خطر تشكيل هلال شيعي بحري لا يقل خطورة عن الهلال البري
سقوط عاصمة اليمن في يد جماعة عبد الملك الحوثى المدعوم إيرانيا هي كارثة جيوسياسية لو أمعنا التفكير قليلا فيما يحدث في ذلك القطر العربي المنكوب.
نقطتان في البداية ربما أقرب إلى التأمل منها إلى التحليل السياسي:
النقطة الأولى، هي ومنذ سقوط بغداد 2003 لم يعد يفزعنا سقوط أية عاصمة عربية؛ إذ يبدو أن الأمر أصبح معتادا للدرجة التي حينما تمكن الحوثيون من صنعاء لم يبد هذا مثار قلق أو دهشة عند البعض. وقد تسقط أية عاصمة عربية غداً ولن يتوقف كثيرون عند الحدث.
أما النقطة الثانية فهى تخصنا كمصريين. فالحديث عن اليمن في أحسن الأحوال مصدر خلاف وطني. فاليمن في الذاكرة المصرية مرتبط بعودة القوات المصرية من اليمن تجر أذيال الخيبة التي تبعتها بعد ذلك عديمة عام 1967. ويرى البعض أنه لو تمدد جيشنا في اليمن لما هزمتنا اسرائيل في يونيو 1967، وتلك نقطة مثار شد وجذب، وستبقى. ومن هنا يدخل الحديث عن اليمن في الذاكرة السياسية المصرية في باب النسيان أو التجاهل الناتج عن ذكرى أليمة من باب المثل القائل «اللي يعضه ثعبان يخاف من الحبل أو اللي تلسعه الشربة ينفخ في الزبادي».
لكن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن اليمن مهم جيوسياسيا بالنسبة لمصر أكثر بكثير مما يحدث في سوريا والعراق، وأن خطر الحوثيين في اليمن يهدد مصر بشكل مباشر أكثر من أي تهديد ممكن أن تسببه داعش. وهنا أنا لا أقول أن تنظيم داعش ليس بخطر، ولكن لو كنت مكان صانع السياسة في مصر لوضعت خطر الحوثيين قبل خطر داعش في ترتيب التهديدات المباشرة للأمن القومى المصري.
قبل أن أسترسل في الأمر، أود أن أؤكد على ملاحظة أولية فيما يخص مصر واليمن، وهي: ليس معنى فشل حملة الجيش المصري في اليمن في ستينات القرن الماضي يعني أن اليمن ليس مهما بالنسبة لمصر. اليمن يتحكم في خليج عدن، وفى مضيق باب المندب، وأي تهديد هناك هو تهديد مباشر لسلامة الملاحة في قناة السويس. ولا يشمل هذا التهديد ما يحدث في اليمن فقط، وإنما يتضمن أعمال القرصنة على الشواطئ الصومالية التي تعد تهديدا مباشرا أيضا، ويجب أن تكون ضمن أولويات التخطيط الإستراتيجى لدى سلاح البحرية المصري.
لو كنت أيضاً صانع سياسة مصرى لاستوقفنى أيضاً دعم إيران لحركة عبد الملك الحوثي، الظاهر بالنسبة لمن يقرأون ظاهر الأشياء هو أن إيران تبنى تنظيما على غرار حزب الله في اليمن، تناكف به المملكة العربية؛ من أجل تسجيل نقاط السيادة والهيمنة في الخليج العربي الذي يصر الإيرانيون في كل المحافل الدولية على تسميته بالخليج الفارسي. هذه القراءة الظاهرية مهمة. فخلق تنظيم في الحديقة الخلفية للسعودية يشبه تنظيم حزب الله في لبنان ليس بالخطر الهين. فهو تهديد مباشر لدولة حليفة تقف معنا في السراء والضراء، وهذا ليس فقط أمر يعنينا، بل وجود حزب إيرانى في اليمن يشبه حزب الله في لينان يتحكم في رقبة بلد عربي آخر؛ فهذا أيضاً امر شديد الخطورة.
لو سيطرت جماعة مناصرة لإيران على اليمن، وأحكمت جماعة الحوثى سيطرتها على مضيق باب المندب، فمعنى ذلك أن إيران تحكمت في المضايق الأساسية في المياه الإقليمية، وأصبحت لها اليد العليا في الماراتيم الخاص بالمنطقة. فسيطرة إيران على مضيق هرمز في الخليج العربي لو امتد إلى سيطرة لها في باب المندب؛ لدخل مستقبل نقل الطاقة في ورطة عالمية كبرى قد تشعل المنطقة برمتها. هذا الإحكام على المضايق من هرمز إلى باب المندب سيؤدى بالضرورة إلى مواجهة بحرية بين إيران والأسطول الخامس الأمريكى المتمركز في البحرين في منطقة الخليج. أما عند باب المندب فسيؤدى إلى مواجهة بين إسرائيل وإيران، وبين مصر وإيران.
ولنتذكر كيف كانت قضية إغلاق باب المندب من قبل البحرية المصرية أيام عبد الناصر سببا أساسيا في إشعال الحرب، من هنا يكون ما يحدث في اليمن ليس فقط في إطار الصورة السياسية التي أصبحت تتردد كالكليشيهات؛ والمعروفة بخطر الهلال الشيعى الممتد من إيران إلى العراق مرورا بسوريا والبحرين إلى لبنان، هذا هو الهلال البري. أما الهلال الشيعي البحري فلم يتحدث عنه أحد قبل هذه اللمحة البسيطة في هذا المقال. وهذا تهديد أخطر من تهديد داعش للدولة العراقية أو تهديد داعش لسوريا أو الاثنين معا. الهلال الشيعي البحري هو الخطر المباشر بالنسبة للأولويات الأمن القومي المصري.
طبعا هناك أمور أخرى يجب أن تستوقفنا ويحب أن نتأملها بالنسبة لما يحدث في اليمن وتبعاته على ما يحدث في مصر. بداية، ما حدث في اليمن منذ خروج على عبدالله صالح من الحكم يوحي بأن ثورات الربيع ليست لفة واحدة كما المطعم الموجود أعلى برج القاهرة، والذى دار دورة واحدة وتوقف إلى الأبد. ثورات الربيع متعددة الموجات بتحالفات شريرة. فمن كان يتصور أن يصل حقد بالرئيس السابق على عبدالله صالح وجماعته من جزء من قبيلة حاشد أن يضعوا أيديهم في يد جماعة عبد الملك الحوثى أعدائهم بالأمس من أجل الثأر ولا شيء غيره؟
قديما، قالوا إن اليمن هو لعنة حاشد. فإذا اتحدت حاشد خرب اليمن، وإذا انقسمت حاشد أيضاً خسر اليمن. حاشد اليوم منقسمة على نفسها، ولم تعد القبيلة الحاسمة لمؤسسة لها السيطرة في صنعاء. فها هي قوة كانت بسيطة منذ عشر سنوات في صعدة في شمال اليمن الآن تسيطر على العاصمة. ضعف قبائل المركز وترهل عصبيتها أدى بجماعات الأطراف ومنهم الحوثيين أن يسيطرورا على العاصمة.
نظرية ابن خلدون في بناء الدولة في نمط البداوة والحضر تدب فيها الحياة في اليمن، كما أنها ربما تفسر كيف أن سقوط بنغازى في ليبيا أدى إلى سقوط العاصمة طرابلس، ريثما فشل هجوم الأطراف على المركز في الحالة السورية. ولهذا حديث طويل حول نوعية عصبيات الحكم في الدولة السورية، لكن مثال اليمن هنا فيه درس لمن يتجاهل إمكانية هجوم من الأطراف على المراكز في بعض الدول العربية الأخرى؛ سواء على جزء من حالة الربيع العربي أو ليست جزءا منها.
الأمر الأهم فيما يحدث في اليمن هو ظهور حزب الله اليمني بطريقة تشبه حزب الله اللبناني، وقدرته على تعطيل أداء الدولة بقوة السلاح أو بالسياسة من خلال ملكية حزب الله في البرلمان اللبناني لما يسمى بالثلث المعطل، أي الذي يستطيع أن يشل حركة الوطن.
ما يحدث في اليمن أمر خطير جداً بالنسبة لمصر وبالنسبة للمنطقة برمتها. فالمنطقة العربية ليست قادرة على التعايش مع حالة هلال شيعي بري ممتد من إيران إلى لبنان، فيكف لها بظهور هلال شيعي بحري تكون له اليد العليا في الملاحة في المنطقة العربية؟
كنا كعرب دائماً نصر على أن البحر الأحمر سيبقى دائماً بحيرة عربية، ولكن بدخول إيران على الخط، ووجود الأساطيل الغربية بدعوى ردع إيران، وحالة الوهن البحري العربي؛ هذه الاعتبارات تجعل فكرة أن البحر الأحمر بحيرة عربية محل شك كبير. الحوثيون أساسيون ليس في تأجيج الوضع على الحدود مع السعودية لخدمة إيران فقط، الحوثيون هم نقطة أساسية وخطيرة في ظهور هلال بحري شيعى قد يخنق المنطقة أو يجعلها مسرحا للحروب البحرية.
اقرأ أيضا: