالغ فيه من ضحية مكلومة تقول عن نفسها إنها قد خاضت تجربة طويلة في التأهيل النفسي، إلا أن عديدين من الناجين وأهاليهم وأهالي الشهداء والمصابين يشاركونها في اتهام فئة من الناس بالمتاجرة بمصابهم أو المساومة به. ومؤخراً، تطوع أحد القياديين والرموز الإعلامية في فترة ما بعد المذبحة بالاعتراف بأن الجماعة كانت تشحذ المعتصمين وهي على يقين بأن مرسي لن يعود إلى الحكم، وذلك لتحسين الموقف التفاوضي.

أخيراً، لا يمكنني أن أغفر للإخوان والإسلاميين ما قاموا به من تطييف للمذبحة، أي جعلها حكراً على طائفة سياسية واجتماعية بعينها. وحتى الآن، لا يمكنني استيعاب أني نجوت من القتل فيها، حيث ذهبت لأراقب الفض بصفتي الحقوقية والصحفية، ومع ذلك لا يمكنني أن أرفع رمزها الذي اقترن بمطلب سياسي في مسار بائس قائم على الاستقطاب والكراهية والصراع على رأس السلطة، ولم يعد رمزاً معبراً عن فداحة الجرم الإنساني.

فأي عار قد أصابك قبل المذبحة أو بعدها؟!

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية