على خلفية احتجاز بريطانيا لناقلة نفط إيرانية في منطقة جبل طارق، توترت الأوضاع بشكل كبير، بين لندن وطهران، أعقبه تهديدات للأخيرة برد مماثل.
وقبل يوم، أعلنت حكومة جبل طارق التابعة لبريطانيا، احتجازها ناقلة النفط "غريس 1" المحملة بالنفط الإيراني بمشاركة أفراد من البحرية البريطانية، للاشتباه في أنها تحمل نفطا إلى سوريا، وذلك في خرق لعقوبات الاتحاد الأوروبي على نظام دمشق.
وفيما رحبت الولايات المتحدة وإسرائيل باحتجاز الناقلة الإيرانية قالت حكومة جبل طارق الجمعة إن المحكمة العليا لديها أصدرت أمرا بتمديد احتجاز الناقلة 14 يوما.
ووفقا للإيرانيين، فإن احتجاز ناقلة النفط الإيرانية هو الثاني من نوعه، إذ إن السعودية تحتجز ناقلة النفط "هابينس 1" بعد قطرها إلى ميناء جدة إثر عطل فني طرأ في محركها قبل شهرين.
وحسب الإعلام الإيراني، فإن الشركة المشغلة للناقلة سددت حتى الآن أكثر من عشرة ملايين دولار للسعودية مقابل إصلاح الناقلة ورسوها في ميناء جدة، لكن الجانب السعودي لا يسمح لها بمغادرة الميناء، فضلا عن مطالبته بـ200 ألف دولار يوميا مقابل توقفها هناك.
واستدعت الخارجية الإيرانية سفير بريطانيا لديها للاحتجاج على احتجاز الناقلة قبالة مضيق جبل طارق، وطالبت بالإفراج الفوري عنها، معتبرة أن احتجازها "عمل غير قانوني ويتعارض مع المواثيق الدولية".
كما وصفت طهران احتجاز ناقلتها من قبل حكومة تابعة لبريطانيا بأنه "قرصنة بحرية"، وشاطرت إسبانيا الرأي في أنه جاء بناء على طلب أميركي، وهو ما نفته حكومة جبل طارق على لسان رئيسها فابيان بيكاردو.
من ناحيته، اعتبر رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الإيرانية البريطانية مصطفى كواكبيان احتجاز الناقلة بأنه "قرصنة بحرية وعداء غير قانوني لإيران"، وقال إنه يثبت من جديد "تبعية بريطانيا لأميركا وهشاشة ادعاءات لندن بإنقاذ الاتفاق النووي".
من جانبه، دعا أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران محسن رضائي إلى الرد على بريطانيا بالمثل، وقال إنه سيكون من "واجب" طهران احتجاز ناقلة نفط بريطانية إذا لم يفرج عن الناقلة الإيرانية المحتجزة في جبل طارق فورا.
وكتب رضائي القائد الأسبق للحرس الثوري في تغريدة على حسابه الشخصي في تويتر أنه "خلال أربعين عاما من تاريخها لم تكن الثورة الإسلامية البادئة في أي توتر، ولكنها لم تتقاعس ولم تتردد في الرد على المتغطرسين والبلطجية".
من جهة أخرى، قال مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية محمد صالح صدقيان للجزيرة نت إن احتجاز الناقلة "خطوة مقلقة وتدعو للتصعيد، خاصة أنها تأتي قبل ثلاثة أيام من المهلة التي حددتها إيران للاتحاد الأوروبي بغية إنقاذ الاتفاق النووي قبل أن تقوم بزيادة نسبة تخصيب اليورانيوم".
واعتبر صدقيان أن حالة اللاحرب واللاسلم بين واشنطن وطهران "خطيرة جدا"، وحذر من تفشي القرصنة البحرية وتقنينها، مما يفضي إلى فوضى في التطورات الدولية.
وأضاف أنه "إذا صحت الرواية الإسبانية بأن البحرية البريطانية احتجزت الناقلة الإيرانية بناء على ضغط أميركي وقرار من وزارة الخزانة الأميركية فهذا يعني أنه من حق البحرية الإيرانية احتجاز أي ناقلة بناء على قرار من وزارة الخزانة الإيرانية، بمعنى أننا أمام قرصنة مقننة".
ويرى القائد الأسبق للقوة البحرية في الحرس الثوري الجنرال حسين علائي أن احتجاز الناقلة جاء بناء على طلب أميركي، وقال إن "بريطانيا كانت دائما داعمة لأميركا، لأن واشنطن تريد اصطفاف لندن إلى جانبها في الضغط على إيران، ولذلك توكل بعض المهمات إلى الجيش البريطاني".
وأضاف علائي "للرد على هذه الإجراءات العدائية مبدئيا ينبغي التحرك سياسيا وقانونيا وحقوقيا، فإذا لم يكن ذلك مجديا يمكن الرد بالمثل".
على الجانب الآخر، كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحذيره لإيران دون الإشارة إلى واقعة الناقلة. وقال للصحفيين في البيت الأبيض "سنرى ما سيحدث مع إيران. يجب أن تتوخى إيران الحذر بشدة".
يذكر أنه قبل يومين، اعتلى مشاة البحرية الملكية الناقلة يوم الخميس قبالة المنطقة التابعة لبريطانيا وسيطروا عليها. وأنزلوا طائرة هليكوبتر على متن الناقلة وهي تتحرك وسط ظلام دامس.
وتصعد هذه الخطوة مواجهة بين إيران والغرب بعد أسابيع قليلة من تراجع الولايات المتحدة عن تنفيذ ضربات جوية ضد طهران في اللحظة الأخيرة وتلقي بحليف وثيق لواشنطن في خضم أزمة سعت فيها القوى الأوروبية جاهدة أن تبدو محايدة.
وتوترت الأجواء بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، أعقبه توتر في منطقة الخليج.
وكانت الدول الأوروبية، اتخذت نهجا حذرا منذ العام الماضي عندما تجاهلت الولايات المتحدة مناشداتها وانسحبت من الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية الذي ساعد طهران على الوصول إلى التجارة العالمية مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
وشددت واشنطن العقوبات على طهران بدرجة كبيرة خلال الشهرين الأخيرين بهدف وقف كل صادراتها النفطية. ودفع الإجراء طهران خارج الأسواق الرئيسية وأجبرها على البحث عن بدائل غير تقليدية لبيع الخام.
واتخذت المواجهة بعدا عسكريا في الأسابيع الأخيرة باتهام واشنطن لطهران بمهاجمة سفن بالخليج وما تلاه من إسقاط إيران لطائرة أميركية مسيرة. وأمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضربات جوية انتقامية على إيران لكنه ألغاها في اللحظات الأخيرة.
وفي ظل وجود الدبلوماسية النووية في قلب الأزمة، أعلنت إيران هذا الأسبوع أنها جمعت كمية يورانيوم مخصب أكبر من المنصوص عليه في الاتفاق النووي، وقالت إنها ستخصب اليورانيوم بدرجة نقاء أعلى من المتفق عليه اعتبارا من السابع من يوليو.