رئيس التحرير: عادل صبري 11:04 مساءً | الجمعة 04 يوليو 2025 م | 08 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

ثانيا: الأمن والأمان في مصر المنشودة (1- 3)

ثانيا: الأمن والأمان في مصر المنشودة (1- 3)
30 أكتوبر 2014

ثانيا: الأمن والأمان في مصر المنشودة (1- 3)

إسماعيل الاسكندراني

ثانيا: الأمن والأمان في مصر المنشودة (1- 3)

(1)

في اليوم التالي لنشر مقالي السابق عن "الناس والجيش في مصر المنشودة" وقع الهجوم الذي أسفر عن مقتل أكثر من 30 جنديا وإصابة ما يقرب من 20 آخرين في نقطة تفتيش كرم القواديس جنوبي شرق العريش. بدأت بعدها هيستيريا التحريض الإعلامي والتأييد الجماهيري لإجراءات أمنية متعسفة تشمل ارتكاب جريمة لا تسقط بالتقادم، وفق نص المادة 63 من دستور 2014، الذي حظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بكافة صوره وأشكاله.. ولم ينقض الأسبوع حتى حلّت على سيناء نكبة رفح في الذكرى الثامنة والخمسين للعدوان الثلاثي، في يوم 29 أكتوبر.

تم تهجير مواطنين مصريين وطردهم من منازلهم تحت التهديد بتفجير المنازل على رؤوس من لا يخرج منها، فأخرجوا منها من دون عملية إخلاء منظمة. تركوا فريسة استغلال أصحاب سيارات النقل المتعطلين عن العمل لأكثر من سنة فأرادوا أن يستثمروا الفرصة، بل حتى طريق الذهاب بلا عودة لم يفتح لهم على الطريق الساحلي بين الشيخ زويد والعريش، فأجبروا على السير بمنقولاتهم في الطرق الالتفافية، واستغرقت رحلتهم 4 ساعات بدل 30 دقيقة. طولب الناس بهجر أراضي أجدادهم المروية بالدم والعرق، وذلك بعد سنة من تجريف مزارعهم التي كانت تضم أجود أنواع الزيتون والموالح واللوز في مصر. بين عشية وضحاها، انتهى صمود السنين وكفاح العقود، وانكسر في النفوس ما لا يمكن إصلاحه بعد فقدان السكن والأمان والخصوصية والتملك والذكريات والتاريخ .. والوطن.

وُعِد المهجّرون بتعويضات، لكنهم لم يأخذوا ورقة رسمية واحدة تضمن حقوقهم.. تحدث ممثلو السلطة في وسائل الإعلام زاعمين موافقة الأهالي على التهجير، ولم نسمع صوتاً واحداً من هؤلاء الموافقين. وعد القائد السابق للجيش الثاني الميداني بتسليم سيناء متوضئة وخالية من الإرهاب في غضون أسبوع، فمرّت أكثر من سنة مُنِي فيها الجيش بهزائم متكررة من أقصى الشمال الشرقي في رفح إلى أقصى الجنوب الغربي في الفرافرة، وعُزل قائد الجيش الثاني من منصبه، وتفوق "أنصار بيت المقدس" بعدة عمليات نوعية على مدار الشهور. كانت آخر عملية في كرم القواديس على مسافة 25 كيلومتر من الحدود، فتم توجيه رد الفعل إلى رفح التي لم تشهد أي عملية منذ تفجير مقر مكتب المخابرات العسكرية فيها في سبتمبر 2013.

كتبتُ في مقال سابق في موقع المدن " يُقتل الجنود في مناطق العمليات وعلى الحدود، فيتم الزج بالمدرعات إلى حرم الجامعة.. يتكرر الإخفاق الأمني في سيناء، فيُسجن المعارضون في العاصمة.. تتطور عمليات "أنصار بيت المقدس" و"أجناد مصر" نوعياً وكمّياً، فتنصرف الدولة عن معالجة قصور أجهزتها من حيث التدريب والكفاءة والجهوزية إلى مزيد من إجراءات القمع والتأميم والمصادرة. تزداد مسببات العنف، ولا تتورع السلطة عن إذكاء دوافع الانضمام إلى الجماعات المسلحة، فيما يبدو أنه استثمار سياسي في استمرار وجود الإرهاب بحثاً عن شرعية التصدي للتهديد والحكم بالخوف."

(2)

في سلسلة مقالات "مصر المنشودة بعد جمهورية الضباط"، أحاول القفز خارج قارب الغرق في وحل الحاضر ومستنقعات اليأس من التغيير للأفضل. أغلبنا يشارك في التشخيص، وبعضنا اكتسب مهارات استثنائية في التعبير عنه وتشريحه بموهبة فريدة، لكننا لا نزال نرتبك أمام سؤال المستقبل. تسيطر على عقلية أعداء التغيير مفهوم "ليس في الإمكان أحسن مما كان"، فهم يغلقون نوافذ خيالهم عن تصور حالٍ أصح وأحسن من حالنا، فيرضون بأسفل السافلين ويتقبّلون كل ما يصاحب ذلك من عقد نقص وانهزامية أمام الأمم والشعوب التي غيرت ما بأنفسهم.

حين نرسم المستقبل، ينبغي أن نتحرر من ظلال الواقع قليلاً أو كثيراً، فالغرض ليس كتابة وصفة للعلاج ولا طرح حلول مقترحة لمشكلات وأزمات راهنة. يحتاج صنع المستقبل بالخيال إلى ما هو أكثر من الحلم بضمان حقوقنا، فالأصحاء يحلمون بالطيران وذوو الإعاقة الحركية يحلمون بالسير مثل بقية الأقران. علينا أن نختار كيف نحلم؛ هل نحلم كالمتساوين مع النظراء والأقران أم نستسلم لأعداء الحياة الكريمة فتنخفض أسقف آمالنا فنرضى بالحدود الدنيا من حقوقنا؟!

لا مجال في المستقبل للجدال حول جريمة التهجير القسري، فمصر المنشودة دولة تلتزم بدستورها التوافقي وقوانينها العادلة. ولن يشغلنا في القضايا الأمنية عدم وقوع جرائم موسعة في حق الأبرياء، بل التحقيق في الانتهاكات المحدودة في حق المدانين. ففي مصر المنشودة التزامٌ بشخصية العقوبة بلا تعميم، ونصيّة العقوبة بلا ارتجال، وكل من يخالف ذلك يتعرض لمحاسبة وعقاب.

أجهزة الأمن في مصر المنشودة تتمتع بقدر عالٍ من الذكاء والحرفية، تتلقى أحدث التدريبات الفنية والميدانية، وعلى درجة عالية من الجهوزية وضبط النفس. تخوض معاركها بكفاءة لا بشراسة، أعينها منصبة على النتائج والأهداف لا على التعليمات والإجراءات. وإذا كان الشعور بالأمن الآن في مصر المنكوبة يغيب في حضور قوات الأمن، فإن الأمن سيتحقق في مصر المنشودة بغياب قوات الأمن من المشهد. نعم، ستختفي قوات الأمن، لكن المواطنين سيطمئنون لظهورها المفاجيء بالحجم والتجهيز المناسب إذا استدعت الحاجة. أما الحاجة التي ستتطلب وجود الأمن وتعزيزاته فستكون في أغلبها وقائية لا علاجية.

يخلط كثيرون بين مفهومي الأمن والأمان، وهو ما لن يحدث في مصر المنشودة التي يتضح فيها الفارق بينهما كما سيبيّن المقال القادم بإذن الله..

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية