تعانى الجزائر من مشكلة اجتماعية كبيرة، بسبب مرض سرطان الثدي، والذي يصاب به أكثر من 11 ألف سيدة سنويًا، حيث تتعرض ثلث السيدات المصابات والمقدر عددهن 4000 امرأة، إلى الطلاق.
“مصر العربية" فتحت ملف التعامل المجتمعي مع مرضى سرطان الثدي في الجزائر، فأكتوبر يعتبر الشهر العالمي للتوعية بسرطان الثدي أو الشهر الوردي، حسب تصنيف الأمم المتحدة، تنظم خلاله جمعيات المجتمع المدني المهتمة بمرضى السرطان ملتقيات لتوعية النساء بضرورة الكشف المبكر، لأنه يؤدي للشفاء التام من سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم.
في البداية قابلنا إحدى المريضات بمرضى سرطان الثدي، وتدعى مليكة، وتبلغ من العمر 32 عامًا، وقالت: "كنت سعيدة في زواجي، رزقنا بأربعة أبناء، دخل اثنان المدرسة، والبنت والولد في روضة الأطفال، تركت عملي بعد الزواج بمحض إرادتي لأسعد أسرتي، ولكن دائما تأتي المصائب على غير توقع، اكتشفت حبة صلبة في الثدي، انتابني الخوف أن تكون سرطانًا، وماذا يكون مستقبلي؟ وأبنائي؟ لم تنفع تهدئة شقيقتي أنه ورم حميد ويوجد عند كل النساء، عندما صفعني الطبيب بالخبر الأكيد بعدما قرأ صور الأشعة والتحاليل: "مصابة بالسرطان ويلزمك جراحة عاجلة".
وتضيف مليكة في حديثها لـ"مصر العربية": اسودت الدنيا في عيني، وانقلبت سعادتي إلى جحيم، كيف أخبر زوجي؟ وهل يقبل بي بعد استئصال الثدي؟
وتقول إنها أخبرته وتعاطف معها ورافقها للمستشفى لإجراء العملية، سلوكه خفف عنها الألم، ولكنها لم تكن تتوقع أن ورقة طلاقها تصلها قبل إنهاء العلاج في المستشفى، "فجأة وجدت نفسي بلا أسرتي ولا أبنائي، حالي كالريشة في مهب الريح".
مليكة واحدة من عشرات الآلاف من المصابات في السرطان بالجزائر، ولكل واحدة حكاية تنتهي أغلبها بالتخلي عنها.
وقالت الطبيبة آسيا موساي، مختصة في أمراض السرطان في مركز بيار ماري كوري بالعاصمة: "هناك معتقدات خرافية في المجتمع عن مرض السرطان، أنه مرض معد، فيطلق الزوج زوجته المريضة".
وأضافت موساي لـ"مصر العربية": "حالات طلاق المصابات بالسرطان موجودة، وخاصة سرطان الثدي، لكنها لا ترقى لتكون ظاهرة، فهناك مريضات تفاجأن بالطلاق وهن تحت العلاج، فنخفف عنها أنها اكتشفت معدنه خير لها".
يقدر عدد المصابين بالسرطان سنويًا في الجزائر زهاء 44 ألف سنويا، بينهم 11 ألفًا بسرطان الثدي، وهو الثاني في ترتيب أمراض السرطان في الجزائر.
وردا على سؤال "مصر العربية" عما إذا كانت السمنة والدهنيات تسبب سرطان الثدي؟ قالت الطبيبة أمينة عبد الوهاب مختصة في جراحة سرطان الثدي في مركز بيار ماري كوري: "لا نستطيع الجزم بأن السمنة والدهون وراء السرطان، لكن من خلال الإحصائيات تبين أن أغلبية المصابات لديهن سمنة، ونظام غذائي غير متوازن تغلب عليه الدهون".
وتضيف: "هناك عوامل أخرى سببت بارتفاع نسبة سرطان الثدي ، وهي تغير نمط حياة المرأة ، التي كانت تتزوج دون العشرين، وتنجب أطفالها أربعة أو خمسة وهي دون الثلاثين، وترضعهم رضاعة طبيعية، الآن تأخر سن زواج المرأة إلى الثلاثين تقريبا ، وتنجب طفلين على الأكثر، والرضاعة الطبيعية شبه منعدمة، وتتناول هرمونات لمنع الحمل، كلها تساعد على ظهور سرطان الثدي".
تتعرض ثلث النساء المصابات بسرطان الثدي والمقدر عددهن 4000 امرأة إلى الطلاق سنويًا، مباشرة بعد إصابتهن بالمرض، ما يزيد في معاناتهن النفسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية، حيث تفقد المرأة حقها في التعويضات الاجتماعية بعد الطلاق، هذا ما أكدته رئيسة جمعية الأمل لمرضى السرطان حميدة كتاب، مطالبة بضرورة سّن قوانين جديدة تمنع تطليق المرأة في مرحلة العلاج وحفظ حقوقها المادية بعد الطلاق.
وأردفت قائلة إنها تستقبل يوميا عشرات النساء المصابات بسرطان الثدي، اللاتي تعرضن للطلاق مباشرة بعد اكتشاف أزواجهن إصابتهن بالمرض، وهذا ما يجعل المريضات في حالة نفسية متوترة، ما يمنع أجسادهن من مقاومة المرض.
وأضافت أن المرأة عندما تكتشف إصابتها بالسرطان، فإنها تكون بحاجة إلى رعاية نفسية واجتماعية خاصة، لمساعدتها على تقبل المرض ومقاومته، وإذا ما تعرضت إلى الطلاق من طرف زوجها، فإنها تصاب بصدمة ثانية بعد المرض، قد تعرضها إلى الانهيار العصبي والإصابة بالسكتة الدماغية، وهذا ما يجعلها تدخل في دوامة من الأمراض العضوية والنفسية.
وقالت حميدة كتاب، إن سرطان الثدي يتعلق بالتأثير المباشر على الجانب الجسدي والجمالي للمرأة، خاصة إذا تعرضت الى استئصال الثدي بعد قيامها بعمليات العلاج الإشعاعي، وهذا ما يجعل الكثير من الأزواج لا يتقبلون التحول الجسدي لزوجاتهم، فيلجأن مباشرة إلى الطلاق، لأنهم يعتبرون سرطان الثدي حائلاً دون قدرة المرأة على أداء حقوقها الزوجية، وهذا ما اعتبرته المتحدثة بالخطأ، حيث بإمكان المرأة القيام بواجبها تجاه زوجها في أفضل حال.
وتقول حميدة كتاب، رئيس جمعية الأمل لمساعدة مرضى السرطان، إن خوف المرأة من الكشف المبكر يجعل الحالات المكتشفة في مراحل متقدمة.
وأضافت لـ"مصر العربية": العادات الاجتماعية وراء الخوف، فالمرأة المتزوجة يطلقها زوجها لأن أنوثتها أصبحت ناقصة باستئصال الثدي، والبنت العازبة لا يخطبها أحد حتى لو شفيت تمامًا، لذا تعزف النساء عن الكشف المبكر.
وأضافت أن الجمعية تنظم حملات توعية بضرورة الكشف المبكر، ولهذا الهدف "نسيّر قافلة كشف تجوب المناطق الريفية، مجهزة بآلات التصوير والتحليل، والكشف مجانيًا، ورغم ذلك إقبال النساء قليل".
وفي عام 2010 تطوع زهاء 700 محام في الجزائر للدفاع مجانا أمام المحاكم في قضايا طلاق النساء المصابات بسرطان الثدي على وجه الخصوص.
وقالت المحامية فاطمة بن إبراهيم صاحبة مبادرة تأسيس هيئة محامين للدفاع، أن هؤلاء النسوة ترى الأمر إجحافا بالحقوق الشرعية للمرأة، لأن الطلاق يحرمها من التأمين الصحي للأسرة، فضلا عن حقها بالسكن في بيت الزوجية، وليس ذنبها أن تصاب بهذا المرض.
وأضافت: "إننا كمحامين ندافع على بقاء المرأة المريضة بالسرطان في عصمة الزوج ، وله الحق بالزواج من امرأة أخرى".
وتضيف مستدركة: "لكن الوضع الاقتصادي للزوج غالبا لا يتحمل الإنفاق على بيتين، ويصعب التوفيق بين زوجتين في بيت واحد، فيطلق الزوج زوجته المريضة"، لذا طالبت المحامية بن إبراهيم الحكومة بأن تخصص لمريضات السرطان اللائي لا يجدن معيلاً بعد الطلاق مسكنا جماعيا أسمته (سكن الموت بكرامة) في كل ولاية، لكن هذا الجهد بقي من اهتمام جمعيات مرضى السرطان.
وعن خريطة مرضى السرطان، قال الدكتور عمار منصوري، إن منطقة التفجيرات النووية الفرنسية في رقان فيها نسبة مرضى السرطان بسبعة أضعاف عما هي في الولايات البعيدة عن التفجيرات.
والجزائر التي ما زال فيها الطب مجانيا، خصصت منذ عام 2011 صندوقا خاصا للسرطان، ينفق على التوعية والعلاج وفتح مراكز جديدة لعلاج السرطان.
ويوجد حاليا بالجزائر المركز الوطني لعلاج السرطان ( مركز بيير ماري كوري) بالعاصمة وهو الأكبر في أفريقيا ، إلى جانب أقسام لعلاج السرطان في مستشفيات عشر ولايات.
اقرأ أيضًا:
أستاذ أورام: سرطان الثدي الأكثر انتشارًا بين المصريين