رئيس التحرير: عادل صبري 01:33 مساءً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

اشتباكات دارفور.. عصابات القبائل «تصفع» قوى السلام والثورة

اشتباكات دارفور.. عصابات القبائل «تصفع» قوى السلام والثورة

عمر مصطفى 19 يناير 2021 15:58

تلقي الاشتباكات القبلية التي اندلعت في إقليم دارفور بالسودان، خلال الأسبوع الجاري، بظلال ثقيلة على اتفاقيات السلام التي وقعتها الحكومة الانتقالية مع الحركات المسلحة في الإقليم، ومدى قدرتها على فرض السلام المنطقة وإعادة النازحين لمناطقهم وإطلاق عملية تنمية واسعة لإنهاء عقود من التهميش الحرمان.

 

كما تضع هذه الاشتباكات الثورة السودانية، وفي القلب منها القوى المدنية التي قادتها، في اختبار حقيقي حول كيفية التصرف بشكل مختلف عن حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي شهد الإقليم تحت حكمه معارك مروعة.

 

وتشير التقارير إلى أن هدوء حذرا ساد دارفور اليوم الثلاثاء، بعد اشتباكات قبلية في ولايتين مختلفتين أسفرت عن مقتل 155 شخصا وجرح العشرات، وجاءت بعد أكثر من أسبوعين على انتهاء مهمة قوات السلام المشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي في الإقليم.

 

عنف قبلي

وبدأت أعمال العنف السبت بين مجموعات عربية وأخرى من قبيلة مساليت في مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، قتل فيها ما لا يقل عن مئة شخص، وأصيب 132 آخرون بجروح، وفق والي الولاية محمد عبد الله الدومه.

 

وأكدت منظمات تعمل في حماية الأطفال أن العنف امتد الى مخيم يأوي نازحين لجأوا إليه خلال النزاع في الإقليم الذي بدأ في 2003. ونزح خمسون ألف شخص من منازلهم نتيجة أعمال العنف الأخيرة، وفق منظمة "سايف ذي تشيلدرن". وفرضت السلطات المحلية في غرب دارفور حظر التجوال، ووصلت الى الولاية قوات من الخرطوم ومن ولايات دارفور الأخرى للسيطرة على الأوضاع.

 

وقال الدومه لوكالة فرانس برس عبر الهاتف من الجنينة، "لم تحدث اشتباكات منذ الأحد لكن هناك حوادث سرقة تطال منازل المزارعين في مخيم كيردينق للنازحين". وأشار الى أن "ثماني قرى قريبة من مدينة الجنينة أحرقت وتمّ نهب محاصيلها"، مضيفا "أرسلنا قوات لتأمين هذه القرى وهي آمنة الآن".

 

واتهم الدومه "عصابات" جاءت من خارج ولايته بالوقوف خلف أحداث العنف، إضافة الى "متفلتين عبروا الحدود من تشاد". وأضاف "هدأت الأوضاع بعد أن انتشرت القوات حول مدينة الجنينة وفي كيردينق".

 

رحيل القوات الأممية

وأمر رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، السبت، بإرسال وفد عاجل إلى "الجنينة" برئاسة النائب العام، ويضم ممثلين لكافة الأجهزة الأمنية والعسكرية والعدلية لمتابعة الأوضاع واتخاذ القرارات اللازمة لمعالجة الوضع واستعادة الهدوء والاستقرار في الولاية.

 

ووقعت اشتباكات مشابهة أمس الاثنين بين اثنية الفلاتة وقبيلة عرب الرزيقات في قرية بولاية جنوب دارفور خلفت 55 قتيلا و37 جريحا. وقال أحد زعماء الفلاتة أحمد صالح ادريس لفرانس برس عبر الهاتف "الأوضاع اليوم هادئة في القرية وليست هناك اشتباكات، لكن الناس يخشون اندلاع العنف مرة أخرى".

 

ووقعت أعمال العنف هذه بعد أسبوعين من إنهاء البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في الإقليم رسميا مهمتها في 31 ديسمبر. وتستكمل هذه القوات انسحابها من الإقليم خلال ستة أشهر. ونظم دارفوريون احتجاجات على لرفض مغادرة تلك القوات خوفا من أن يؤدي ذلك الى تجدد العنف في الإقليم.

 

وطالبت جهات محلية بالإسراع في نزع سلاح الميليشيات وبسط هيبة الدولة والتحقيق في الأحداث الدامية، بعد نشر الذعر، وانتهاك حقوق الإنسان وتفشي أعمال السلب والنهب في "الجنينة"، ما يوحي بوجود تشابه بين جرائم اليوم والأمس.

 

وقالت هيئة محامي دارفور إن ميليشيات مسلحة هاجمت المدينة من جميع الاتجاهات، وكانت مسنودة بمجموعات أتت من مناطق متفرقة من ولاية غرب دارفور، ووسط دارفور المجاورة، وحدود دولة تشاد المتاخمة.

 

محاصصات وتراخي

من جانبه حمّل القيادي بقوى الحرية والتغيير، منذر أبو المعالي، الأجهزة الأمنية مسؤولية انفلات الأوضاع في أقاليم كثيرة، وفتح تراخيها في القيام بدورها الباب لتصاعد التوتر في الهامش والأطراف، ما يعرقل المرحلة الانتقالية.

 

وأوضح أبو المعالي، في تصريحات لصحيفة "العرب" اللندنية، أن "الذهاب باتجاه المحاصصات في اتفاق السلام وعدم إنزال ملفات الترتيبات الأمنية وتقسيم الثروة على الأرض حتى الآن، من أهم العوامل التي تدعم إشعال الخلافات القبلية وتحمل في ثناياها أبعادا سياسية ترتبط بعدم توافق أبناء الهامش على اتفاق السلام الشامل".

 

وقالت مصادر سودانية إن "مشاهد العنف الراهنة في دارفور تعيد إلى الأذهان مقاطع من جرائم وقعت في عهد البشير"، ولم تستبعد وجود قيادات كبيرة في السلطة ترتاح لهذا التوتر، وتدفع نحو غض الطرف عنه كنوع من تصفية الحسابات.

 

وحذرت المصادر، في تصريحات لصحيفة "العرب" اللندنية، من نتائج التمادي في هذه السياسة، في ظل توترات حدودية يواجهها الجيش مع إثيوبيا، دفعته إلى سحب عدد من قواته من الغرب، تحسبا لمواجهة فاصلة مع القوات الإثيوبية، ما يترك فراغا في دارفور ويوفر للميليشيات فرصة إعادة التموقع.

إبادة جماعية

ولم يستبعد متابعون وجود جهات مختلفة تسعى إلى تفكيك معسكرات النازحين بالقوة المسلحة، لطمس آثار جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب التي ارتكبها نظام البشير في دارفور.

 

وشهد الإقليم الذي تفوق مساحته مساحة فرنسا نزاعا اندلع في عام 2003 قتل جراءه 300 ألف شخص بينما فرّ 2,5 مليون من منازلهم، وفق الأمم المتحدة. واندلع القتال بعد أن حملت مجموعات تنتمي الى أقليات إفريقية السلاح ضد حكومة الرئيس السوداني السابق عمر البشير احتجاجا على تهميش الإقليم سياسيا واقتصاديا.

 

وسلحت حكومة البشير ميليشيات تنتمي الى قبائل عربية لمساندتها، وعرفت هذه الميليشيات باسم "الجنجويد". ومنذ سنوات، تراجع القتال في الإقليم، لكن اشتباكات بين القبائل تحدث من وقت لآخر في إطار التنافس على الأرض والمياه بين المزارعين والرعاة الرحل.

سلام متعثر

ووقعت الحكومة السودانية الانتقالية التي تولت السلطة بعد الإطاحة بالبشير، اتفاقات مصالحة مع عدد كبير من المجموعات التي قاتلت في دارفور. وأعلنت الحكومة أن من أولوياتها تحقيق الاستقرار في البلاد خصوصا في المناطق النائية التي شهدت نزاعات مسلحة.

 

ونص اتفاق جوبا للسلام على تشكيل قوة مشتركة تتكون من اثنيْ عشر ألف عنصر، مناصفة بين القوات الحكومية وتلك التابعة للحركات المسلحة التي وقعت على اتفاق السلام، وتتولى حفظ الأمن في إقليم دارفور الحافل بالتناقضات القبلية والفوضى والعصابات المسلحة.

 

وتشهد مناطق في غرب البلاد وشرقها وجنوبها توترات وصراعات قبلية قديمة، وتحتاج إلى قوة أمنية صارمة تردع العناصر التي تملك السلاح بكثافة، ويجري تهريبه إليها عبر ممرات آمنة من دول الجوار.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان