في خطوة ربما كانت مؤشراً خطيراً عما قد يأتي بعدها، أصدرت وزارة الصحة العراقية تعليماتها لجميع مستشفيات البلاد بحظر نشر أعداد وأسماء قتلى وجرحى الاحتجاجات التي استؤنفت اليوم الجمعة وسط وجنوب البلاد.
وأرسلت الوزارة تعميماً إلى جميع المستشفيات والمراكز الطبية في العراق تطالبها "بعدم إعطاء أسماء الجرحى والقتلى من المتظاهرين إلى أية جهة معينة، عدا مركز العمليات التابعة لوزارة الصحة حصرا".
المخيف في هذه الخطوة بحسب متابعين للشأن العراقي أنها تأتي في ظل ارتفاع أعداد القتلى إلى 30 قتيلاً وأكثر من ألفي جريح خلال ساعات، ووسط تعتيم إعلامي على الاحتجاجات بعد منع السلطات وسائل الإعلام من تغطيتها.
ولدى تعليقها على قرار وزارة الصحة، اعتبرت مفوضية المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان وهي مؤسسة رسمية بالعراق، أن حظر الإبلاغ عن أعداد وأسماء القتلى والجرحى "يتنافى مع مبدأ الشفافية وحق الحصول على المعلومة"، لافتة إلى أنها سترفع دعوى قضائية ضد الوزارة لاتخاذها إجراءً مخالفاً للقانون.
وفي وقت سابق اليوم أعلنت المفوضية في بيان مقتل 30 متظاهراً وإصابة 2312 آخرين، جراء أعمال عنف رافقت الاحتجاجات في بغداد ومحافظات بغداد وميسان وذي قار والمثنى.
وأوضحت أن الضحايا سقطوا في مواجهات وقعت بين قوات الأمن وحماية المقرات الحزبية من جهة والمتظاهرين من جهة أخرى.
ولفتت المفوضية في بيانها إلى تزايد عدد المصابين إلى 1779 مصاباً من المتظاهرين والقوات الأمنية في المحافظات الأربع المذكورة سابقاً، إضافة إلى البصرة والديوانية، موضحة أن أغلب الإصابات جاءت بطلق ناري وغازات مسيلة للدموع وطلق مطاطي.
وأضرم محتجون النار وألحقوا أضراراً بـ 27 مبنى حكومياً ومقرات حزبية في محافظات بابل والديوانية وميسان وواسط وذي قار والبصرة، بحسب المصدر ذاته.
وفي ساعة مبكرة من صباح اليوم الجمعة، استأنف آلاف العراقيين احتجاجات بدأوها مطلع اكتوبر الجاري في بغداد للمطالبة بتحسين الخدمات وتوفير فرص عمل ومحاربة الفساد، ثم ما لبثت أن امتدت إلى محافظات جنوبية ذات أكثرية شيعية، واستمرت لمدة أسبوع.
وبعد لجوء قوات الأمن للعنف واستخدام الرصاص الحي ضد المحتجين؛ ما خلف آنذاك 149 قتيلاً من المتظاهرين إضافة إلى 8 من أفراد الأمن، رفع المتظاهرون سقف مطالبهم، ودعوا لاستقالة حكومة عادل عبد المهدي.
ويرى مراقبون أن موجة الاحتجاجات الجديدة ستشكل ضغطا متزايداً على حكومة عبدالمهدي، وقد تؤدي في النهاية إلى إسقطاها.
وعود لم تتحقق
اللافت أن سقوط هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى يأتي بعد تعهد رئيس الحكومة عادل عبد المهدي عشية التظاهرات بتوفير أجواء آمنة للمتظاهرين.
واستبق عبد المهدي الاحتجاجات، في وقت متأخر من مساء الخميس، بطرح حزمة جديدة من الإصلاحات، بينها التعهد بحصر السلاح بيد الدولة، وحل الفصائل المسلحة، وضمان الحريات والأمن والاستقرار، وتوفير أفضل الخدمات وفرص العمل للمواطنين، وتقديم الفاسدين للقضاء ومحاسبتهم علنا، وتحقيق النمو الاقتصادي للبلاد.
حرق واقتحام مقرات أحزاب الشيعية
اللافت، هو تعرض عدد من مقرات أحزاب ومليشيات شيعية، لهجمات محتجين يتهمونها بالفساد ويحملونها مسؤولية تردي الأوضاع في البلاد.
وهاجم متظاهرون مقر عصائب أهل الحق، أحد أبرز فصائل قوات الحشد الشعبي (مدعومة إيرانياً) في مدينة العمارة التي تبعد 350 كيلومتراً جنوب بغداد، وقتلوا مدير المكتب وشقيقه.
وقالت الحركة في بيان، إن مدير مكتبها في ميسان "وسام العلياوي" وشقيقه "عصام" قتلا جراء هجوم مسلح على مقر الحركة بالمحافظة.
فيما أبلغ مصدر أمني وكالة الأناضول التركية أن الشقيقين قتلاعلى يد محتجين غاضبين حاولوا الوصول إلى مقر العصائب في مدينة العمارة مركز محافظة ميسان بغية إضرام النيران فيه إلا أن مسلحي العصائب فتحوا نيران أسلحة رشاشة عليهم ما أدى لوقوع قتلى وجرحى في صفوف المحتجين.
وأضاف أن بعض المحتجين ردوا بإطلاق النار على مقر العصائب ما أدى لمقتل العلياوي وشقيقه.
وفي السياق، قال مصدر طبي في محافظة ميسان إن 9 محتجين قتلوا في المحافظة وأصيب نحو 100 آخرين بجروح جراء إطلاق نار تعرضوا له خلال محاولتهم إقتحام مقر حركة عصائب أهل الحق بالعمارة.
كما أشعل متظاهرون النار في مقر حزب الدعوة في النجف جنوب العراق، وذلك بعد اقتحامه.
كذلك أشعل المحتجون النيران في مقر حزب تيار الحكمة وجماعة عصائب أهل الحق بوسط مدينة السماوة، وحاولت قوات الأمن تفريق المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع.
وفي بيان سابق لها اليوم، أكدت المفوضية العراقية لحقوق الإنسان، حرق مقر العصائب وتيار الحكمة القديم وحزب الدعوة وحركة البشائر وحزب الفضيلة ومنظمة بدر في محافظة المثنى، وحرق مقر حزب الدعوة في محافظة واسط، إضافة إلى حرق مقرات حكومية بينها مبنى محافظة ذي قار من قبل المتظاهرين، واقتحام منزل محافظ واسط.