بدأت مشاورات تشكيل الحكومة التونسية بمفاوضات غير مباشرة ومعلنة في وسائل الإعلام، طغت عليها المحاصصة الحزبية المنسجمة مع خيارات الأحزاب ونواياها في الحكم.
وطرحت أسماء كثيرة لتقلد مناصب وزارية لم تطرح سابقًا لترأس خطط في الحكومة التونسية، بحسب صحيفة العرب اللندنية التي قالت - اليوم الثلاثاء - إنّ التشتت السياسي مثّل أحد عوامل تواتر الأسماء المقترحة لتولي حقائب وزارية في الائتلاف الحاكم الجديد، حيث سارعت الأحزاب السياسية إلى تقديم بعض الأسماء لتكون مرشحة لمنصب في الحكومة، في حين اكتفت أخرى باشتراط منحها حقائب وزارية.
وأعلنت حركة النهضة الإسلامية، التي فازت بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية والتي باتت مكلفة دستوريًّا بتشكيل الحكومة، عن فتح باب التشاور مع الأحزاب السياسية للتفاعل فيما بينها بشأن التحالف الحاكم الجديد، معلنة رفضها الدخول في ائتلاف مع الحزب الثاني في الانتخابات التشريعية وهو حزب قلب تونس لرئيسه نبيل القروي.
وأظهرت نتائج الانتخابات التشريعية في تونس حلول حزب "حركة النهضة" في الصدارة بـ52 مقعدًا، يتبعه حزب "قلب تونس" بـ38 مقعدًا، ثم حزب التيار الديمقراطي بـ22 مقعدًا، ويليه ائتلاف الكرامة بـ21 مقعدًا، ثم الحزب الحر الدستوري بـ17 مقعدًا، وتليه حركة الشعب 16 مقعدًا، ثم حزب “تحيا تونس” الذي يتزعمه رئيس الحكومة يوسف الشاهد بـ14مقعدًا.
وأضافت الصحيفة: "مناورات سياسية ومحاصصات حزبية كثيرة سبقت المشاورات الرسمية لتشكيل الحكومة التونسية الجديدة، طغى عليها طرح الأسماء لترأس الوزارات أكثر من طرح البرامج لتحديد خارطة طريق جديدة".
وبعد أن خيّر البقاء على رأس حركة النهضة، برزت مساع لدى راشد الغنوشي لترأس الحكومة الجديدة التي ستتشكل قريبا، وأعلنت حركته طرح اسمه ليكون قائدًا للفريق الحكومي وذلك بعد صعوده إلى البرلمان إثر فوزه في الانتخابات التشريعية بعد أن ترشح بالدائرة الانتخابية تونس1.
وفي السابق، رفض رئيس الحركة الإسلامية، التقدم لأي منصب وزاري، واكتفى بدفع أبناء حزبه إلى الحقائب الوزارية والبرلمانية رغم تحقيق حزبه في انتخابات 2011 و2014 نتائج انتخابية تجعله مؤهلًا سياسيًّا لتقمص أي منصب يطمح إليه. وفي مناسبتين انتخابيتين رئاسيتين، لم يتقدم راشد الغنوشي إلى سباق الانتخابات الرئاسية، وخيّر في سنة 2019 الدفع بالقيادي في الحركة عبدالفتاح مورو إلى الدخول في منافسة قصر قرطاج.
وقال رئيس مجلس شورى حركة النهضة عبدالكريم الهاروني، إن مرشح الحركة لرئاسة الحكومة هو راشد الغنوشي طبقا للقانون الأساسي للحركة، موضّحًا أنّ النهضة طرحت خلال الفترة الماضية ترشيح الغنوشي للرئاسية، لكن توافقت قياداتها فيما بعد على ترشيح مورو، مبرزًا أن موضوع ترشيح الغنوشي لرئاسة الحكومة سيطرح على مجلس الشورى نهاية هذا الأسبوع، يومي 19 و20 أكتوبر الجاري.
في المقابل، كشفت مصادر سياسية أنَّ ائتلاف الكرامة، ذا التوجه الإسلامي، يطرح رئيسه سيف الدين مخلوف وزيرا للتربية أو للشؤون الدينية أو العدل.
ولم يطرح اسم سيف الدين مخلوف في الدورات النيابية السابقة، كما أنه لم يشغل أي منصب سياسي أو حكومي يؤهله إلى إدارة وزارة، لا سيّما أن توجهاته الفكرية وخطابه الشعبوي يتعارضان كثيرا مع ضوابط العمل الحكومي.
من جانب آخر، طرحت حركة الشعب القومية، شخصية الصافي سعيد رئيسًا للحكومة، بعد أن صعد إلى البرلمان في الاستحقاق الانتخابي التشريعي، ورغم أنه لا ينتمي إلى حركة الشعب، إلا أنها دفعت به على رأس شروطها للتحالف مع حركة النهضة وتشكيل تحالف حكومي جديد، وفضّلت طرح اسم قيس سعيّد عن اسم أمينها العام زهير المغزاوي.
ويرى مراقبون أنّ مردّ هذا الطرح السياسي يفسر نوايا حركة الشعب ورغبتها في أن تترأس شخصية سياسية وازنة الحكومة التونسية، لتقدر على التحكم في كل المجالس الوزارية، وتمنع انضباط الوزراء للأحزاب أكثر من انضباطها للعمل الحكومي.
في الأثناء، خالف حزب التيار الديمقراطي نوايا الأحزاب واقترح تعيين شخصية مستقلة على رأس الحكومة التونسية القادمة دون منح قيادة الحكومة لحركة النهضة ولا لغيرها من الأحزاب.
ويتمسك حزب التيار الديمقراطي بمنحه ثلاث حقائب وزارية لمشاركة حركة النهضة في الائتلاف الحاكم وأعلن القيادي في الحزب غازي الشواشي التمسك بمقترح منحه وزارات الداخلية والعدل والإصلاح الإداري لحزبه كشرط أساسي للمشاركة في الحكم.
وأضاف أنَّ الحزب لا يثق في حركة النهضة ولا في الأحزاب الأخرى في ترأس هذه الوزارات، ويرى قياداته قادرة على قياداتها.
وفي ظل طغيان منطق المحاصصة الحزبية واقتسام الحقائب الوزارية بين الأحزاب، وفق الصحيفة، يفرض الدستور التونسي على الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، أن يقدر على تشكيل ائتلاف يضم 109 نواب مطلوبين لتأمين الحصول على دعم بالأغلبية لحكومة جديدة وتكون أمامه مهلة شهرين من تاريخ الانتخابات، إما أن ينجح في ذلك أو يكلف الرئيس شخصية أخرى بتشكيل حكومة، وإذا فشل فستجرى الانتخابات مرة أخرى.