شهدت المحافظات الجنوبية في العراق تظاهرات ليلية ، فيما تواصلت الاحتجاجات بأعداد متزايدة، السبت، في ساحات التظاهر والاعتصام ، على الرغم من استخدام قوات الأمن العراقي القوة لفض التظاهرات التي ارتفع عدد ضحاياها إلى 260 قتيلا.
ورغم حجم الغضب بين الناس والتظاهرات التي عمت كبريات المدن العراقية فإن الحكومة لم تعلن استقالتها، فيما تنتشر في العديد من محافظات العراق احتجاجات ترفع حزمة مطالب، في مقدمتها رحيل حكومة عادل عبدالمهدي.
تظاهرات ليلية وعصيان مدني
انطلقت تظاهرات ليلية في قضاء الشطرة في محافظة ذي قار جنوبي البلاد مساء السبت ، كما أعاد المتظاهرون في العاصمة العراقية بغداد، السبت، فتح شارع "أبو نواس" المؤدي إلى ساحة التحرير، وذلك بمساعدة من الشرطة الاتحادية، ليخرقوا بذلك أمر قيادة عمليات بغداد.
وكانت قيادة عمليات بغداد قد أمرت بإغلاق الشارع المؤدي إلى ساحة التحرير بوسط العاصمة التي أصحبت بدورها مركزاً للحراك المطالب بـ"إسقاط النظام". وهناك تمطر القوات الأمنية المتظاهرين بين الفينة والأخرى بالغاز المسيل للدموع.
وتتواصل الاحتجاجات في بغداد بين القوات الأمنية والمتظاهرين الذين يحتلون ليل نهار ساحة التحرير، رغم وعود السلطة بالإصلاحات.
وفي الجنوب ، قال ناشطون في احتجاجات محافظة ذي قار،السبت، إنه تقرر إعلان العصيان المدني في المحافظة من قبل المتظاهرين، على خلفية عدم استجابة الحكومة الاتحادية والبرلمان لمطالب الشعب طيلة الأيام الماضية.
وقال كريم الناصري، أحد منسقي احتجاجات ذي قار، إن "ساحة الحبوبي في مدينة الناصرية (مركز ذي قار) شهدت حضور غالبية عشائر المحافظة"، مشيرا إلى أن "الأعداد تجاوزت الآلاف وجميعها تهتف ضد الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية".
وأوضح الناصري أن "اللجنة المشرفة على الاحتجاجات قررت تحويل الاعتصام إلى عصيان مدني بدءا من مساء اليوم وحتى إشعار آخر"”، مشيرا إلى أنه "سيتم الأحد قطع الجسور وإغلاق المؤسسات الحكومية عدا الأمنية والمرتبطة بالجانب الصحي إلى جانب شركة نفط ذي قار".
من جهته، قال جابر الحلبوسي، عضو اللجنة المشرفة على احتجاجات الناصرية، إن "الحكومة والبرلمان والقوى السياسية لم تستجب لمطالبنا في ذي قار ومطالب الشعب المنتفض في باقي المحافظات، رغم مرور أكثر من شهر".
وأضاف الحلبوسي: "صار لزاما علينا تصعيد الاحتجاجات عبر الانتقال إلى المرحلة الثالثة بعد التظاهر والاعتصام وهي العصيان المدني"، مشيرا إلى أننا "أبلغنا القوات الأمنية بأن أي إحراق أو تعد على المؤسسات الحكومية لن يحصل من جهة المتظاهرين".
ارتفاع حصيلة القتلي
أظهرت آخر حصيلة رسمية ارتفاع عدد قتلى التظاهرات في أنحاء البلاد، مع سقوط 91 قتيلا ومصابا في تظاهرات بغداد، السبت.
ومنذ الأول من أكتوبر، قتل 260 شخصاً خلال التظاهرات وأعمال العنف في العراق، بحسب أرقام المفوضية العليا لحقوق الإنسان. وآخر حصيلة نشرت كانت السبت.
ونشرت منظمة العفو الدولية مؤخرا تقريرا أفاد باستخدام الأمن لقنابل الغاز المسيل للدموع التي يبلغ وزنها 10 أضعاف وزن عبوات الغاز المسيل للدموع التي تُستخدم بالعادة، وتطلقها الشرطة بشكل أفقي، الأمر الذي يسفر عن "أقصى قدر ممكن من الإصابات المروعة والقتل".
وفي جنوب البلاد، ذكرت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، السبت، أن إطلاق قوات الأمن الغاز المسيل للدموع باتجاه المتظاهرين مباشرة والذخيرة الحية عند ميناء أم قصر، الرئيسي المطل على الخليج، أسفر عن إصابة 120 متظاهرا.
وبحسب مصادر أمنية، فإن آلاف المحتجين أغلقوا كل الطرق المؤدية إلى ميناء أم قصر، الأمر الذي علقت عليه المفوضية، قائلة في بيان لها ، إنها دعت المحتجين إلى "الالتزام بأماكن التظاهرات، وعدم تعريض المرافق العامة والممتلكات للخطر".
وفي الوقت الذي قال فيه مصدر إن "العمل في الميناء توقف بسبب قطع المتظاهرين للطرق المؤدية لمدخله"، أكدت المفوضية أن "الموانئ تمثل أهم موارد الاقتصاد للشعب العراقي، وإلحاق الضرر بها أو تعطيلها سينعكس سلبا على كافة حقوق أبناء الشعب العراقي ومعيشتهم".
ويستقبل أم قصر واردات الحبوب والزيوت النباتية وشحنات السكر التي تغذي البلد الذي يعتمد إلى حد كبير على الأغذية المستوردة.
ومُنعت شاحنات تحمل بضائع من الدخول أو الخروج من الميناء. وقال مسؤولون في الميناء إن بعض خطوط الشحن العالمية أوقفت عملياتها بسبب إغلاقه.
وأمام موجة الاحتجاجات التي تتزايد يوماً بعد يوم، وعد الرئيس برهم صالح بإجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون انتخابي جديد.
وأكد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي أنه مستعد للاستقالة إذا ما وجد البديل.
وأشار الرئيس العراقي إلى أنه من المرتقب تقديم القانون الانتخابي الجديد أمام البرلمان "الأسبوع المقبل".
وقد أعلن مجلس النواب أنه في "جلسة مفتوحة"، رغم فشله حتى الآن في عقد جلسة استماع لرئيس الوزراء، وهي الأولى على جدول أعماله.
تقليص الحظر في بغداد
وقلص الجيش العراقي مساء ، السبت، حظر التجوال المفروض على العاصمة بغداد منذ أيام على خلفية الاحتجاجات المستمرة منذ مطلع الشهر الماضي .
وجاء في بيان "عمليات بغداد" أن "حظر التجوال سيكون الساعة الثانية بعد منتصف الليل ولغاية الساعة السادسة صباحا وحتى إشعار آخر، بدلا من التوقيت السابق الذي يبدأ من الساعة الثانية عشر ليلا".
وأرجعت قيادة الجيش في العاصمة أسباب القرار إلى "إتاحة الوقت لعودة المتظاهرين إلى منازلهم وإدامة متطلبات الحياة اليومية في بغداد".
وكانت قيادة عمليات بغداد قد فرضت حظر التجوال الليلي في العاصمة بدءًا من منتصف ليل الإثنين الثلاثاء الماضي، تزامنًا مع اتساع نطاق الاحتجاجات المناهضة للحكومة وأعمال العنف المرافقة لها.
إلا أن المتظاهرين العراقيين لا سيما المعتصمين في ساحة التحرير وسط بغداد، تحدوا الحظر منذ ذلك الوقت، وانتشروا في المنطقة خلال مدة سريانه.
ويشهد العراق منذ مطلع تشرين أكتوبر احتجاجات واسعة وٌصفت بأنها الأكبر منذ سقوط نظام صدام حسين، أسفرت في موجتيها الأولى والثانية عن مقتل أكثر من 250 متظاهرا، إلى جانب سقوط الآلاف من الجرحى.
وطالب المحتجون في البداية بتحسين الخدمات العامة، وتوفير فرص عمل، ومكافحة الفساد، قبل أن يرتفع سقف مطالبهم إلى إسقاط الحكومة؛ إثر استخدام الجيش وقوات الأمن العنف المفرط بحقهم، وهو ما أقرت به الحكومة، ووعدت بمحاسبة المسؤولين عنه.
ومنذ بدء الاحتجاجات، تبنت حكومة عادل عبد المهدي عدة حزم إصلاحات في قطاعات متعددة، لكنها لم ترض المحتجين، الذين يصرون على إسقاط الحكومة.
ويسود استياء واسع في البلاد من تعامل الحكومة العنيف مع الاحتجاجات، فيما يعتقد مراقبون أن موجة الاحتجاجات الجديدة ستشكل ضغوطا متزايدة على حكومة عبد المهدي، وقد تؤدي في النهاية إلى الإطاحة بها.