صورة لم تكن تألفها الأعين من ذي قبل، أن تسير امرأة مسلمة محجبة بين الحرس الجمهوري وترفع العلم، ومن ورائها تطلق المدفعية 21 طلقة تحية على شرفها كقائدة عامة للقوات المسلحة، ثم تذهب لتؤدي اليمين الدستورية كرئيسة للبلاد.
هكذا خرجت علينا سامية صالح حسن، التي تولت رئاسة تنزانيا خلفا للرئيس الراحل جون ماغافولي، الذي وافته المنية الأربعاء الماضي متأثرا بإصابته بفيروس كورونا المستجد، لتصبح اول أمرأة مسلمة تتولي الرئاسة في تنزانيا وشرق أفريقيا، وتاسع امرأة في أفريقيا تتولى منصب رئيس الدولة.
تلك الصورة التي بدت فيها "ماما سامية" كما يلقها التنزانيين، في إشارة إلى احترامها وتقديرها، أثارت دهشة وإعجاب الكثير من النساء في الوطن العربي ودول أفريقيا، في ظل المحاولات المتكررة من حين لآخر لتشوية الحجاب، ووصفه بـ"التخلف والرجعية" لدرجة أن بعض الدول تمنع النساء من ارتدائه بداخلها.
فها هي "ماما سامية" امرأة مسلمة محجبة تتقلد أعلى المناصب وهي رئاسة دولة، لتنضم إلى قائمة قصيرة من النساء في القارة السمراء اللاتي أدرن بلادهن، بل أن تقارير "أجنبية" تقول إنها ربما تكون أقدر من ماجوفولي على مواجهة الفساد في بلادها.
يشار إلى أن المسلمين يشكلون أكبر أقلية، وترتيب ديانتهم الثاني بعد المسيحية في تنزانيا، وكان الرئيس التنزاني الراجل ماجوفولي مسيحي الديانة، وهو من اختار سامية حسن المرأة المحجبة نائبة له في عام 2015، ومرة ثانية في عام 2020.
نبذة عن الرئيس التنزاني الراحل
وأعلنت تنزانيا رسميا وفاة الرئيس جون ماغافولي، يوم الأربعاء، وتعيين النائبة سامية حسن رئيسا للبلاد، وذلك بعد اختفاء الرئيس الراحل عن الظهور منذ أسبوعين بعد إصابته بفيروس كورونا، الذي كان أحد أبرز المشككين في وجوده في أفريقيا.
ومنذ تفشي فيروس كورونا المستجد كان يصر الرئيس التنزاني على خلو بلاده من "كوفيد-19"، ويرفض فرض أي عمليات إغلاق، وكذلك استخدام أقنعة الوجه (الكمامات)، كما حظر نشر بيانات العدوى منذ أبريل الماضي، مما جعل تنزانيا الدولة الوحيدة في العالم التي لا تنشر مثل هذه الإحصاءات، إضافة إلى كوريا الشمالية المعزولة.
وهكذا كان الرئيس الراحل جون، أحد أبرز المشككين في وجود فيروس كورونا في أفريقيا، بدعوى أن الناس يجب أن يتوقفوا عن العيش في خوف وأن يثقوا بالله والاعتماد على العلاجات التقليدية لمنع الإصابة بالفيروس، ولكن تمكن من الفيروس من اقتحام جسد جون حتى قضى نحبه.
وانتخب ماجوفولي رئيسا في عام 2015، ويؤكد أنصاره من جهتهم على حربه الشرسة ضد الفساد أو إعادة التفاوض على العقود مع الشركات الأجنبية لتحسين حصص البلاد.
وفي نهاية أكتوبر الماضي، أعلنت اللجنة الانتخابية الوطنية في تنزانيا فوز الرئيس المنتهية ولايته جون ماجوفولي في الانتخابات الرئاسية بحصوله على 84,39 % من الأصوات.
وبعد أشهر قليلة من إعادة انتخاب ماجوفولي وافته المنية، لتخلفه نائبته "سامية حسن" لتكمل فترة الرئاسة الباقية للرئيس الراحل لمدة 5 سنوات.
من هي "سامية حسن"؟
كان على سامية حسن مهمة إعلان وفاة الرئيس ماجوفولي على التزانيين، وأنه باعتبارها نائب رئيس الدولة ستصبح خلفه رئيسة للبلاد ما تبقى من فترة الخمس سنوات في منصب الرئيس.
فقد جرى انتخاب سامية سولوهو حسن، الزنجبارية من أصول عمانية، لأول مرة مع جون ماجوفولي في عام 2015، ثم أُعيد انتخابها العام الماضي أيضا كنائب رئيس تنزانيا على الرغم من أنها كانت على النقيض معه في بعض المواقف.
برزت سامية حسن على الصعيد الوطني في تنزانيا عام 2014 كنائبة لرئيس الجمعية التأسيسية، التي تم إنشائها لصياغة دستور جديد للبلاد، ولكنها كانت تتقلد المناصب السياسية منذ عام 2000.
وُلدت سامية حسن صلوحي في عام 1960، بمنطقة زنجبار التي تتمتع بحكم شبه ذاتي ويبلغ عدد المسلمين فيها نحو 99% من سكانها، وهي أم لأربعة أبناء من زوجها حافظ أمير، وهو مسؤول متقاعد في قطاع الزراعة، ولديهما ابن عضو حالي بمجلس النواب في زنجبار.
دراستها
تلقت سامية حسن المراحل الأولى من تعليمها في مدارس مختلفة، وبعد أن انهت دراستها في معهد زنجبار للإدارة المالية والدراسات الإحصائية، الذي التحقت به في 1977، عملت في وزارة التخطيط والتنمية، بحسب ما ذكرته مواقع للحكومة التنزانية.
والتحقت سامية حسن في 1986 بمعهد إدارة التنمية بجامعة مزومبي، في تخصص الدراسات المتقدمة في الإدارة العامة، كما التحقت بالمعهد الوطني للإدارة العامة في لاهور بباكستان، قبل أن تنضم إلى معهد الإدارة للقادة في حيدر أباد في الهند عام 1991، ثم تخرجت في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة بحصولها على دبلوم في الدراسات العليا في الاقتصاد.
وما بين عام 2004 حتى عام 2005 تقدمت سامية حسن لنيل درجة الماجستير في التنمية الاقتصادية المجتمعية، من خلال برنامج مشترك بين جامعة تنزانيا المفتوحة وجامعة جنوب نيو هامبشاير بالولايات المتحدة.
مسيرتها السياسية
وبدأت تنزانيا" target="_blank">رئيسة تنزانيا الجديدة مسيرتها السياسية في عام 2000، حين انتُخبت عضوًا في مجلس النواب الزنجباري عن مقعد مستقل، ثم عينها الرئيس أماني كرومي وزيرة، إذ كانت الوزيرة الوحيدة في مجلس الوزراء.
وسبق أن تولت سامية حسن حقائب السياحة والتجارة والاستثمار وتشغيل الشباب وتنمية المرأة والطفل، كما عينها رئيس تنزانيا السابق جاكايا كيكوكيتي في عام 2014 وزيرة دولة لشؤون الاتحاد، وفي نفس العام تم انتخابها نائبة لرئيس الجمعية الدستورية المكلفة بصياغة دستور البلاد الجديد.
وبعد أن بزغ نجم سامية حسن على الصعيد السياسي في تنزانيا، اختارها المرشح الرئاسي للحزن الحاكم جون ماجوفولي، مسيحي الديانة، لتكون نائبته في الانتخابات الرئاسية عام 2015، وكذلك اختارها نائبة له مرة ثانية في انتخابات 2020، وقفزت بذلك على العديد من السياسيين البارزين في حزب تشاما تشا مابيندوزي، الذي كان في السلطة بشكل أو بأخر منذ عام الاستقلال في عام 1961.
وبمجرد أدائها اليمين الدستورية كنائبة للرئيس في عام 2015 دعت سامية حسن إلى الوحدة في بلادها، فهي شخصية تتسم بالهدوء وعدم الانفعال، واعتبرتها وسائل إعلام تنزانية إنها تمثل بداية مرحلة تصالحية في السياسة التنزانية بما يعزز من الانتقال الديموقراطي.
كانت سامية حسن وجه تنزانيا في معظم الاجتماعات الدولية، وتمثل بلادها في جميع اجتماعات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي، ومجموعة شرق أفريقيا التي تُعقد خارج تنزانيا.
تحظى سامية حسن بشعبية وسيرة طيبة في بلادها، فكما يصفها جانيواري ماكامبا، أحد أعضاء البرلمان، هي "زعيمة قديرة للغاية" وذلك من خلال ملاحظته عن كثب لأخلاقيات عملها واتخاذ قراراتها، ويضيف "أكثر سياسية بُخست قيمتها في تنزانيا".
رئيسة لتنزانيا
وبعد رحيل ماجوفولي تولت سامية حسن رئاسة البلاد، وأدت اليمين الدستورية الأربعاء الماضي، وسط توقعات بأن تكون أكثر قدرة من الرئيس الراحل على إدارة أزمة فيروس كورونا المستجد التي كان يصر على عدم وجودها في البلاد.
وفي خطاب تنصيبها قالت سامية حسن "هذا وقت دفن خلافاتنا، لكي نكون دولة واحدة، هذا ليس وقت توجيه أصابع الاتهام، لكنه وقت التشبث بأيدي بعضنا والمضي قدما معا".
وترك ما جوفولي ميراثا ثقيلا من الأزمات الاقتصادية والسياسية أصبحت أمام تنزانيا" target="_blank">رئيسة تنزانيا الجديدة أن تواجهها، لاسيما في ظل تفاقم أزمة فيروس كورونا، التي توقفت تنزانيا عن نشر آخر التطورات بشأنها منذ إبريل عام 2020 الماضي.
وكان ماجوفولي، المعروف باسم "البلدوزر"، معروفا بموقفه القوي ضد الفساد، إلا أنخ مؤخرا أشارت بعض وسائل الإعلام إلى أنه قد بدأ حملة قمع على الديمقراطية والأصوات الناقدة، إذ أشرف على إغلاق وتعليق العديد من وسائل الإعلام، وفرض حظر جزئي على التجمعات العامة.
ولم يكن يؤمن ماجوفولي بفيروس كورونا المستجد، وكانت الحجة أن الناس يجب أن يتوقفوا عن العيش في خوف وأن يثقوا بالله والاعتماد على العلاجات التقليدية لمنع الإصابة بالفيروس.
وكان لدى تنزانيا نهج فريد للسيطرة على فيروس كورونا بعد بضعة أشهر فقط من تفشي الوباء العام الماضي، حيث أعلن رئيس البلاد الراحل جون ماجوفولي أن تنزانيا خالية من فيروس كورونا قائلا: "الرب سيحمينا من الوباء".
ومنذ ذلك الحين، رفض فرض الإغلاق، وأعاد فتح المدارس، وسمح بإقامة الأحداث الرياضية الكبيرة، والتجمعات الدينية، وأوقف اختبارات كورونا، إضافة إلى وقف حملات الاتصالات العامة حول الفيروس، كما توقفت الدولة عن الإبلاغ عن الحالات والوفيات.
وربما كانت تنزانيا الدولة الوحيدة في العالم التي اتخذت هذا النهج، الذي يتعارض مع كل ما أوصى به العلماء ووكالات الصحة العامة، ومنظمة الصحة العالمية (WHO).