رئيس التحرير: عادل صبري 02:04 مساءً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

تاريخ "الإخوان" في شمال إفريقيا

تاريخ الإخوان في شمال إفريقيا

العرب والعالم

الاخوان المسلمين

تاريخ "الإخوان" في شمال إفريقيا

الأناضول 28 ديسمبر 2013 06:37

يعود تواجد جماعة الإخوان المسلمين في شمال إفريقيا إلى وقت مبكر من القرن الماضي، غير أن حضور الجماعة تباين من بلد إلى آخر بحسب الظروف السياسية الداخلية والوضع الإقليمي.

ويمكن تقسيم تاريخ هذا الحضور إلى مرحلتين: مرحلة ما قبل الاستقلال الوطني في هذه البلدان، ومرحلة ما بعدها، حيث تمثل هذا الحضور بالمرحلة الأولى في الجانب الثقافي والفكري فحسب، خلال المرحلة الاستعمارية، بسبب اتخاذ الحركة الوطنية في عدد من هذه البلدان البعد الديني كمضمون فكري للمقاومة، مما أفسح المجال أمام تأثر بعض هذه الحركات بجماعة الإخوان المسلمين المصرية وتبني بعض شعاراتها، بل وطبع بعض كتاباتها، مثلما هو الأمر بالنسبة لحزب "الاستقلال" المغربي على سبيل المثال، الذي أسسه العلامة علال الفاسي.

غير أن الأمر اختلف في مرحلة ما بعد الاستقلال بسبب حالة الفرز الفكري والسياسي التي فرضت نفسها، والتي همت مجموعة من القضايا من ضمنها شكل الحكم وطبيعة الدولة، مثلما هو الأمر بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين في السودان التي ظهرت عام 1955، قبل سنة واحدة من حصول البلاد على استقلالها، ولعبت دورا أساسيا في الصراع على السلطة طيلة العقود التالية.

بيد أن حضور تيار الإخوان المسلمين في المنطقة الإفريقية لم يكن متساويا في جميع البلدان، من حيث السماح القانوني له بالحركة والمشاركة الفعلية في الحراك السياسي، فقد تفاوت هذا الحضور بحسب المزاج السياسي وطبيعة الحكم في كل بلد ومدى التوسع الديمقراطي فيه، كما اختلف تعامل الأنظمة الحاكمة مع هذا التيار مدا وجزرا وفقا لموازين القوى السائدة.

" الجبهة الإسلامية" بالسودان

ففي السودان ظهرت الجماعة تحت مسمى"الجبهة الإسلامية القومية" عام 1955، متأثرة بشكل مباشر بتجربة الجماعة الأم في مصر، وقد لعب عنصر القرب الجغرافي والامتداد السياسي على خط حوض النيل دورا في هذا الظهور المبكر، مقارنة بالبلدان الإفريقية الأخرى.

وعملت الجبهة على المشاركة في بعض تجارب الحكم في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري، الذي حاول الاستعانة بالجبهة لتقوية حكمه في بداية الثمانينيات من القرن الماضي عبر رفع شعار تطبيق الشريعة، لكن الجبهة دخلت بعد ذلك في لعبة شد الحبل مع السلطة طيلة العقود التالية بعد فك الارتباط مع نميري بسبب الخلافات السياسية.

وفي عام 1989 تمكنت الجبهة ـ بالتحالف مع الجيش ـ في الانقلاب على حكومة الصادق المهدي وإعلان حكومة"ثورة الإنقاذ الوطني" بقيادة العميد عمر حسن البشير، إلا أن صراعا نشب داخل الجبهة بين حسن الترابي، زعيم الجبهة، والبشير، انتهى بخروج الأول عام 1991 وإنشاء حزب جديد حمل اسم حزب المؤتمر الشعبي المعارض، الذي غير اسمه فيما بعد إلى المؤتمر الوطني.

"إخوان" الجزائر في صراع

أما في الجزائر فقد بدأ ظهور تيار الإخوان المسلمين مبكرا، خلال السنوات الأخيرة من الاحتلال الفرنسي للبلاد، مع الشيخ أحمد سحنون الذي أسس حركته عام 1953 مرتكزا على الكفاح المسلح.

غير أن الصراع على السلطة الذي أعقب مرحلة ما بعد الاستقلال عام 1962 بين أقطاب جبهة التحرير الوطني دفع الحركة إلى الهامش، خاصة بعد تولي الهواري بومدين السلطة عام 1965، ورفعه لشعارات الهوية والدين، مما قلص دائرة تأثير الحركة الإسلامية هناك ودفعها إلى اختيار العمل تحت السرية.

ولم يبدأ أول ظهور رسمي وقانوني لتيار الإخوان المسلمين في الجزائر إلا في مستهل التسعينات، حينما أجرى الرئيس الراحل الشاذلي بنجديد، تعديلات على الدستور كرست لأول مرة مبدأ التعددية الحزبية، فتأسست حركة المجتمع الإسلامي(حركة حمس لاحقا)، التي قادها الراحل محفوظ نحناح.

وقد رفضت الحركة الالتحاق بالجبهة الإسلامية للإنقاذ في عام 1992 بعد الانقلاب على نتائج الانتخابات البلدية، التي أدت إلى حل الجبهة وسحب الاعتراف القانوني بها. وشاركت الحركة في مختلف الاستحقاقات الانتخابية بعد المرحلة الديمقراطية، وتشارك اليوم في الحكومة الجزائرية ولديها أكثر من ثلاثين نائبا في المجلس التشريعي.

 

"إخوان" موريتانيا وتونس

 

وخلافا للبلدين السابقين، تأخر ظهور تيار الإخوان المسلمين في موريتانيا إلى النصف الثاني من السبعينات كتنظيم سياسي معترف به قانونا، وإن كانت التعبيرات الإسلامية سابقة على ذلك العهد، من خلال بعض الجمعيات الدينية والخيرية، نظرا للطبيعة المحافظة للبلاد.

وكان أول تنظيم هو "الجماعة الإسلامية" الذي ظهر عام 1978، لكن كجمعية فقط، وفي عام 1990 انضوى عدد من الجمعيات الإسلامية في تنظيم سياسي أطلق على نفسه لقبا مختصرا هو"حاسم"، نسبة إلى الحركة الإسلامية في موريتانيا، ذات الخلفية الفكرية المتأثرة بجماعة الإخوان المسلمين في مصر.

وقد خاض الإسلاميون الموريتانيون الانتخابات البلدية في تلك الفترة، وعندما صدر القانون المنظم للأحزاب في 25 يوليو/تموز 1991 تقدموا بطلب تأسيس حزب سياسي لكن السلطة رفضت، فانخرطوا في المعارضة السياسية لنظام الرئيس معاوية ولد الطائع، وبعد سقوط هذا النظام عام 2005 حاولوا مجددا دخول المعترك السياسي، فتم إنشاء حزب الملتقى الديمقراطي (حمد) ثم حركة "الإصلاحيين الوسطيين"، وأخيرا تجربة حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية (تواصل)، وهي كلها تعمل اليوم تحت الإطار القانوني.

أما بالنسبة لتونس فيرجع أول ظهور علني لتيار الإخوان إلى 1974 تحت إسم"الجماعة الإسلامية"، التي غيرت إسمها إلى حركة الاتجاه الإسلامي عام 1981 التي اختير راشد الغنوشي رئيسا لها، بيد أن النظام التونسي في عهد الرئيس الأسبق الحبيب بورقيبة لم يرحب بها ورفض السماح لها بالنشاط القانوني، الأمر الذي أدخل الطرفين في صراعات اعتقل على إثرها الكثيرون من أبناء الحركة، بمن فيهم رئيسها.

وبعد الإطاحة بنظام بورقيبة في فبراير/شباط عام 1987 غيرت الحركة إسمها إلى"النهضة" عام 1989، وشاركت في أول انتخابات تشريعية عام 1989 لكن بشكل غير مباشر، حيث دفعت بأعضائها إلى الترشح ضمن قوائم المستقلين، وحصلت على 13 بالمائة من أصوات الناخبين، لكن الود لم يدم طويلا بين الحركة والسلطة، إذ حصلت اصطدامات بين الطرفين وصلت أوجها مع أزمة الخليج الأولى عام 1989.

وظلت الحركة منذ ذلك الوقت محظورة ورئيسها يعيش في منفاه في الخارج، إلى أن سقط نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي في يناير/كانون ثاني عام 2011 بعد اندلاع أحداث الربيع العربي.

مصري ينشىء "إخوان ليبيا"

وفي ليبيا يرجع أول ظهور لجماعة الإخوان المسلمين إلى نهاية الأربعينات من القرن الماضي، بمبادرة من رجل أعمال مصري قام بمعية لاجئين مصريين آخرين بتأسيس أول فرع للجماعة في البلاد، وذلك هربا من الملاحقة السياسية في مصر.

وبعد مرحلة الملك السنوسي التي تميزت بنوع من التسامح مع الجماعة شن نظام الرئيس الراحل العقيد معمر القذافي حملة أمنية مكثفة بداية من عام 1973 فرض الحظر إثرها على نشاطات الجماعة، التي انتقلت إلى العمل السري. وبقي الأمر على هذا المنوال إلى عام 1998 عندما أعلن النظام السابق عن اكتشاف جماعة سرية تابعة للإخوان أسسها طلبة ليبيون عادوا من مصر، فتم اعتقال حوالي 150 شخصا منهم وتفكيك الجماعة.

لكن ظهور الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة وتهديدها للنظام السابق دفع هذا الأخير إلى فتح حوار مع الإخوان ابتداء من عام 1999، في إطار البحث عن التوازن السياسي، لكن مع ذلك بقيت الجماعة غير مسموح لها بالعمل القانوني الرسمي، إلى أن حصلت أحداث ليبيا في ربيع 2011 التي أطاحت بالنظام السابق، حيث ظهر أول تنظيم سياسي بمثابة ذراع للإخوان هو حزب العدالة والبناء.

"الشبيبة الإسلامية" بالمغرب

وفي المغرب ظهر أول تنظيم سياسي يعلن تبعيته لفكر جماعة الإخوان المسلمين المصرية تحت إسم "حركة الشبيبة الإسلامية" بقيادة الشيخ عبد الكريم مطيع عام 1969، لكن التنظيم تأسس بشكل قانوني عام 1972 وحصلت على الترخيص بالعمل كجمعية دينية تربوية فقط غير ذات نشاط سياسي، بهدف"المساهمة في البناء الاجتماعي ونشر الأخلاق الكريمة وحث المواطنين على الخير والفضيلة والصلاح بواسطة تطبيق نهج الله الذي هو الإسلام".

بيد أن الحركة تأثرت في بادئ أمرها بفكر سيد قطب، التي وجدت فيه أداة لمدافعة التيار اليسار الذي كان آنذاك يرفع شعار العنف الثوري، وفي عام 1975 اتهمت الحركة باغتيال الزعيم اليساري عمر بنجلون، مما دفع السلطة إلى شن حملة قوية على أفرادها واعتقال البعض منهم، بينما فر آخرون إلى الخارج بينهم مؤسسها، الذي ما يزال حتى اليوم في منفاه بلندن، بعد أن عاش في كل من ليبيا والمملكة العربية السعودية.

وبعد حل الحركة وحظرها أعلن أفراد منها تبرؤهم من فكرها وأنشأوا جمعيات دعوية متعددة، تجمع بعضها لاحقا في حركة التوحيد والإصلاح عام 1996، وتقدمت بطلب لتأسيس حزب سياسي بدون جدوى، إلى أن اختارت العمل ضمن حزب قائم هو الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية ابتداء من عام 1997، غير إسمه إلى حزب العدالة والتنمية عام 1998.

وقد فاز الحزب في انتخابات 25 نوفمبر، تشرين ثاني  2012 بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، وكلف بقيادة الحكومة الجديدة التي تسير المغرب اليوم.

وينظر إلى هذا الحزب ـ والحركة التابعة له ـ باعتباره امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين المصرية، لكن الكثيرين من مسؤولي الحزب والحركة ينفون صلتهم بالجماعة ويؤكدون أنهما تجربتان مغربيتان خالصتان.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان