أزمات تلو الأخرى تطل برأسها على الولايات المتحدة الأمريكية، تزامنا مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والمزمع إجراؤها في الثالث من نوفمبر القادم.
حملات الرئاسة الأمريكية، تأتي في وقت تمر فيه الولايات المتحدة الأمريكية بأزمات، ربما لم تشهدها من قبل.
هذا، ووفق تقارير إعلامية، تواجه الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب اقتراناً استثنائياً لثلاث أزمات كبيرة هي الوباء العالمي وركود اقتصادي عميق وحركة مناهضة للعنصرية، وهو ما يعيد صياغة الرهانات السياسية الكبيرة قبل خمسة أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية التي يصعب أكثر فأكثر التنبؤ بنتائجها، تحديدا مع تزايد الصخب ضد إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب.
الولايات الأمريكية، والتي تضربها الاحتجاجات منذ قرابة أسبوعين، ربما تشهد تحولات أكثر دراماتيكية خلال الأشهر المقبلة، فخيارات التحول الاجتماعي ربما تفرض نفسها على صناع القرار الأمريكي.
أسئلة كثيرة ربما ترسم المستقبل الأمريكي، فهل تشهد البلاد لحظة تحوّل اجتماعي كبير؟ أو أن التفاوتات التي فاقمت تفشي فيروس كورونا المستجدّ ستبقى أو حتى تنتعش؟
طرح السؤال يبدو منطقياً في خضمّ الحملة الرئاسية التي يتواجه فيها الرئيس الحالي وخصمه الديموقراطي جو بايدن.
وتوفي قرابة 110 آلاف أمريكي جراء كورونا المستجدّ وهي أعلى حصيلة وفيات للوباء في العالم، كما خسر الاقتصاد الأمريكي عشرات ملايين الوظائف بعد اتخاذ قرار وقف العجلة الاقتصادية للحدّ من تفشي المرض.
في الوقت نفسه، تعمّ المدن الأمريكية حركة احتجاجية واسعة ضد اللامساواة العنصرية بعد وفاة المواطن الأمريكي من أصول إفريقية جورج فلويد، على يد شرطي أبيض في مينيابوليس.
في الغضون، يرى المفكّر كورنيل ويست أن تضافر الأزمات يشكل "لحظة حقيقة بالنسبة لأمريكا".
من جهته، يعتبر أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا دانيال غيليون "أنها لحظة صعبة جداً".
ويقول لوكالة فرانس برس إن هذه الأزمات كانت "فظيعة" بالنسبة للأمريكيين من أصول إفريقية الذين يعانون تاريخياً من وصول محدود إلى نظام الصحة وهم أفقر من الأمريكيين البيض وغالباً ما يسقطون ضحايا لعنف الشرطة.
وأضاف "لا أذكر فترة مروا خلالها السود بمثل هذه الاضطرابات وبمعاناة من هذا القبيل وصعوبات من هذا النوع".
وفي إحصائية جديدة، فقد تضرر الأمريكيون من أصول إفريقية كثيراً جراء تفشي وباء كوفيد-19. وإذا سجّل معدّل البطالة تراجعاً مفاجئاً في مايو بـ13,3%، إلا أنه ارتفع إلى 16,8% لدى الأمريكيين السود.
وعاود جرح التفاوتات العنصرية نزفه إثر مأساة مينيابوليس، عندما ضغط الشرطي الأبيض ديريك شوفن، بحسب مقاطع مصوّرة، بركبته على عنق جورج فلويد حتى اختنق وفارق الحياة.
وقالت كايلا بيترسون (30 عاماً) هذا الأسبوع أثناء تظاهرة في مينيابوليس "لدى أمريكا السوداء ركبة على عنقها منذ إلغاء العبودية. لم نكن يوماً أحراراً".
القانون والنظام
وكان بامكان الرئيس دونالد ترامب أن يلعب دور المهدئ. إلا أنه لم يفعل واتُهم بتأجيج المشاعر عبر خطاب عسكري ودعوات إلى تطبيق "القانون والنظام" ضد "لصوص" و"مثيري شغب".
وكان ترامب يهدف من خلال خروجه المستفز من البيت الأبيض في مطلع الأسبوع الماضي لالتقاط صورة حاملاً الكتاب المقدس بيده أمام كنيسة تضررت بسبب التظاهرات، إلى توجيه رسالة لناخبيه التقليديين، المحافظين والإنجيليين.
وقال المرشح الديموقراطي جو بايدن إن ترامب "غير مؤهل بشكل خطير" لمنصب الرئاسة. ويبدو بايدن الذي غاب لأسابيع عدة عن الساحة السياسية بسبب العزل في منزله في ولاية ديلاوير، مصمماً على اغتنام اللحظة.
يرى الديموقراطي المحنّك (77 عاماً) الفرصة سانحة لتقديم نفسه على أنه جامع ورجل صلح قادر على جمع الجناحين التقدمي والمعتدل في حزبه مع استقطاب الناخبين المستقلين الذين ينفرون من ترامب.
وكتب في تغريدة يوم الجمعة الماضي: "حان الوقت لأن يصبح الوعد الذي قطعته هذه الأمة حقيقة لجميع سكانها".
رئيس في موقع قوة
ويعتبر خبراء أنه رغم أجواء الفوضى، لا يزال ترامب في وضع جيّد مؤاتٍ لإعادة انتخابه.
وقال دانيال غيليون "إذا تمكن الرئيس من التحدث في مسألة الأعراق بشكل بناء، إذا كان قادراً على قيادة استئناف (النشاط) في مجالي الصحة والاقتصاد"، فسيظهر أنه رئيس في موقع قوة.
غير أن شعبية ترامب شهدت في الفترة الأخيرة تراجعاً في استطلاعات الرأي، خصوصاً في صفوف الناخبين الأساسيين لإعادة انتخابه: المسنون والمسيحيون الإنجيليون.
وقد ينفّر تأخره في اتخاذ إجراءات في بداية تفشي الوباء إضافة إلى تهديداته بنشر الجيش مقابل المتظاهرين، جزءاً من أصوات النساء.
واعتبرت ناديا براون، أستاذة العلوم السياسية والدراسات حول الأمريكيين من أصول إفريقية في جامعة بورديو، أن النساء ذوات البشرة البيضاء "منزعجات من إدارته للوباء".
إلا أن كل ذلك لا يقدّم لجو بايدن انتصاراً على طبق من فضة. ورأت براون أن بايدن هو "قط بسبع أرواح، لكن ترامب لديه 12" روحا.
وفي إطار حرب التصريحات الأخيرة بين (ترامب وبايدن، اتّهم الأخير الرئيس الجمهوري دونالد ترامب بأنّه "يستخدم الجيش الأمريكي ضدّ الشعب الأمريكي"، ويستخدم الغاز المسيّل للدموع ضدّ "متظاهرين سلميين"، وكل هذا لمجرّد الترويج لنفسه، وذلك بعيد زيارة مفاجئة قام بها ترامب إلى كنيسة مجاورة للبيت الأبيض.
وقال بايدن في تغريدة على تويتر إنّ ترامب "يستخدم الجيش الأمريكي ضدّ الشعب الأمريكي. إنّه يطلق الغاز المسيل للدموع على متظاهرين سلميين ويطلق عليهم الرصاص المطّاطي. من أجل صورة".
كما تعهد جو بايدن بمحاربة العنصرية، والكفاح من أجل إجراء إصلاحات داخل جهاز الشرطة.
وأضاف بايدن الذي كان نائبا للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما -في مقال نشر في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" أمس السبت- أن "هناك حاجة لسياسة محددة وملموسة طال انتظارها لإنهاء العنصرية الممنهجة"، متعهدا بإنشاء لجنة مراقبة وطنية للشرطة، في حال فوزه بالانتخابات، خلال 100 يوم من توليه الرئاسة.
ورأى المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة أن ثمة حاجة "لتطبيق الشرطة المجتمعية الحقيقية، والتأكد من أن كل إدارة شرطة في البلاد تقوم بمراجعة شاملة لمن يجري توظيفهم وتدريبهم.. مع قيام الحكومة الفدرالية بتوفير الأدوات، والموارد اللازمة لتنفيذ الإصلاحات".
ودعا بايدن الكونجرس لاتخاذ إجراءات فورية لحظر استخدام الخنق في عمليات التوقيف التي تقوم بها الشرطة، ووقف نقل الأسلحة الحربية إلى قوات الشرطة المحلية، ووضع معيار نموذجي لاستخدام ضباط الشرطة للقوة.
وأضاف أنه وعد عائلة جورج فلويد بأنه "لن يصبح مجرد هاشتاج آخر".
وأثار مقتل جورج فلويد، الذي ظهر في فيديو وهو يجاهد لالتقاط أنفاسه بينما يجثو ضابط شرطة أبيض بركبته فوق عنقه، موجة احتجاجات عارمة بدأت من منيابوليس وامتدت عبر أنحاء الولايات المتحدة، وتخللها أعمال شغب وعنف لم تشهدها أمريكا من قبل.