رئيس التحرير: عادل صبري 04:17 مساءً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

«قنبلة إدلب».. كيف يستطيع أطراف النزاع إبطال مفعولها قبل الانفجار؟ (تحليل)

«قنبلة إدلب».. كيف يستطيع أطراف النزاع إبطال مفعولها قبل الانفجار؟ (تحليل)

العرب والعالم

النظام السوري يكثف من هجومه على إدلب

«قنبلة إدلب».. كيف يستطيع أطراف النزاع إبطال مفعولها قبل الانفجار؟ (تحليل)

محمد الوقاد 10 فبراير 2020 23:26

لم تكن الخيوط متعقدة في إدلب، شمالي سوريا، بين الأطراف الفاعلة هناك، كما هي الآن.

 

وعلى درجة تعقد تلك الخيوط، باتت الحاجة ملحة إلى حل يضمن أقل الخسائر للجميع، في ملعب لا يريد أي طرف أن يخسر فيه، وهو ملعب شديد الحساسية، لأنه مرتبط بتحالفات إقليمية ودولية مهمة.

 

ويبدو أن أسوأ كارثة إنسانية في الحرب السورية على وشك أن تتكشف، كانت في 28 يناير الماضي، عندما استولت القوات الموالية لنظام "بشار الأسد" على مراكز مكتظة بالسكان جنوب إدلب، عاصمة المقاطعة الشمالية الغربية، وقد دعمت روسيا قوات النظام من خلال القصف الجوي الوحشي.

 

ومع تزايد عدد الإصابات في صفوف المدنيين، تتدفق العربات المليئة بالسوريين -بعضهم مهجر بالفعل لمرتين أو 3 مرات من أجزاء أخرى من البلاد- باتجاه الحدود التركية.

 

ووفقا لمحللين، فإذا بدأ "الأسد" هجوما شاملا لاستعادة إدلب بالكامل، ومنحته روسيا دعماً جوياً، فمن المحتمل أن لا يكون مقاتلي المعارضة قادرين على إيقافه، ولكن مثل هذه الخطوة ستكون مكلفة للغاية لجميع الأطراف، ومن شأنها أن تتسبب في مذبحة، وكذلك موجة جديدة غير مسبوقة من النزوح نحو الشمال.

 

علاوة على ذلك، فإن مثل هذه الخطوة تنذر بمواجهة خطيرة بين النظام وروسيا، من ناحية، وتركيا، من ناحية أخرى، ولذا يجب أن تتوصل جميع الأطراف إلى وقف فوري لإطلاق النار قبل أن تندفع قوات النظام إلى المناطق السكنية.

 

بداية الهجوم

 

في 29 أبريل 2019 أطلقت موسكو وقوات النظام ما وصفه المسؤولون الروس في ذلك الوقت بأنه "هجوم محدود" موجه لطرد المقاتلين المتمردين من مواقعهم في شمالي حماة وجنوب إدلب.

 

وخلال المعارك المستمرة خلال الأشهر التسعة الماضية، أجبرت قوات النظام والطائرات المقاتلة الروسية المعارضة المسلحة على الخروج من مواقع استراتيجية على طول الطرق الرئيسية بهدف مؤقت واضح يتمثل في تطويق المدن الكبرى في المنطقة والاستيلاء عليها.

وتسبب هجوم النظام في خسائر بشرية فظيعة، فالقوة الجوية الروسية، التي تعوض عن ضعف النظام على الأرض، كانت مدمرة بشكل كبير، حيث دمرت الغارات الجوية والمدفعية المستشفيات والمخابز والمدارس وغيرها من الهياكل الأساسية الحيوية، عن قصد، كوسيلة لإحباط السكان المدنيين في إدلب واقتلاعهم وتقويض إدارة المنطقة.

 

ودفع الهجوم على قرى وبلدات مثل قلعة المضيق وكفر نابودا وخان شيخون ومعرة النعمان، التي استولى عليها النظام لاحقًا، السكان المحليين إلى الفرار شمالًا.

 

ووفقًا لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، فقد قُتل ما لا يقل عن 1500 مدني في هذه الضربات منذ نهاية أبريل 2019، في حين تم تهجير مئات الآلاف وتدمير 53 منشأة طبية.

 

نصر هزيل

 

ومع ذلك؛ فإن النظام ومؤيديه الروس يمكن أن يتباهوا بتقدم عسكري محدود فقط. فخلال 9 أشهر من الهجوم، لم يستحوذ النظام إلا على الحلقة الخارجية للمنطقة، أي حوالي 25% من جميع الأراضي التي يسيطر عليها المعارضون.

 

ويشير الإنجاز المحدود إلى أن أي محاولة الاستيلاء على باقي المنطقة ستتطلب تصعيدًا عسكريًا كبيرًا، سيكون أكثر فتكًا بكل تأكيد.

 

ويجعل خطاب دمشق، الذي لا هوادة فيه، من الصعب تصور حل وسط سلمي في تسوية مصير المحافظة وسكانها.

ولطالما كانت إدلب وجهة للمدنيين ومقاتلي المعارضة الذين فروا من هجمات النظام في أماكن أخرى في سوريا أو نزحوا هناك في سياق "صفقات المصالحة"، ويعيش الآن أكثر من 3 ملايين شخص في المحافظة، وهي منطقة زراعية.

بالنسبة للعديد من المعارضين الذين خسروا المعارك في أماكن أخرى في سوريا، فإن الاستسلام للنظام في إدلب، آخر معاقلهم، ليس خيارًا.

 

على أي حال، يرى النظام أن المقاتلين الذين اختاروا الذهاب إلى إدلب بموجب "صفقات المصالحة" لا يمكن غض الطرف عنهم، مما يشير إلى أنه لن يقبل هذه الصفقة هذه المرة.

 

بالإضافة إلى مخاطر التسبب في مأساة إنسانية، يمكن أن يؤدي الوضع في إدلب إلى زيادة التوتر بين روسيا وتركيا بشكل خطير، وقد أثار بالفعل مواجهة بين القوات التركية وقوات النظام السوري، يمكن أن تتصاعد أكثر.

 

وبالنسبة لتركيا، فإن المخاطر كبيرة. لديها حوالي 12 ألف جندي منتشرين في 12 موقعا في محافظة إدلب والمناطق المحيطة بها مباشرة.

 

موجة لاجئين

 

ومن شأن أي هجوم جديد أن يعجل بموجة جديدة من اللاجئين، ربما مع الجهاديين الفارين،ما قد يتسبب في زعزعة استقرار المناطق التي تسيطر عليها تركيا شمال حلب، أو ما هو أسوأ في نظر أنقرة، الأراضي التركية ، حيث يواجه الرئيس "رجب طيب أردوغان" بالفعل معارضة واسعة لقبوله استضافة اللاجئين (يقدر عددهم بنحو 3.5 مليون).

 

لتركيا أيضًا مصلحة سياسية في الحفاظ على النفوذ في إدلب، لأن ذلك قد يعطيها صوتًا أكبر في المحادثات حول مستقبل سوريا والقدرة على احتواء مشاكل المنطقة داخل حدود سوريا.

 

وفي 31 يناير الماضي، أصدر مجلس الأمن القومي التركي، برئاسة "أردوغان" بيانًا أعلن فيه أن "تركيا ستتخذ الآن إجراءات استثنائية في إدلب لحماية المدنيين".

 

بعد ذلك، أرسلت تركيا تعزيزات كبيرة للمعارضة السورية وإلى مراكز المراقبة الخاصة بها في إدلب، بما في ذلك عدد كبير من دبابات القتال والعربات المدرعة، وكذلك المقاتلين السوريين المتحالفين من أجزاء من غرب حلب التي تسيطر عليها.

 

مكّن هذا الدعم المعارضين من شن هجوم مضاد على قوات النظام شمال شرق مدينة حلب في 2 فبراير الجاري. ومن خلال فتح هذه الجبهة الجديدة، يبدو أن تركيا تحاول إضعاف قوات النظام بإجباره على تقسيم قواته وبالتالي إبطاء تقدمه.

 

وفي حين أن أنقرة تدرك أن المساعدات التي تقدمها للمعارضة المسلحة لا يمكن أن تؤدي إلى موازنة القوة الجوية الروسية، يبدو أن موسكو عازمة على زيادة تكلفة هجوم النظام.

 

ما الحل إذن؟

 

لمنع مثل هذا السيناريو، وإنقاذ أرواح المدنيين، يجب على جميع أصحاب المصلحة الموافقة على وقف فوري لإطلاق النار قبل أن يتقدم النظام نحو مدينة إدلب، وفقا لما تراه "مجموعة الأزمات الدولية"، في تحليل لها بالوضع، مؤخرا.

 

ومن شأن استمرار الهجوم أن يدفع المزيد من السوريين نحو الشمال، وربما عبر، الحدود التركية أو إلى أجزاء أخرى من شمال سوريا التي تسيطر عليها تركيا، ومن المحتمل أن يزعزع ذلك استقرار هذه المناطق.

 

وقد ينتشر المقاتلون الجهاديون في جميع أنحاء سوريا وخارجها، مع إيديولوجيتهم وطرقهم إلى تركيا أو بلدانهم الأصلية، بما في ذلك روسيا.

 

وتكافح دمشق حاليا لاحتواء التمرد المتصاعد في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقًا في الجنوب، ومنع عودة تنظيم "الدولة الإسلامية" في الشرق.

 

وبالنظر إلى الاستنزاف الذي ستعانيه قوات النظام في إدلب، والمخاطر التي قد يتسبب فيها المقاتلون في محافظات أخرى، فإن "النجاح" في إدلب قد يهدد قدرة دمشق على السيطرة على كامل أراضيها. باختصار، يمكن أن ينتهي الأمر بالنظام ومؤيديه الروس بما يمكن أن يسمى بحق "النصر العسكري الكارثي".

 

بدلاً من تأجيج الصراع في هذا الاتجاه، سيكون من الأفضل لروسيا وقف إطلاق النار في إدلب مع الحد من رغبة النظام في المضي قدماً.

 

لكن درس الأشهر القليلة الماضية هو أن وقف إطلاق النار لن يكون كافياً؛ عند نقطة ما أسفل الخط، سوف تشكو موسكو ودمشق من وجود الجهاديين وسيستأنفون هجومهم لاستعادة السيطرة على الأرض.

 

ولتجنب تكرار هذا السيناريو، يتعين على روسيا الانخراط في محادثات أكثر موضوعية مع تركيا والولايات المتحدة لضمان أن يشمل اتفاق وقف إطلاق النار جميع االفصائل العاملة في إدلب، بما في ذلك "هيئة تحرير الشام".

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان