مصر وخفض العملة الصينية
ممدوح الولي
مصر وخفض العملة الصينية
مع انخفاض قيمة الصادرات الصينية خلال شهر يوليو الماضى بنسبة 8 % ، فقد قامت الصين بخفض قيمة عملتها اليوان بمعدل انخفاض لم يحدث منذ 11 عاما ، حتى تكون صادراتها أرخص بالنسبة لدول العالم ، مما يزيد تنافسيتها ويؤدى لاستمرار ارتفاع حصيلتها .
وتحتل الصين المركز الأول عالميا فى قيمة صادراتها السلعية ، والتى بلغت خلال العام الماضى 2 تريليون و252 مليار دولار ، أى ما يعادل 87 مرة ضعف قيمة الصادرات المصرية البالغة 26 مليار دولار .
وما يؤرق الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ، هو تزامن خفض قيمة العملة الصينية مع ارتفاع قيمة الدولار ، الأمر الذى يعني سهولة أمام الصادرات الصينية، وصعوبات أمام الصادرات الأمريكية نظرًا لارتفاع قيمة السلع الأمريكية .
كما يمثل الفائض التجارى السلعى الصينى منذ سنوات، مشكلة تؤرق كثيرا من الدول الصناعية خاصة أمريكا، وهو الفائض الذى بلغ 303 مليارات دولار خلال العام الماضى وحده ، بينما يعانى الاقتصاد الأمريكى من عجز تجارى مزمن منذ عشرات السنين، وهو عجز متكرر فى عدد من الدول الصناعية .
وتستفيد الصين من خفض عملتها والذى يجعل منتجاتها وخدماتها أرخص ، وبالتالى يمكن أن تزيد صادراتها ، وتزيد معدلات السياحة إليها ، وقدوم الاستثمار الأجنبى إليها .
خاصة مع استقطابها استثمار أجنبى مباشر خلال العام الماضى بلغ 129 مليار دولار ، لتحتل المركز الأول عالميا فى الاستثمارات الداخلة .
ولكن ما هو تأثير ذلك على مصر ؟ من الناحية النظرية فإن خفض قيمة اليوان ورخص المنتجات الصينية ، يجعل الواردات المصرية منها أقل تكلفة ، وهو ما يتزامن مع انخفاض أسعار البترول مما يقلل من تكلفة النقل البحرى الذى يهيمن على التجارة بين البلدين .
كما يسهل خفض اليوان سفر المصريين للصين للسياحة والتبضيع، لكنه على الجانب العملى فإن الاحتكارات المهينة على التجارة المصرية هى التى تتحكم فى الأسعار المحلية ، مهما قلت أسعارها بالخارج .
وبدليل أن تراجع سعر صرف اليورو مؤخرًا لم يؤد إلى انخفاض أسعار السلع المستوردة من دول اليور والتسعة عشر، والتى تشكل حجمًا مؤثرًا من إجمالى الواردات المصرية ، بينما الواردات المصرية من الصين ليست ذات حجم مؤثر .
فخلال الشهور التسعة الممتدة من يوليو من العام الماضى وحتى مارس من العام الحالى ، فقد بلغ النصيب النسبى للواردات من الصين 8 % من إجمالى الواردات المصرية بتلك الفترة ، بينما كان نصيب ثلاث دول من دول اليور والتسعة عشر ، وهى ألمانيا وايطاليا وفرنسا فقط 12 %من اجمالى قيمة الواردات .
ورب قائل أن أزمة تدبير الدولار محليا ستقلل من إمكانية الاستيراد، والاستفادة من انخفاض سعر المنتجات الصينية، لكن بيانات الواردات الأخيرة وحتى شهر مايو الماضى ، تشير الى ارتفاع قيمتها بالمقارنة للفترات السابقة ، وبما يشير إلى أن المستوردين لديهم وسائلهم البديلة لتدبير الدولار ، ومن ذلك شراء دولارات المصريين بالخليج بسعر أعلى ، وإرسالها مباشرة الى الموردين .
ويخشى البعض من تكرار أزمة 1997 مع انهيار النمور الآسيوية وتكالب المستوردين على شراء السلع الآسيوية ، مما أسفر عن أزمة سيولة حادة بالسوق المحلية وقتها ، خاصة وأن انخفاض سعر صرف اليوان الصينى ، قد أدى لانخفاض سعر صرف عملات دول أخرى مثل استراليا ونيوزيلندا .
والمعروف أن دخول السلع الصينية لا يكون فقط من خلال المستوردين مثل باقى الدول ، ولكن هناك رافد موازٍ آخر يتمثل فى الباعة الصينيين الذين يدخلون البيوت المصرية فى الحضر والريف ، بالإضافة الى التهريب
لكن الخطر الأكبر فى حالة ورود السلع الصينية الرخيصة ، هو التأثير السلبى على كثير من الصناعات المحلية ، والتى لا تستطيع المنافسة لتلك الأسعار ، وعلى سبيل المثال فإن مئات من ورش تصنيع الجلود قد أغلقت أبوابها ، بسبب رخص المنتجات الجلدية الصينية ، حتى أن سعر المنتج النهائى الصينى أرخص من ثمن الخامات قبل تصنيعها .
وهو أمر يمكن أن يتكرر فى كثير من الأنشطة الصناعية التى تنتج سلعا مستوردة من الصين ، ويؤثر سلبيا على مشكلة البطالة ، وبالطبع لن يستطيع وزير الصناعة أن يكرر قراره بمنع استيراد فوانيس رمضان الصينية ، لوجود لوبى قوى للمستوردين ، الذين استطاعوا الغاء قرار حظر استيراد القطن .
الى جانب تعارض تكرار تلك القرارات مع عضوية مصر بمنظمة التجارة العالمية والتزامها بحرية التجارة .
بل أن وزارة التجارة المصرية قد أعلنت عن إلغاء خضوع السلع الصينية للفحص من أجل التأكد من جودتها ، بحجة أن ذلك يطيل الإجراءات ويعطل التجارة .
ويمكن أن يؤد انخفاض سعر اليوان لجذب جانب أكبر من السياحة الخليجية والأوربية ، بل ومن المصريين العاملين بالخليج الذين أصبح الكثيرين منهم يفضلون قضاء اجازاتهم السنوية فى بلدان آسيوية ، بدلا من الحضور لمصر خشية أحداث العنف .
كما يمكن أن يتكرر الأثر مع الاستثمارات الخليجية ، بل وعلى جانب من المستثمرين المصريين الذن يعانون من مشكلات متعددة بالداخل ، مما أدى لتصاعد عمليات خروج الاستثمارات من مصر خلال السنوات الأخيرة .
والتى بلغت قيمتها أكثر من 11 مليار دولار خلال الشهور الإحدى والعشرين الأخيرة ، ما بين يوليو 2013 وحتى مارس 2015 حسب بيانات البنك المركزى المصرى .