رئيس التحرير: عادل صبري 03:01 مساءً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

اتهامات وتَهَرُّب.. محاكمة رموز بوتفليقة تكشف الفساد المستور (شاهد)

اتهامات وتَهَرُّب.. محاكمة رموز بوتفليقة تكشف الفساد المستور (شاهد)

العرب والعالم

محاكمة رموز بوتفليقة

اتهامات وتَهَرُّب.. محاكمة رموز بوتفليقة تكشف الفساد المستور (شاهد)

إنجي الخولي 05 ديسمبر 2019 04:42

انطلقت في الجزائر محاكمات ما بات يعرف في البلاد بـ"العصابة"، التي تضم وزراء ورجال أعمال محسوبين على نظام عبدالعزيز بوتفليقة، قبل أسبوع من الانتخابات الرئاسية التي تعارضها حركة احتجاجات ضخمة.

 

ومحاربة الفساد، في هرم السلطة الراسخ، من أهم الأهداف التي يضعها المتظاهرون نصب أعينهم، لكن لم تهدأ ثورتهم بالقبض على عشرات من كبار الشخصيات بمن في ذلك مسئولون ومسؤئلون سابقون ورجال أعمال.

 

وتعتبر محاكمة ،الأربعاء، هي ثاني محاكمة لشخصيات بارزة منذ بدء حركة الاحتجاج في فبراير، حيث صدرت أحكام بالسجن لمدد طويلة في أكتوبر على رئيس سابق للمخابرات وشخصيات أخرى كانت تتمتع بالنفوذ في السابق.

 

وبدأت،  أولى الجلسات في محكمة سيدي امحمد في العاصمة الجزائرية، بعد تأجيلها سابقا لانسحاب محامي المتهمين، بسبب ما وصفوه بعدم توفر شروط المحاكمة العادلة وتسييس الملف قبل أسبوع من موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في الثاني عشر من الشهر الحالي.

 

وشهد محيط المحكمة منذ الصبيحة تعزيزات أمنية مشددة، شملت كافة مداخل الطرق المؤدية إليها، كما أنه تم نصب شاشات كبيرة داخل وخارج قاعة الجلسات لتمكين الجميع من متابعة المحاكمة.

ومنذ الإعلان عن تاريخ المحاكمة، شهدت البلاد جدلا بين هيئة الدفاع المكونة من عشرات المحامين التي تطالب بتأجيلها "نظرا لعدم توفر شروط إجرائها في ظروف عادية"؛ وسرعة برمجتها، خاصة أن البلاد تعيش سباق انتخابات الرئاسة المقررة في 12 ديسمبر الجاري.

 

تهم رموز بوتفليقة

وتعلقت المحاكمة بكل من أحمد أويحيى وعبد المالك سلال بصفتهما رئيسي حكومة سابقين، ومحجوب بدة ويوسف يوسفي كوزيري صناعة أسبقين، وعبد الغني زعلان بصفته وزيرا سابقا للنقل والأشغال العامة، إضافة إلى رجل الأعمال علي حداد زعيم الكارتل المالي في عهد بوتفليقة، ومعزوز أحمد مالك علامة شيري الصينية لتجميع السيارات، وبعيري محمد مالك مصنع تجميع شاحنات لعلامة "إيفيكو" الإيطالية، إضافة إلى حسان عرباوي مالك مصنع "كيا" لتجميع السيارات.

 

كذلك يحاكم في ملف "مصانع تجميع السيارات" علوان محمد رئيس دراسات بالمديرية العامة للتنمية الصناعية والتكنولوجية بوزارة الصناعة والمناجم، وفارس سلال ابن عبد المالك سلال، وشريك معزوز أحمد، إضافة لحاج سعيد مالك رئيس ديوان مجمع علي حداد للأشغال العامة، وأورون أحمد وهو محاسب رئيسي في بنك الجزائر، وعبود عاشور الرئيس المدير العام للبنك الوطني الجزائري.

 

فوضى وطلب مرفوض بالتأجيل

وشهدت جلسة المحاكمة، فور افتتاحها، فوضى عارمة، بسبب صيحات المواطنين، الذين رددوا "أكلتم البلاد يا لصوص"، ما دفع بالمحامين إلى طلب تأجيلها، طلب رفضه قاضي الحكم، شعايشية لخضر، وأصر على افتتاحها، بحجة غياب مواد تسمح للمحامين بالانسحاب من المحاكمات، أياً كانت الظروف.

 

وكان وزير العدل بلقاسم زغماتي، قد صرح الأحد الماضي، بأن كل الظروف متوفرة لإجراء محاكمة في ظروف جيدة، وأن القانون ينص على محاكمة الوزراء في محكمة خاصة، لكنها لم تُشكل في العهد السابق لأسباب مجهولة، وبالتالي فإنهم سيحاكمون في محكمة عادية.

 

وقرر قاضي الحكم دمج ملفات رجال الأعمال ملاك مصانع تجميع السيارات في ملف واحد كونهم يتابعون بنفس التهم، على أن يكون ملف الوزراء وعلي حداد منفصلين، وهو ما رفضه محامو المتهمين، كون التهم، وإن كانت نفسها، فإن الأفعال تختلف من رجل أعمال لآخر.

 

ووجهت المحكمة إلى رئيسي الحكومة السابقين اتهامات بـ"منح امتيازات للغير، وتبديد أموال عمومية، وتلقي الرشوة وعمولات مالية، وسوء التسيير والتصرف"، ووجهت إلى رجال الأعمال تهم "الحصول على امتيازات غير قانونية، وتحريض موظفين عموميين على استغلال نفوذهم للحصول على مزايا، وتبييض الأموال، والتمويل الخفي للحملات الانتخابية، وتحويل الممتلكات الناتجة من عائدات إجرامية".

 

أويحيي يواجه القاضي

وطالب أحمد أويحيى وعبد المالك سلال بتطبيق المادة 177 من الدستور التي تلزم بمحاكمة الوزراء أمام محاكم عليا خاصة، كونهم يتمتعون بحق الامتياز في التقاضي الذي يحصر استجواب ومحاكمة إطارات الدولة المدنيين أمام محاكم عليا تستحدث حسب الملفات، وهو الطلب الذي رفضه القاضي ووكيل الجمهورية.

 

ورفض أحمد أويحيى لدى مقابلته من طرف القاضي بالتهم الموجهة إليه الاعتراف بها، عكس أقواله السابقة لدى الاستمتاع إليه من طرف القاضي المحقق لدى المحكمة العليا الجزائرية، حيث قال للقاضي فيما يتعلق بحصر قائمة المستفيدين من رخص تجميع السيارات في 5 رخص "لقد تعاملنا مع مؤسسات وليس مع أشخاص، نحن في الحكومة دورنا خلق الاستثمار، لا يمكن لي أن أتعامل بالمحاباة".

 

وأضاف: "كل القرارات كانت تعرض على رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة"، في محاولة لإقحام الرئيس المستقبل في 2 إبريل المنصرم، وإعطاء الملف بعدا سياسيا، فيما اعترف أويحيى بأن تمديد فترة استفادة مصانع تجميع السيارات من الإعفاءات في عمليات استيراد هياكل السيارات لمدة 12 شهرا، قائلا "نعم أنا من أمر بالتمديد، ليس حبا في ملاك المصانع، بل لإحداث توازن في سوق السيارات وتفادي اضطرابه".

 

وفي ما يتعلق بعدم التصريح ببعض ممتلكاته وحساب مصرفي فيه ما يعادل 7 ملايين دولار من العملة الجزائرية، صبت في حسابه بين سنتي 2017 و2018، لم يجد ما يقول أويحيى وما يرد به سوى أنه "حصيلة حياة طويلة في خدمة الوطن"، قبل أن يقاطعه القاضي: "سنوات أم سنتان فقط؟"، في تلميح إلى مدة ترأسه الحكومة بين 2017 و2019، حين تم اعتماد مصانع تجميع السيارات.

 

كما رفض أويحيى التهم الموجهة إليه لمساعدة ابنه مالك شركة مختصة باستيراد العتاد الإلكتروني بالقول: "ابني أسّس شركته لوحده ولم أتوسّط له يوما، عقود شركته صافية ويمكنكم التحقيق معه".

 

سلال يورط شقيق بوتفليقة

وبعد أحمد أويحيى، وقف رئيس الحكومة الأسبق عبدالمالك سلال أمام القاضي الذي وجه إليه نفس التهم الموجهة إلى أحمد أويحيى، إضافة إلى التمويل الخفي لحملة انتخابية.

 

وقال عبدالمالك سلال أمام القاضي حول منح امتيازات لمصانع تجميع السيارات من دون احترام دفتر الشروط: "وجدت الكثير من الفوضى في القطاع، أردت تنظيمه، لكن عبد السلام بوشوارب (وزير صناعة سابق مقرب من بوتفليقة هارب من العدالة)، لا أستطيع التحكم فيه، لأنني كنت بصلاحيات محدودة أمامه"، في تلميح إلى استعمال بوشوارب صداقته مع شقيق عبدالعزيز بوتفليقة لتمرير قرارات لصالح رجال الأعمال المقربين منه.

 

وحول أعمال ابنه المسجون، قال سلال "ابني ليس له إمكانيات مادية ولديه خبرة في تسيير لأنه كان في الخارج، باع حصته في مجمع معزوز سنة 2016، لم أقدم له أي امتيازات"، وفي إجابة حول سؤال للقاضي: "لماذا لم تصرح بعقار بمحافظة قسنطينة وسيارة "لاند روفر 2017؟"، قال سلال: "ممتلكاتي اشتريتها بأموالي والعقار قمت ببيعه ما بين 2006 و2010 وربي شاهد عليا، نسيت السيارة لأنني لا أعرف السياقة والله نسيت وربي شاهد ليس لدي أي تصريح كاذب".

 

وحول التمويل الخفي لحملة بوتفليقة الانتخابية (من فبراير إلى إبريل 2019)، اعترف سلال بفتحه حسابين بنكيين، تم ضخ أكثر من 10 ملايين دولار من العملة المحلية فيهما، شارك فيها عدة رجال أعمال منهم حسان عرباوي، وأحمد معزوز، وعلي حداد، لكنه أضاف أن "عبدالعزيز بوتفليقة هو من عيّن المحاسب المالي، وشقيقه سعيد بوتفليقة هو من يسير عملية إنفاق الأموال، عندما أُقلت من على رأس حملة بوتفليقة أغلقت الحسابين البنكيين، ولم يسألني أحد عن الأموال الناقصة".

 

يوسفي: طبقت التعليمات

ثالث الوزراء المستجوبين من طرف القاضي ووكيل الجمهورية كان وزير الصناعة في حكومتي أويحيى وسلال، يوسف يوسفي، الذي قال عن حصر رخص تجميع السيارات في 5 علامات فقط: "أنا طبقت التعليمات المكتوبة الموجهة إليّ من الحكومة (أحمد أويحيى)، مع مراعاة دفتر الشروط"، في تبرئة لذمته من تهمة منح امتيازات غير مستحقة.

 

وأضاف يوسفي حول زيارته مصنع "كيا" لرجل الأعمال حسان عرباوي قبل تدشينه رسميا: "لم يكن المصنع مبرمجاً في زيارتي لمحافظة باتنة، حتى فوجئت بدخول المصانع"، مضيفا "مهمتي تطوير الاستثمار من دون النظر إلى المستثمر، من يخلق منصب شغل أساعده".

 

5 ملفات فساد أخرى

أما وزير الصناعة السابق محجوب بدة (2017)، المتابع بنفس تهم أحمد أويحيى ويوسف يوسفي، فقد قال للقاضي: "أنا كنت وزيراً لمدة 3 أشهر، كنت أول من فجّر فضيحة تضخيم الأسعار وضعف مصانع التجميع في رفع نسبة الإنتاج مقارنة بالامتيازات التي منحت لها"، قبل أن يقاطعه القاضي: "لكنك أمضيت على 6 مقرارات استفادة لمصنع حسان عرباوي في ظرف شهر واحد"، فيجيب محجوب بدة: "فعلا أمضيت لكن ضمن ما يخوله القانون لي، ومن دون الإضرار بمبدأ المنافسة"، وهي الإجابة التي رفضها القاضي قائلاً: "ما بُني على باطل فهو باطل".

 

وحول التصريح الكاذب عن ممتلكاته، دافع محجوب بدة بالقول إن "الشقق الثلاث التي لم أصرح بها هي صغيرة، ولم أرَ أنها ترقى إلى أن أصرّح بها".

ويتابع أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال ويوسف يوسفي في 5 ملفات أُخرى، غير ملفات محاكمة الأربعاء، تتعلق بملفات علي حداد، والإخوة كونيناف، ومحي الدين طاحكوت مالك مصنع "هيونداي" لتجميع السيارات، إضافة إلى ملفّي مراد عولمي مالك مصنع "فولكس فاغن" "أودي" لتجميع السيارات، وأخيراً ملف شركة "أمنهيد" للأشغال العامة.

 

يأتي هذا في وقت حاسم من عمر الصراع المستمر منذ أشهر بين حركة الاحتجاج الضخمة، التي لا توجد قيادة واضحة لها، والمعروفة باسم «الحراك»، وبين السلطات المدعومة من الجيش.

 

ويدفع الجيش باتجاه الانتخابات التي تجرى في الأسبوع المقبل باعتبارها السبيل الوحيد لإنهاء المواجهة مع المعارضة، لكن المتظاهرين يرفضونها ويقولون إنها لا يمكن أن تكون حرة أو نزيهة مع استمرار النخبة الحاكمة، بما في ذلك الجيش، في السلطة.

 

يشار إلى أنه وبعد الإطاحة بالرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة في أبريل الماضي على يد انتفاضة شعبية دعمها الجيش، فقد تم سجن العشرات من رجال الأعمال وكبار المسؤولين في عهده، بينهم رئيسا الوزراء السابقين أويحيى وسلال.

وجاء هذا السجن المؤقت بعد فتح القضاء في مارس الماضي تحقيقات في قضايا فساد خلال المرحلة الماضية، بينها ملف مصانع تجميع السيارات.

 

وتعد هذه المحاكمة الثانية التي طالت رموز النظام السابق؛ إذ قضت محكمة البليدة العسكرية جنوب العاصمة نهاية سبتمبر بالسجن 15 عاما بحق سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس السابق، وقائدي المخابرات السابقين محمد مدين المدعو توفيق، وعثمان طرطاق، إلى جانب لويزة حنون، الأمينة العامة لـ"حزب العمال" (يسار) بتهمة "التآمر على الجيش والدولة".

 

وتجري هذه المحاكمة قبل أيام من انتخابات الرئاسة، والتي يتنافس فيها خمسة مرشحين، وخلفت انقساما في الشارع بين مؤيد لها يراها "حتمية" للخروج من الأزمة ورافضين يرون أن الظروف غير مناسبة لإجرائها.

حراك الجزائر
  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان