أعلنت مصادر دبلوماسية أن الاتحاد الأوروبي سيؤجل خروج بريطانيا من التكتل حتى فبراير 2020 إذا عجز رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون عن إقناع البرلمان باتفاق الانسحاب هذا الأسبوع.
وقالت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، الأحد، نقلا عن مصادر دبلوماسية أن الاتحاد الأوروبي سيؤجل خروج بريطانيا من التكتل، ما يعني عدم حسم قريب للأمر، على خلاف الموعد الذي يعطيه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون.
وبحسب تقرير الصحيفة، فإن الاتحاد الأوروبي يريد أن يؤجل البريكست البريطاني حتى فبراير 2020، إذا عجز جونسون عن إقناع البرلمان باتفاق الانسحاب هذا الأسبوع.
وقالت الصحيفة نقلا عن مصادر دبلوماسية، إن التأجيل سيكون "مرنا"، ما يعني أن بريطانيا يمكن أن تنسحب من الاتحاد أول نوفمبر أو 15 ديسمبر أو يناير، إذا أقر البرلمان الاتفاق قبل انتهاء فترة التمديد.
وأضافت الصحيفة أنه لن يتم اتخاذ أي قرار بهذا الشأن، حتى تتاح لحكومات دول الاتحاد الأوروبي الفرصة لتقييم احتمالات إقرار الاتفاق في البرلمان البريطاني قبل الثلاثاء المقبل.
لا مشكلة
وأبلغ دبلوماسيون بالاتحاد الأوروبي الأحد، أنه استنادا إلى التطورات في لندن، فإن خيارات التمديد ستتراوح بين شهر إضافي، أي إلى آخر نوفمبر المقبل، ونصف عام أو أكثر.
ولا يرى وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير مشكلة في تأجيل اتخاذ القرار بشأن اتفاق خروج بريطانيا، قائلا لصحيفة "بيلد" الألمانية: "سيكون حلا جيدا ومنظما، عندما يتوجه (رئيس وزراء بريطانيا) بوريس جونسون حاليا للبرلمان ليبحث عن حل يتجاوز التوجهات الحزبية".
وأضاف الوزير: "إذا كان من الضروري تمديد (أجل البريسكت) لبضعة أسابيع، فليس لدي مشكلة مع ذلك"، ولكنه حذر في الوقت نفسه من أن يكون هناك مقامرة أخرى على السلطة في بريطانيا قد تعرض أماكن العمل والرخاء للخطر.
وقرر مجلس العموم البريطاني، مساء السبت، إرجاء التصويت على "بريكست"، من خلال إقرار تشريع معدل يدعو الحكومة بطلب مد الموعد المحدد آخر الشهر الجاري ، حيث صوت البرلمان بالموافقة على تشريع "تعديل ليتوين" الذي يلزم الحكومة البريطانية بطلب مد فترة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، بموافقة 322 عضوا، مقابل رفض 306 عضوا.
كان النواب قد أقروا في سبتمبر الماضي قانوناً جديداً، قدمه النائب من حزب العمال البريطاني هيلاري بن، يهدف إلى منع جونسون من المضي قدماً في إجراءات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق في 31 أكتوبر الحالي.
وثبت "قانون بن" أن على جونسون طلب تأجيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لمدة ثلاثة أشهر أخرى ما لم يتمكن من إبرام صفقة، أو من حث النواب على الموافقة على الخروج بدون اتفاق قبل حلول 19 أكتوبر.
وفي 19 أكتوبر، أقر مجلس النواب تعديلا على اتفاق جونسون الجديد بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تقدم به النائب المحافظ السابق، السير أوليفر ليتوين، يشير إلى أن النواب لن يقروا الاتفاق الجديد حتى يتم إقرار التشريعات التنفيذية له التي ينص عليه القانون البريطاني. وهذا التعديل وضع متطلبات "قانون بن" قيد التنفيذ بفاعلية.
وبعد إقرار القانون، أصر مسئول ملف "بريكست" من دون اتفاق في حكومة جونسون، مايكل غوف، على أن المملكة المتحدة ستغادر الاتحاد الأوروبي بحلول 31 أكتوبر، على الرغم من إرسال خطاب حكومي إلى بروكسل يطلب تأجيل ذلك.
وقال جونسون: "لن أتفاوض مع الاتحاد الأوروبي بشأن التأخير ولن يجبرني القانون على القيام بذلك" ، بيد أن القانون يُجبر رئيس الوزراء على طلب التمديد في رسالة (وحتى كلمات الرسالة ينبغي أن تكون مصاغة بدقة).
وتراجع جونسون، عن موقفه بشأن الرضوخ لقرار مجلس العموم البريطاني، بإلزام حكومته بتأجيل بريكست، وأرسل الرسالة غير الموقعة، إلى رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، يطلب فيها إرجاء موعد بريكست، بيد أن الطلب كان مصحوبًا برسالة ثانية، موقعة من رئيس الوزراء، تقول إنه يعتقد أن التأخير سيكون خطأ.
ومثل هذا الأمر قد يدفع دول الاتحاد الأوروبي إلى عدم منح التمديد لأنه يبدو من رسالة جونسون الثانية أنه ليس ما تريده حكومة المملكة المتحدة فعلياً ، إلا أن الاتحاد الأوروبي ظهر أكثر مرونة وتجاهل ببساطة الرسالة الثانية ومنح التمديد.
التمديد وإقالة جونسون
ومع موافقة الاتحاد الأوروبي على التمديد للخروج في فبراير بدل يناير 2020 ،سيكون لدى نواب بريطانيا سلطة رفض هذا الاقتراح، وبالتالي ترك بريطانيا لخيار الخروج من دون اتفاق.
فالبرلمان المنشطر بين معسكرين تجاه مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، نجح في استعادة السيطرة من سلطة تنفيذية يهيمن عليها عتاة "بريكست" في "حزب المحافظين"، وتسعى إلى حرق المراحل لتنفيذ طلاق نهائي مع الاتحاد قبل انتهاء مهلة 31 أكتوبر الجاري. وفي الحقيقة، لن يكون هناك اتفاق ذو قيمة ما لم يصادق عليه البرلمان، وهو ما حاول جونسون التحايل عليه عبر محاولته الفاشلة تعليق جلسات مجلس العموم، وحشد تأييد يمين المجلس لقبول مشروع اتفاقه من دون تمحيص.
ويميل المراقبون في لندن إلى الاعتقاد بأن جونسون سيناور مجدداً خلال الأسبوع الجاري لإقناع مجلس العموم بالتصويت على مشروع اتفاق "بريكست" كما هو، موزِّعاً لأجل ذلك الوعود البرّاقة والمتناقضة أحياناً على الأفرقاء السياسيين.
فجونسون وعد نواب "حزب العمّال" المعارض، بحماية حقوق العمّال البريطانيين بعد "بريكست"، وعدم التراجع عن مكتسباتهم القانونية وفق نظام الاتحاد الأوروبي، بينما وعد عتاة "البريكستيين" بقطيعة تامة مع تشريعات بروكسل، وتحرير قطاعات المال والخدمات من الرقابة اللصيقة.
لكن من الواضح الآن أن أجندة الرجل لا تخرج عن توجّه نخبوي الطابع يسعى إلى إدارة بريطانيا ظهرها للتكتل الأوروبي، والتشبيك المعمّق مع واشنطن اقتصادياً وسياسياً.
ويظل أحد الخيارات المتاحة أمام النواب الذين يعارضون خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بلا اتفاق، هو التصويت على حجب الثقة عن الحكومة .
وفي هذا السيناريو ، قد تُشكل حكومة بديلة وتستلم الإدارة من جونسون إذا أثبتت أنها تحظى بثقة غالبية النواب.
وفي العرف الحكومي البريطاني، سيقوم جونسون بزيارة الملكة لتقديم استقالته والتوصية بتعيين رئيس الحكومة البديلة.
ومن الناحية النظرية، يمكن لرئيس الوزراء أن يرفض مغادرة منصبه ويبقى مقيما في مقر رئاسة الوزراء في 10 دواننغ ستريت، وهذا الخيار قد يضع الملكة في موقف غير مسبوق لأنها قد تضطر إلى إقالته.