رئيس التحرير: عادل صبري 01:59 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

الفرار من الربيع العربي.. لهذا ارتضى الجزائريون بـ «نصف ثورة»

الفرار من الربيع العربي.. لهذا ارتضى الجزائريون بـ «نصف ثورة»

العرب والعالم

احتجاجات بالجزائر

الفرار من الربيع العربي.. لهذا ارتضى الجزائريون بـ «نصف ثورة»

أيمن الأمين 21 ديسمبر 2020 17:01

تزامنا مع انطلاق الشرارة الأولى لاحتجاجات الربيع العربي قبل 10 سنوات، وتحديدا مع تسارع الأحداث داخل مصر واليمن وليبيا وسوريا، وفي يناير 2011، حدثت تحركات اجتماعية في الجزائر وقعت خلالها اشتباكات مع القوى الأمنية.

 

النظام الجزائري آنذاك برئاسة الرئيس الجزائري عبد العزيز بزتفليقة تمكن من الحفاظ على موقعه كرئيس للبلاد، باستخدام سياستَي التخويف من الماضي والتنازلات السياسية المؤقتة، رغم تشابه الأوضاع السياسية في الجزائر مع باقي الدول التي عمَّت فيها الثورات.

 

فالجزائر كانت نقطة انطلاق لتظاهرات الربيع العربي في ديسمبر 2010 بعد الجارة تونس، التي أجبر فيها الشباب العاطل الرئيس، زين العابدين بن علي، على الرحيل.

 

وفي الوقت نفسه، خرج الجزائريون بدورهم محتجين على ارتفاع أسعار السلع الأساسية وأزمات الإسكان، فاندلعت الاشتباكات بين المتظاهرين والشرطة، ثم في يناير 2011 سقط قتيل في مواجهات أخرى بمنطقة عين الحجل في ولاية المسيلة شرقي الجزائر.

 

 

ومع تصاعد حدة الاحتجاجات ورقعتها في عدد من الولايات الجزائرية، حذر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في خطاب مُتلفز في إبريل 2011 من تكرار مصير الحرب الأهلية التي عاشتها الجزائر في تسعينات القرن الماضي.

 

ثم قدم بوتفليقة تنازلات لاحتواء الأزمة، أهمها إلغاء قانون الطوارئ الذي فُرض على الجزائريين قبلها بـ19 عامًا، ومراجعة قانون الانتخابات الرئاسية، وتعليق الضرائب المفروضة على بعض السلع الغذائية للسيطرة على أسعارها المرتفعة.

 

الخطاب أظهر تباينًا في ردود فعل الجزائريين بين مؤيد ومعارض، إلا إن الأوضاع في الجزائر اتخذت نمطًا هادئًا بعده، فيما اشتعل حولها العالم العربي بثورات وحروب، كانت سوريا وليبيا أولى محطاتها.

 

وفي تحليلات لمحللين جزائريين، قال الكاتب الجزائري كامل داوُد في مقالٍ بصحيفة نيويورك تايمز، إن الجزائر عاشت الربيع العربي قبل اشتعاله في باقي البلدان العربية، واختبر الجزائريون عنف الجماعات الإسلامية في البلاد ذبحًا واغتصابًا في التسعينات، ولذلك احتاطوا في 2011 حتى لا يعود الوضع كما كان عليه: «لقد دفعنا الثمن مسبقًا»، هكذا يقول دواود.

 

ولكنه يؤكد مع ذلك أن الوضع في الجزائر لا يخلو من الفساد والتدني في مستوى المعيشة، فالجزائر لديها مخزون جيد من النفط والغاز الطبيعي، لكن الفساد يملأ أركانها.

 

ويقول الناشط الجزائري زكي حناش، إن صدمة الحرب الأهلية "منعت الجزائريين" من النزول إلى الشارع بالحجم نفسه كما في دول أخرى، لكن ذلك لم يمنعهم "من متابعة ما يجري في تونس ومصر وسوريا بحماسة يختلط بها الخوف".

 

وفي تلك الحقبة، كان في إمكان السلطة أن تستعين بأموال عائداتها النفطية لتهدئة الاحتجاجات الاجتماعية.

 

وفي فبراير 2019، بدا الوضع مختلفا مع تراجع أسعار النفط وفراغ خزينة الدولة.

 

 

وفي 22 فبراير 2019، خرجت تظاهرات حاشدة ضد عزم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الترشح لولاية خامسة ما اعتبروه إهانة لهم، في ظل عجزه بسبب تراجع صحته منذ إصابته بجلطة العام 2013.

 

وتوسعت من العاصمة إلى كل أنحاء البلاد التي كانت التجمعات محظورة فيها منذ 2001. وأعادت التظاهرات التي عرفت لاحقاً بـ"الحراك"، إلى الذاكرة مشاهد الاحتجاجات ضد النظامين اللذين حكما تونس ومصر لعقود وسقطا في 2011.

 

"تعلمنا من الربيع العربي". 

 

وبالفعل نجحت الاحتجاجات في إجبار بوتفليقة على التراجع عن الترشح لولاية خامسة، والتخلي عن السلطة، ولكي لا يتكرر ما حدث في بعض البلدان العربية، استمر المتظاهرون في النزول إلى الشارع بأعداد كبيرة كل يوم جمعة، مصرين على رحيل رموز "النظام" الموروث من عهود بوتفليقة المتعاقبة والتي استمرت عقدين - وبينهم رئيس الأركان الفريق أحمد قايد صالح الذي أصبح الرجل القوي في البلاد، قبل أن يتوفى في ديسمبر 2019.

 

وتمسك النظام بمواقعه، ونظم انتخابات رئاسية رغم رفض الحراك، وأوصلت الانتخابات التي شهدت نسبة مقاطعة كبيرة الرئيس عبد المجيد تبون إلى الرئاسة. ودفع تفشي فيروس كورونا المتظاهرين إلى تعليق تحركهم.

 

 

ووفق تحليلات سياسية، يتقاطع حراك فبراير في الجزائر مع ثورات الربيع العربي في الشعار المركزي. الهمّ العربي موحّد لجهة التطلّع إلى التغيير ورحيل النظام برموزه وأدوات حكمه واستعادة الأرض والمقدّرات، والمطلب الديمقراطي كعنوان كبير تتداخل تحته عناوين ومطالب الحريات وتحرير الإنسان وحق التنظيم والتعبير والهوية وإنهاء منظومات القمع ومحاربة الفساد والهيمنة الاقتصادية وتحرير المبادرة الفردية والجماعية.

 

لكن حراك فبراير يقطع في الوقت نفسه مع ثورات الربيع العربي، شكلاً ومضموناً وتوقيتاً أيضاً، في جملة فوارق، فثورات الربيع العربي انتهت في مأزق بفعل نجاح الثورات المضادة في استعادة المبادرة واحتواء الفعل الثوري ومحاولات التغيير، لتتحوّل نماذج منها إلى حالات تمزق داخلي مخيف، فيما جاء الحراك الشعبي في الجزائر معاكساً لهكذا منحى، بل إنه أعاد موجة الثورية إلى أعلى ما يمكن، وأوجد لدى الشعوب التي تعثّرت ثوراتها أملاً في تصحيح الخيار.

 

واتخذ حراك فبراير في الجزائر من المركز ومنطقة الثقل الاجتماعي والسياسي، العاصمة أساساً والحواضر الكبرى، منطلقاً لمهاجمة النظام ورموزه، وتوسع بشكل متزامن إلى الهامش الاجتماعي واستردّ لصالحه كافة الفئات الشعبية والطالبية والعمالية والقضاة والجيش، فكان حراك فبراير أكثر جرأة ومباشرة في اختيار مركز ونقطة الانطلاق، وتدرّج في المطالب من جمعة إلى جمعة، بخلاف ثورات الربيع العربي التي انطلقت من الهامش الاجتماعي ثم انتقلت إلى المركز، من درعا في سورية، وسيدي بوزيد في تونس، ومن تعز في اليمن.

 

كما يوضع حراك فبراير في سياق تصحيح انتفاضة أكتوبر 1988، التي حادت عن مسارها الديمقراطي. ويعتد الجزائريون برصيد من التجربة المؤلمة في التسعينيات، مهّد لها الاستقطاب السياسي والأيديولوجي، وأدت إلى العنف السياسي والعنف المسلح، ولذلك تلافى استخدام أي من مظاهر العنف والقوة.

 

 

وبخلاف ثورات الربيع العربي في ليبيا وسوريا، صمّم الجزائريون حالة سلمية مبتكرة في الحراك، على الرغم من أن القرار الأمني كان يتجه إلى رد عنيف على الناشطين والمتظاهرين، كرد باقي الأنظمة الشمولية.

 

كبح حراك فبراير منذ اللحظة الأولى جماح الإسلاميين، أبقى عليهم كمكوّن مجتمعي وسياسي ضمن الشعب، لكنه منع قفزهم إلى صدارة المشهد، وأغلق الحراك على نفسه في الدائرة المحلية لكبح الفاعل الخارجي، رافضاً أي دور لأي جهة كانت في الشأن الداخلي، ولو على صعيد التصريحات السياسية، بل إنه عزل السلطة ودفعها إلى منطقة التسلل والتخابر في الشأن المحلي مع العواصم الغربية.

لا يريد الجزائريون أن يروا الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مطارداً في العواصم ومغترباً كالرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي، الهارب إلى السعودية، ولا في قفص المحكمة كالرئيس الراحل حسني مبارك، ولا طريداً ثم مقتولاً ببشاعة كالعقيد الليبي معمر القذافي، ولا مغدوراً كالرئيس اليمني الراحل عبد الله صالح، بل احتفظ الحراك الشعبي في الجزائر بصبر كبير وموقف أخلاقي إزاء رئيس توفرت له كل عوامل الحكم والتنمية، لكنه اهتم بصب رصيد من التاريخ في حسابه بدلاً من الصب في حساب الديمقراطية، وسيحكم له أو عليه التاريخ.

 

 

في قراءة أخرى للمشهد الجزائري، رأت مواقع إعلامية أمريكية، أن المظاهرات العامة أمر نادر في الجزائر، ومع ذلك، فمنذ الـ22 من شهر فبراير 2019، كشفت مظاهرات في الجزائر العاصمة وعنابة والبليدة وقسنطينة ووهران عن مصادر لعدم الاستقرار خاصة بالجزائر.

 

وأضافت أن أولئك المتظاهرون، الذين ينتمون إلى خلفيات متنوعة، متحدون في موقفهم بأنَّ رئيس الجزائر، عبد العزيز بوتفليقة، الذي انتُخِبَ رئيساً عام 1999، ينبغي له التنحي، ومع ذلك، فإنَّ نضالهم ليس ضد بوتفليقة بحد ذاته، بوصفه زعيماً منفرداً، وإنما يقفون بوجه "دولة عميقة" تتألف من أعضاء من الجيش الجزائري، والجهاز الأمني، ونخبة رجال الأعمال المعروفة، الذين أرادوا بقاء بوتفليقة على رأس البلاد لحماية امتيازاتهم بينما تنتقل البلاد إلى رئيس جديد، أياً كان ذلك الرئيس.

 

ومع أنَّ ثورات الربيع العربي قد أطاحت بثلاثة من الرجال الأقوياء في شمال إفريقيا الرئيس الليبي معمر القذافي، ورئيس تونس زين العابدين بن علي، والرئيس حسني مبارك، فإنَّ القيادة الجزائرية نجحت في اجتياز العاصفة. وقد عزا الكثير من المحللين، منذ عام 2011، التجربة الجزائرية الهادئة نسبياً لمجموعة من العوامل المعقدة الخاصة ببلاد المغرب..

 

ومع ذلك، فإنَّ معظم التقييمات لنجاح النظام الجزائري في حماية البلاد من رياح التغيير تعزو ذلك النجاح لمواقف الجماهير من السياسة.

 

إذ تتشكل هذه المواقف بشكل كبير من تجربة "العشرية السوداء" التي مرت بها الجزائر في التسعينيات، عندما أدى تمرد إسلامي راديكالي وقمع من الدولة إلى موت أكثر من 200 ألف شخص وفترة من العزلة.

وبحلول عام 2011، كان معظم الجزائريين متسامحين مع هيكل سياسي سلطوي يقمع المعارضة، طالما ظلت البلاد مستقرة نسبياً، وبين عامي 2011 إلى 2013، خلص الكثير من الجزائريين من العنف الذي حل بليبيا ومالي وسوريا واليمن ودول عربية/إسلامية أخرى، إلى أنَّ تحدي الوضع الراهن لن يؤدي إلا إلى المخاطرة بالعودة إلى الاضطرابات واسعة النطاق والعنف.

 

وعن خلفية هذا التحذير والتخويف من العشرية السوداء، قال الصحفي الجزائري، المقيم، رشدي شياحي في تصريحات صحفية، إنها" الورقة، التي كان يراهن عليها النظام الجزائري ولكن يبدو أن مظاهرات الحراك، والتي جاءت مفاجئة ومن تنظيم الشباب، الذي خرج للاحتجاج بشكل سلمي خلطت حسابات الساسة في الجزائر".

 

وأضاف شياحي  بأن ورقة العشرية السوداء، التي كانت تُستعمل  كورقة ضغط في التسعينيات، والتي لم يعش أحداثها شباب اليوم أصبحت "ورقة ميتة".

 

وفي محاولة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون التناغم مع الحراك الشعبي وكسب رضاه، أعلن يوم 22 فبراير، (يومًا وطنيًا) وهو تاريخ اندلاع الحراك الشعبي الذي أطاح بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في 2019.

 

ودائمًا ما يردد تبون في خطاباته عبارة «الحراك المبارك»، في تعليقه على الانتفاضة، ويجدد في كل مرة تعهدات بالاستجابة لمطالبها تدريجيا، عبر تعديل دستوري عميق يؤسس لجمهورية جديدة، وهو ما تم بالفعل قبل أشهر، وإن كان البعض يرى أن تلك التعديلات لا تلبي طموح الجزائريين.
 

 

حراك الجزائر
  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان