كان عام 2020 محفوفًا بالمعاناة والتحديات، حافلًا بالأحداث المتلاحقة والاعتداءات الإسرائيلية والمشاريع الاستيطانية والتهويدية بحق مدينة القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك، ومحاولات حسم معركتها نهائيًا لجعلها مدينة ذات صبغة يهودية.
وُصف بالأشد قسوة وسوءًا على القدس وسكانها، بسبب ما شهده من تصاعد خطير في هجمة الاحتلال على المدينة وهويتها الإسلامية ومحاولات تغيير طابعها وطمس معالمها وحضارتها العريقة، واستهداف المسجد الأقصى وموظفيه ورواده بالملاحقة والاعتقال والإبعاد، بالإضافة إلى محاولات "جماعات الهيكل" المزعوم تكريس وجودهم الدائم بالمسجد.
وتتعرض المدن الفلسطينية المحتلة لهجمة استيطانية تسعى لتهويد المدن الفلسطينية وتفريغها من سكانها الأصليين، سواء بالقوة أو بالقوانين الجائرة والظالمة..
ويمثل الصراع الديمغرافي في مدينة القدس المحتلة، المعضلة الكبرى لدى الاحتلال الإسرائيلي، لذلك يسعى بشتى الوسائل إلى حسم معركته بالمدينة عبر استهداف الوجود الفلسطيني، وتقليص نسبة العرب إلى 12%، لتحويلها إلى مدينة يهودية.
ولم تقتصر الهجمة على ذلك، بل واصلت قوات الاحتلال عمليات التطهير العرقي بحق المقدسيين، والتنكيل بهم على الحواجز، وهدم منازلهم والاستيلاء عليها، وفرض المخالفات والضرائب الباهظة، وخنق الاقتصاد المقدسي، وإغلاق عشرات المؤسسات وقمع الفعاليات والمبادرات الشبابية وملاحقة النشطاء والشخصيات المقدسية.
وما زاد من تغول الاحتلال في سياسته وعدوانه الممنهج ضد المقدسيين والمقدسات الإسلامية والمسيحية بالمدينة، التطبيع العربي مع "إسرائيل"، والدعم الأمريكي اللامحدود لها، ناهيك عن انشغال العالم في مواجهة وباء "كورونا".
أيامٌ قليلة، ويطوي عام 2020 صفحاته الأخيرة، ليبدأ عامًا جديدًا لن يحمل للمقدسيين-وفق توقعاتهم-سوى المزيد من الاعتداءات والإجراءات التعسفية، وتضييق الخناق عليهم أكثر فأكثر، بهدف دفعهم للرحيل وترك المدينة المقدسة لقمة سائغة للمستوطنين.
وشكل العام 2020 بؤرة استهداف غير مسبوقة للقدس، ومحاولة الاحتلال إحداث تغيرات في وجهها الحضاري والتاريخي والجغرافي، وخنق اقتصادها، لفرض سيطرته الكاملة عليها، كما يقول الباحث في شؤون القدس فخري أبو دياب.
ومن أبرز الأحداث هذا العام، وضع حكومة الاحتلال خطة (20-30) بهدف رفع نسبة الوجود اليهودي بالقدس إلى 90% مقابل 10% للعرب، يعيشون في مساحة 9% من أراضي المدينة، تحيطها المستوطنات، لمنع التمدد جغرافيًا.
ويضيف أبو دياب لوسائل إعلام فلسطينية، أن الاحتلال صادق خلال العام نفسه، على عشرات المشاريع التهويدية والاستيطانية بالمدينة، بعضها بدأ تنفيذها، وأخرى سيتم خلال العام 2021.
ومن ضمن هذه المشاريع، "إقامة درج كهربائي من حارة الشرف حتى ساحة البراق، وعجلة القدس بجبل المكبر، و5 حدائق توراتية، ووادي السيليكون في وادي الجوز، والشارع الأمريكي، بالإضافة إلى محاولة السيطرة على باب الرحمة واقتطاع 12% من مساحة المقبرة، واستهداف مقبرة الشهداء.
وخلال العام 2020 ضاعف الاحتلال عدد المستوطنين والوحدات الاستيطانية، ويخطط لزيادة العدد إلى مليون و200 ألف مستوطن حتى العام 2030، بالإضافة إلى سيطرته على الأراضي الفلسطينية لإقامة مشاريعه، ومنع الفلسطينيين من استغلالها والبناء فيها.
ووفق أبو دياب، فإن "إسرائيل" تخطط لجعل المقدسيين أقلية هامشية، لا يتجاوز عددهم 35 ألف مواطن من أصل 370 ألفًا، أي بنسبة 12% فقط.
ويبين أن الاحتلال أعطى أوامر إخلاء منازل لـ 49 مقدسيًا بحي الشيخ جراح وبلدة سلوان، بادعاء أنها "أملاك لليهود"، وتسليم أوامر هدم إدارية وقضائية لـ 819 منزلًا.
ويوضح أن الاحتلال فرض خلال العام 2020، مخالفات بناء على المقدسيين بقيمة 9 مليون و785 ألف شيكل، ونحو 3.5 مليون شيكل مخالفات، بحجة عدم الالتزام بالتعليمات الصحية اللازمة للوقاية من "كورونا.
وطالت الإجراءات عشرات المؤسسات المقدسية، إذ تم إغلاق أو تمديد إغلاق 25 مؤسسة ثقافية وتعليمية وإعلامية، ناهيك عن هدم نحو 153 منزلًا، من بينهما 28 تم هدمه قسريًا.
ويشير أبو دياب إلى أن العام 2020 شهد اعتقال واستدعاء 817 مواطنًا، واقتحام 463 منزلًا بالقدس، فيما أصدر الاحتلال 142 قرار إبعاد عن المسجد الأقصى، من بينها 7 أشخاص تم إبعادهم عدة مرات، وكذلك 16 مرة مُنعت طواقم الأوقاف الإسلامية من إجراء أعمال ترميم بالمسجد.
ونتيجة الحفريات والأعمال التي نفذتها الجمعيات الاستيطانية والاحتلال، جرى إحداث تشققات في 15 منزلًا بباب السلسلة بالبلدة القديمة، و16 في سلوان.
وكان هذا العام قاسيًا على العمال المقدسيين، إذ فقد 17 ألف مقدسي أعمالهم، بسبب انتشار "كورونا"، وما تضمنه من إجراءات إسرائيلية مشددة، بالإضافة إلى الضغط المتزايد على الاقتصاد المقدسي وإغلاق المحلات التجارية، إذ يعيش 79.6% من المقدسيين تحت خط الفقر.
ومن القدس إلى الضفة، تلك المدينة الجريحة والتي يسعى الاحتلال لالتهامها وضمها لباقي الأرض المحتلة، ففي الآونة الأخيرة، تصاعدت اعتداءات المستوطنين في مختلف محافظات الضفة الغربية المحتلة، وتفشت على جميع الطرق الالتفافية، بحماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وشرع مئات المستوطنين خلال اليومين الماضيين بالاعتداء على المواطنين ومركباتهم في ثلاث مناطق بالخليل (جنوب الضفة، وموقعين برام الله (وسط الضفة)، وقطع الطريق في محيط حاجز زعترة (شمال الضفة)، كما نظموا مسيرة واعتداءات في بلدة حوارة قرب نابلس (شمال الضفة).
ويقول رئيس بلدية حوارة ناصر الحواري: إن "عشرات المستوطنين نظموا مسيرة وهتفوا بعبارات معادية في البلدة بحماية عشرات الجنود.
واعتدى المستوطنون على المنازل والمواطنين والأملاك وأوقفوا حركة السير، قبل أن يتصدى لهم الشبان في البلدة.
ويضيف حواري أن تنظيم مسيرة في الشارع الرئيسي للبلدة هي سابقة من نوعها، مع تواجد قوات كبيرة من جيش الاحتلال.
من جهته، يقول الكاتب صلاح حميدة إن تمادي المستوطنين في الاعتداء على كل ما هو فلسطيني ناتج عن الشعور بالأمان من أي تهديد من الإقليم والداخل الفلسطيني.
ويضيف حميدة: أن التزام السلطة بالاتفاقيات مع الاحتلال سبب شعورًا بالأمان للمستوطنين، إلى جانب اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية.
ويؤكد الكاتب أن جيش الاحتلال المنتشر في الضفة هو لحماية المستوطنين، وأن ما يجري هو تقاسم أدوار بين المستوطنين والجيش في ظل عيش الفلسطيني تحت كيان عنصري قائم على التهجير والإحلال الاستيطاني.
ويرى أن المستوطنين هم طليعة ورأس حربة المشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية، ويحظون برعاية من المؤسسة الرسمية الإسرائيلية، كما يتمتعون بإعفاءات ضريبية وتشجيع وتحفيز في السكن والزراعة والصناعة وغيرها.
وفي تصريحات سابقة لمصر العربية، قال السياسي الفلسطيني عبد القادر ياسين، إن الأيام المقبلة قد تشهد المدن الفلسطينية فيها تهجيرات جماعية، فالمحتل الصهيوني أصدر قرارات بترحيل أهالي القدس من بيوتهم قبل فترة، وما إن يحدث سيتكرر الأمر في غالبية مدن فلسطين، مضيفا أن السجان الإسرائيلي لم يعد يقترف أي ردة فعل للعرب.
وأوضح لـ"مصر العربية" إنه ما دام قرار ترامب ضد القدس مرً بسلام وكل الدول العربية تعاملت معه بفتور، وقبلته بل وشاركت في تمريره، فمن غير المستهجن أن يغري الضعف الحقوق الفلسطينية والعربية وأن يسلب الحرم الإبراهيمي وغيره من أيدي المسلمين.
وأشار السياسي الفلسطيني إلى أن الوضع العربي أسوأ من سيء، فالقادة العرب في موقف الضعيف، لا يملكون من أمرهم شيئا، وبالتالي لا ننتظر منهم أي ردة فعل تجاه فلسطين.