لأكثر من 13 عاما كانت الخمور محرمة في الولايات المتحدة الأمريكية، بمقتضى التعديل الثامن عشر للدستور الأمريكي، الذي حظر صنع الكحول أو نقله أو المتاجرة به، ما أثار جدلا واسعا في هذه الأثناء حتى أعادته البلاد مرة أخرى.
جرى منع المشروبات الكحولية في عهد الرئيس الأمريكي وودور ويلسون، بعد التعديل الثامن عشر للدستور الأمريكي، وتمت المصادقة عليه رسميا في 1919، وبدأ التنفيذ في 1920، واستمر طيلة 13 عاما، حتى صدر قرارا بإلغاء الحظر في 5 ديسمبر عام 1933.
ففي الفترة من 1920 حتى عام 1933 كان ممنوعا تصنيع ونقل المشروبات الكحولية، بينما كان مسموحا بتناولها في الأماكن الخاصة، وهو ما اعتبره حينها البعض بالتجربة النبيلة وانتصارا للأخلاق الحميدة والصحة العامة، بينما اتهم المعارضون للحظر المؤيدون بفرض توجهات بروتستانتية ريفية على أبناء المدن.
كان عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية نحو 120 مليونا، حين استطاعت حركة رأي عام فاعلة في هذه الأثناء أن تحمل السلطة الاتحادية على إجراء التعديل الثامن عشر على الدستور، الذي قضى بحظر الخمور، بموافقة 46 ولاية من أصل 48 ولاية.
وقبل تقديم مجلس الشيوخ الأمريكي للقانون الذي حظر الخمور، مرر الكونجرس الأمريكي قانونا مؤقتا يحظر بيع وتصنيع ونقل المشروبات التي تحتوي على نسبة كحول أعلى من 2.75%، وتم تنفيذ القانون في 30 يونيو 1919 وعرف القانون باسم "العطشى أولا" كونه صدر في أيام هدنة الحرب العالمية الأولى أملا في توفير القمح.
بعد صدور القرار رسميا راح أصحاب الحانات يوزعون المشروبات مجانا على زبائنهم، بينما احتفظ بها آخرون ليستغلوا ذلك فيما بعد برفع أسعارها، أما الرافضون للقانون فحملوا النعوش الرمزية بين جمهور الشاربين وعُزفت الموسيقى الجنائزية تعبيرا عن رفضهم للحظر.
يرجع السبب وراء مطالب حظر الخمور، إلى أن رجال الصناعة في الشمال كانوا يرون أن الخمر يذهب بقوى العمال، وتضعف صحتهم وتقلل جهدهم في العمل، كما رأى أصحاب الزراعة في الجنوب الذين كانوا يعتمدون على الزنوج، أن الخمر تذهب بعقولهم وتتسبب في تقاعسهم عن العمل وصحة سيئة، لاسيما أن الزنوج كانت قدرتهم على ضبط أنفسهم أقل عند تناول الخمور.
وبخلاف أصحاب الصناعة والزراعة، كانت هناك جماعة أخرى ترفض الخمور لذاتها باعتبارها شرورا تسبب تدهور الصحة ولابد من تخليص الناس من شرورها، كل أولئك بذلوا جهدهم للوصول إلى تعديل دستوري حرم بيع الخمور وصناعتها والاتجار بها واستحضارها من الخارج.
وبعد حظر الكحولات انتشرت الحانات الخفية، التي نمت فيها تجارة الخمور بشكل كبير، حتى تشكلت ما يمكن وصفه بـ"العصابات" التي أخذت في الإجرام وأعمال الاختطاف والسلب والنهب، نتيجة لانتشار العصابات التي تنافس على بيع الكحوليات بشكل غير مشروع.
وربما يرجع ذلك إلى أن الحكومة الفيدرالية لم تكن جادة في فرض العقوبات، ففي مدينة نيويورك وحدها كان يوجد ما يقدر بنحو 30 ألف إلى 100 ألف حانة للكحوليات.
ولما زادت السرقات في سنوات حظر الخمور، لاسيما سرقة المشروبات الكحولية الطبية التي كانت ملاذ الراغبين في شرب الخمور، حتى قدرت المسروقات في منتصف العشرينات بنحو 60 مليون جالون سنويا، حتى خرج الأمر عن سيطرة الحكومة.
وفي محاولة لمواجهة انتشار السرقات، استعانت الحكومة الأمريكية بكيمائيين لتسميم المنتجات الكحوليات الطبية، بحيث تجعلها غير صالحة للشرب نهائيا، بينما تحايل تجار الخمور على ذلك بأن استعانوا بكيمائيين ودفعوا لهم أكثر مما تدفع الحكومة، لتنقية الكحوليات من تلك السموم بحيث تصبح صالحة للشرب، حسبما نشرت صحيفة "ديبورا بلوم".
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد قررت الحكومة الرد على تحايل تجار الخمور بأن تجعل المنتجات الكحولية قاتلة، وأضافت إليها عددا من المواد السامة مثل النزين واليود والزنك وأملاح الزئبق والنيكوتين والكلوفورم، إلا أن ذلك أتى بنتائج كارثية، ترتب عليها وفاة أكثر من 23 شخصا بإحدى الولايات و33 شخصا آخرين في نيويورك وإصابة أكثر من 60 بالتسمم، وفقا لما نشرت مجلة Time.
ساد الجدل الأوساط الأمريكية بعد هذه الواقعة، بين مؤيدين ومعارضين، ففي حين وصف تشارلز نوريس كبير الأطباء الشرعيين بنيويورك قرار الحكومة بتسميم المنتجات الكحولية بـ"تجربة وطنية في الإبادة"، دافع عنها المحامي وين ويلر، إذ رأى أن الحكومة ليست ملزمة بإغراق الناس بالكحول الصالح للشرب في الوقت الذي يحظره الدستور.
ومع حلول عام 1933 تسبب الكحول المسموم، الذي وصفته بعض الكتابات التاريخية بـ"الحرب الكيميائية للحظر"، في وقاة عشرة آلاف شخص، حسبما ذكرت "بلوم"، كان معظمهم من الفقراء، إذ أن الأغنياء كانوا يحصلون على كحول باهظ الثمن مهرب من أوروبا.
أما نهايتها، فحلت رسميًّا وقت إقرار إلغاء قانون الحظر في ديسمبر 1933، لكن أصداءها هدأت بالفعل قبل هذا التاريخ. فتدريجيًّا، توقفت الحكومة عن الحديث عنها، وكانت الأسباب الرئيسية لإلغاء الحظر قلة القوة المعنية بمراقبة تنفيذ القانون، وكان عددها لا يتجاوز ألفًا و500 شخص، ما جعلهم يفشلون في مراقبة الحدود الأمريكية الواسعة لمنع التهريب، إضافة إلى أن مرتباتهم الضعيفة جعلت رشوتهم أمرًا سهلًا.
ومع مطلع الثلاثينات ارتفعت الأصوات المنادية بإلغاء حظر الكحوليات، لما تسببه هذا القرار في انتشار المسروقات والوفيات ونتائج كارثية على الاقتصاد.
وفي 22 مارس 1933، وافق الرئيس روزفلت على قانون يسمح بصناعة وبيع النبيذ والبيرة منخفضة الكحول وعرف القانون باسم "كولين هاريسون، وتم التصديق عليه في 5 ديسمبر 1933، ولكن أبقت الحكومة الفيدرالية على قانون يمنع تصنيع المشروبات الكحولية القوية دون الإيفاء بشروط توصف بالتعجيزية لمن أراد صناعة مشروبات كحولية للإستخدام الشخصي.