حملت الأنباء الواردة من اجتماع منظمة الدول المصدر للبترول وحلفائها، "أوبك+"، تطورات تبعث على الارتياح، ليس فقط للولايات المتحدة، التي تضرر قطاعها النفطي بسبب انهيار أسعار النفط التي ترتبت على فشل الاتفاق بين السعودية روسيا على الاستمرار في خفض الإنتاج، ولكن للسعودية أيضا.
وواقعيا، فإن السعودية في طريقها، بعد الاتفاق على تخفيض الإنتاج في اجتماع يوم الخميس، لأن تتخطى أزمة صنعتها بنفسها وفرضت عليها تحديات كبيرة، أبرزها كيفية بيع نفطها المعروض بوفرة، وتوفير مشترين دوليين، لا سيما في العقود طويلة الأجل، في ظل منافسة شرسة مع روسيا، باتصالاتها وإمكاناتها.
وبشكل أولي، كانت درة المملكة على تحمل فترة طويلة من انخفاض أسعار النفط محدودة بسبب النفقات المتضخمة للقيادة السعودية، ويشمل ذلك مشاريع البنية التحتية التي تم تنفيذها في جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى عقد اجتماعي باهظ الثمن بين الأسرة الحاكمة والمواطنين السعوديين.
وينطوي هذا العقد على إعادة توزيع جزء من دخل الدولة للسكان في شكل إعانات مباشرة وغير مباشرة، مقابل استمرار ولائهم للقيادة.
عجز الميزانية
ومع استمرار مغامرات الرياض الخارجية المكلفة، مثل تدخلها في الصراع اليمني، ظلت ميزانية المملكة في "المنطقة الحمراء" باستمرار في السنوات الأخيرة.
ونتيجة لذلك، لن تتمكن السعودية من الخروج منتصرة، حتى لو تجاوزت أسعار النفط 84 دولارًا للبرميل.
ومع انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 35 دولارًا للبرميل، فمن المتوقع أن تعاني الميزانية السعودية من عجز بحوالي 85 مليار دولار.
في الوقت الحالي، يمكن تعويض النقص عن طريق السحب من الاحتياطيات المالية المتراكمة سابقًا.
ومع ذلك، هذا ليس سوى تدبير مؤقت، حيث سيتعين على الحكومة السعودية عاجلاً أم آجلاً، فرض تخفيضات في الميزانية، مما يؤثر سلباً على برنامجها التنموي أو الاستقرار الاجتماعي للنظام.
ويقول "نيكولاي كوزانوف"، الباحث في «معهد "شاتام هاوس" بلندن إن وفرة الإمدادات العالمية التي تفاقمت بسبب الانخفاض غير المسبوق في استهلاك النفط بسبب الوباء، حولت حرب أسعار النفط الحالية إلى معركة وحشية، حيث أن سوق النفط لا يعاني من زيادة العرض فحسب بل يتقلص أيضاً.
ويضيف: يجب على السعوديين أن يقاتلوا للاحتفاظ بحصة السوق الحالية، وليس لتلبية الطلب الجديد، كما فعلوا سابقًا (على سبيل المثال، خلال 2016-2019، عندما تنافست الرياض مع موسكو على فائض الطلب في الصين).
معركة البراميل الجديدة
وفي حين أن الطاقة الإنتاجية الفائضة للسعودية تعطيها ميزة كبرى في الصراع على "البراميل الجديدة" في حال زيادة الطلب، فإن الفوز في معركة التنافس على الطلب في سوق متقلص أو راكد يتطلب أكثر من مجرد الرغبة والقدرة على زيادة الإمدادات، يقول "كوزانوف".
وفي هذه الأثناء، فإن خصوم المملكة لديهم أوراقهم الرابحة أيضًا في الحفاظ على حصتهم في السوق الحالية.
وفي حالة الصين، لا ينبغي تجاهل روسيا ولا الولايات المتحدة.
وقّعت الصين والولايات المتحدة في منتصف يناير الماضي، على ما يسمى صفقة "المرحلة الأولى"، التي تعهدت الصين بموجبها بتعزيز مشترياتها من النفط والبتروكيماويات الأمريكية.
من جانبها، تتمتع روسيا بمزاياها الخاصة، بما في ذلك القرب الجغرافي من الصين، مما يجعل تصدير النفط أرخص وأسرع. في حالة السعودية، قد يمثل النقل وقتا وتكلفة مما يضيف تحديًا حقيقيًا.
ونتيجة لما سبق، يرى الباحث أن السعودية كانت في طريقها للفشل حينما يتعلق الأمر بالعثور على عدد كافٍ من المشترين للبراميل الإضافية التي تخطط لإنتاجها في حين أن سعة التخزين العالمية محدودة بشكل كبير.
نفط روسيا ومميزاته
وعلى سبيل المثال، كانت القيادة السعودية غير مستعدة بشكل كاف لحقيقة أن خطط دول مجلس التعاون الخليجي لزيادة حجم صادرات النفط ستزيد الطلب على خدمات الشحن وناقلات النفط مما يرفع تكلفتها ويتسبب في انحفاض ميزة الخصومات التي تقدمها السعودية.
ونتيجة لذلك، أصبح النفط من فئة "الأورال" الروسية (الذي يتم تصديره بشكل أساسي إلى أوروبا)، فجأة مثيرًا لاهتمام المستهلكين الصينيين أكثر من النفط السعودي بسبب انخفاض سعره، حيث انخفض سعر "الأورال" بشكل كبير بسبب التأثير السلبي لفيروس "كورونا" على طلب الوقود في أوروبا.
ونتيجة لذلك، وقّع مستوردو النفط الصينيون، في مارس الماضي، صفقات مع الموردين الروس لمستوى قياسي من شحنات النفط في أبريل ومايو 2020.
وإدراكا لهذا الأمر، يبدو أن الجانب السعودي أدرك أنه ليس مستعدًا للقتال فحسب، بل أيضًا للتحدث مع منافسيه، وبالتالي، أبقت الرياض قنوات الاتصال مفتوحة، ودعت إلى عقد اجتماع طارئ "لأوبك+"، لإعادة الأسعار إلى نصابها الصحيح، وهو ما حدث تقريبا.