رئيس التحرير: عادل صبري 07:08 صباحاً | الخميس 18 أبريل 2024 م | 09 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

الأزمة العراقية.. هل تنجح بغداد في تجنب كابوس النموذج السوري؟

الأزمة العراقية.. هل تنجح بغداد في تجنب كابوس النموذج السوري؟

العرب والعالم

احتجاجات العراق

الأزمة العراقية.. هل تنجح بغداد في تجنب كابوس النموذج السوري؟

محمد الوقاد 08 أكتوبر 2019 21:27

فرضت الطبيعة البنيوية للبيئة السياسية في العراق حالة مختلفة، ظهرت خصوصيتها خلال أحداث الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في أنحاء مختلفة بالبلاد، وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 100 مواطن، من بينهم أفراد تابعون لقوات الأمن.

 

ينبع موقف المنظومة العراقية من كونها، على مستوى الدستور، مؤلفة من قوى سياسية يفترض أن تعبّر عن مصالح متعارضة للفئات التي تمثلها، على عكس منظومات عربية أخرى تكون فيها الحكومات والبرلمان والقضاء والإعلام كتلة صلدة متماسكة تحكمها الأجهزة الأمنية مباشرة، كما هو الحال في السعودية ومصر وسوريا.

 

هذه الطبيعة المختلفة للمنظومة العراقية يجعلها، خلال حصول أحداث خطيرة، كما هي الانتفاضة العراقية الراهنة، محكومة بالاختلافات بين القوى المشكلة لها، وهو ما أدى، على سبيل المثال، إلى فشل البرلمان العراقي في عقد جلسة لمناقشة الاحتجاجات بفعل مقاطعة كتل برلمانية، منها "سائرون"، التي تمثل اتجاه الزعيم الشيعي "مقتدى الصدر"، والتحالف الوطني، التي هي كتلة تعبّر عن بعض الطيف السنّي في البلاد.

 

وإذا كان هذا الهامش "الديمقراطي" يسمح للضغط الشعبي الكبير بالتأثير على بعض القوى ويزحزح مواقعها في نظام "المحاصصة"، بحيث نسمع تصريحا من رئيس البرلمان "محمد الحلبوسي" يطالب بإعلان أسماء "حيتان الفساد"، فإنه، من جهة أخرى، لا يستطيع أن يزحزح الوقائع الراسخة التي تسيّر هذه المنظومة، ومنها واقعة الوجود الإيراني المقرّر في السياسة العراقية.

 

وجود إيران

 

ويعد الوجود الإيراني في البيئة العراقية أكبر عقبة معطلة لإرادة سياسية حقيقية تهدف لإخراج البلاد من أزماتها، والتي انتعشت بسبب استمرار وقائع النهب والفساد المنظّم لموارد الدولة العراقية، والذي يقدّر بـ450 مليار دولار منذ 2003، والذي جعل العراق الذي يملك احتياطيات من النفط تقدر بـ112 مليار برميل، بلدا فقيرا، بموازنة عجز تزيد عن 30 مليار دولار.

 

وفقا لهذه المعادلة الحساسة، يبقى العراق على شفير بركان ليس هذا هو موعد انفجاره أبدا، على الأقل بالنسبة لإيران، التي لا يزال لها مصلحة في التواجد والسيطرة على مفاصل الدولة العراقية، وسط واقع إقليمي شديد الحساسية لطهران، يعني أن أي انتكاسة للجمهورية الإسلامية، ولو صغيرة، فإن ثمنها هذه الأيام سيكون باهظا للغاية.

 

هناك أيضا الحساسية الدولية للعراق، كونه كان مهد انطلاق تنظيم "الدولة الإسلامية"، والذي امتد منه إلى سوريا، ليصنع حالة هيجت العالم ودفعت الغرب إلى التكتل لمواجهة التنظيم، الذي امتدت لظى نيرانه لتطال أوروبا ودولا غير عربية أخرى.

 

ويعني ما سبق أن القلاقل الأمنية في العراق لها ثمن إقليمي ودولي قد يكون أكبر من قوة الوجود الإيراني هناك، والأمر مختلف كثيرا عن سوريا التي ترك العالم طهران تعبث بداخلها، ويتضاعف هذا الثمن إذا كانت هذه القلاقل شعبية النكهة، جماهيرية الطابع، حينها يكون احتواؤها أكثر صعوبة، في بلد تنتشر فيه الميليشيات المسلحة في كل مدينة تقريبا.

 

مبادرة الحكومة

 

من هنا، جاءت مبادرة الحكومة العراقية بالتراجع خطوات سريعة إلى الوراء أمام الغضب الجماهيري، بعد أن كان رئيس الوزراء "عادل عبد المهدي"، في بداية الاحتجاحات، متقلدا سيف السلطة، وملوحا بإجراءات مشددة ضد المحتجين.

 

وأصدرت الحكومة العراقية عددا من القرارات لامتصاص الغضب الشعبي العارم.

 

تضمنت القرارات المعلنة توزيع أراض سكنية على ذوي الدخل المحدود، وخصوصا في محافظة البصرة التي بادرت، العام الماضي، إلى إشعال الاحتجاجات، وزيادة عدد القروض لبناء وحدات سكنية، ودعم الرعاية الاجتماعية لتشمل 600 ألف عائلة، وفتح باب التطوع للشباب في الجيش والشرطة، وهي قرارات "بعيدة المدى"، يمكن لو تم تطبيقها فعلا، أن تخفف بعض آثار الأزمة على الفئات الشعبية الأكثر تضررا.

 

اتخذت الحكومة أيضا قرارات ذات طابع مؤقت أشبه بالمسكّنات، مثل منح 150 ألفا من العاطلين عن العمل أو لا يستطيعون العمل منحة قدرها 147 دولارا لمدة ثلاثة أشهر.

 

وكذلك إنشاء أكشاك بيع في مناطق تجارية في بغداد والمحافظات للتوزيع على أولئك العاطلين عن العمل، إضافة إلى اعتبار الضحايا من المتظاهرين والأجهزة الأمنية "شهداء" ومنح عوائلهم الحقوق والامتيازات المترتبة، وتولي وزارة الصحة تقديم الخدمات العلاجية للجرحى على نفقة الحكومة.

 

لكن هل سيتم تنفيذ هذه الوعود بالفعل؟

 

الفساد قد ينتصر

 

يرى الخبير في الشأن العراقي بالجامعة الوطنية في سنغافورة "فنار حداد"، أنه بسبب الطبيعة الفاسدة للنظام العراقي فمن شبه المؤكد أن أغلب هذه القرارات سيتم التلاعب بها، وربما ستفتح أيضا مجالات التلاعب والاختلاس والابتزاز للمتنفذين والممسكين بقرارات الحياة والموت في العراق، من أجهزة أمنية وميليشيات مسلحة.

 

السيناريو المقبل، وفق هذه التوقعات، يشير إلى عدم هدوء الشارع العراقي، واستمرار الجماهير في حالة الغضب، وهو ما سيلقي بالكرة في ملعب الحكومة العراقية والطرف الإيراني الممسك بمفاصل العراق، فهل سيحاول الجميع ضبط الإيقاع وإنجاح حزمة الإجراءات الحكومية الأخيرة لتكون بمثابة مسكنات طويلة الأمد، وصولا إلى علاج، أم ستختار طهران تطبيق النموج السوري الوحشي في العراق، وهذه المرة ستكون التداعيات مختلفة، فجميع الأطراف تعلمت جيدا من الدرس في سوريا.

 

على أية حال، لا نتمنى حتى تخيل ما يمكن أن يحدث، في هذه الحالة.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان