انطلقت في مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان، الاثنين، مفاوضات السلام بين الحكومة الانتقالية السودانية والحركات المسلحة، والتي تهدف إلى إنهاء الحروب الأهلية الدائرة في أجزاء متفرقة من البلاد منذ سنوات.
وبعد عزل الرئيس السابق عمر البشير، تقدم رئيس دولة الجنوب سلفاكير ميارديت، بمبادرة للتوسط بين المجلس العسكري والحركات المسلحة السودانية، لطي ملف النزاع والتوصل إلى تسوية سلمية تعزز فرص الانتقال الديمقراطي في السودان.
وتوصلت الأطراف في أغسطس الماضي لإعلان مبادئ، يقضي بإطلاق سراح المحكومين والمعتقلين من قيادات الحركات المسلحة، وتوصيل المساعدات للمتضررين من الحرب في كل من جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتأخير تكوين حكومات الولايات إلى حين التوصل لاتفاق سلام ووقف إطلاق النار.
ووقعت الحكومة السودانية، في 11 سبتمبر الماضي، على تفاهمات منفصلة، مع الجبهة الثورية، والحركة الشعبية لتحرير السودان/شمال، قيادة عبد العزيز الحلو، تضمنت إجراءات تمهيدية لبناء الثقة، توطئة للدخول في المفاوضات الحالية.
الجلسة الافتاحية
وتأتي المباحثات في ظل أجواء تفاؤلية، وبدأت المفاوضات بجلسة افتتاحية حضرها الرئيس الأوغندي يوري موسفيني ورئيس وزراء اثيويبا إبيي أحمد ورئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي.
وترأس الجلسة الافتتاحية رئيس حكومة جنوب السودان سلفاكير ميارديت وعبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني.
وأكد عبد الفتاح البرهان في كلمته خلال الجلسة، بأنهم ملتزمون بالتوصل للسلام في موعد محدد.
وأبدى رئيس المجلس السيادي السوداني تطلعه لأن تكون هذه الجولة فرصة لوضع حل نهائي لأزمة الحكم في السودان.
وأشار البرهان إلى ضرورة وضع كل القضايا على الطاولة ليتم وضع حل نهائي.
من جانبه، قال رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد في كلمته إن حوار جوبا هو تكملة للمصالحة الوطنية التي نشأت بفعل الثورة السودانية، ويجب علينا في منطقتنا الأفريقية أن نعتمد الحوار سبيل وحيد لحل جميع مشاكلنا فبالحوار تم المصالحة مع إرتريا.
وقال رئيس حكومة الجنوب سلفاكير مياريت، "المشاكل السياسية لاتحل عبر البندقية والحلول لا يمكن أن تكون فردية هي نتاج لحوار الجميع."
وأضاف "أطالبكم بالتفاوض بجدية وتقديم التنازلات المتبادلة وصولا للسلام".
من جهته، أكد رئيس يوغندا يوري موسفيني، على ضرورة معالجة خطأ التشخيص للازمة السودانية وعدم انفاق وقت طويل.
وأضاف موسفيني، المشكلة واضحة ولا تحتاج لكل هذا الوقت ويجب تقديم المصلحة. ودعا المتفاوضين لعدم اضاعة الوقت والوصول لحلول سريعة لمصلحة الشعب السوداني.
من جانبه، أوضح رئيس الجبهة الثورية، الهادي إدريس أن الثورة السودانية أوجدت مناخا مناسبا للسلام، وأنه قد حان الوقت لتجاوز اخفاقات الماضي وانهاء التهميش ومخاطبة جذور الأزمة.
وأضاف بأن الحبهة الثورية تعلن عن استعدادها لتفاوض جوبا وملتزمة بإعلان جوبا.
الفصائل المشتركة في المفاوضات
تتمثّل الحكومة السودانية بوفدٍ يرأسه الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عضو مجلس السيادة، ويضم كلاً من الفريق شمس الدين كباشي، والفريق ياسر العطا، عضوي مجلس السيادة من العسكريين.
ويضم الوفد من المدنيين محمد الفكي سليمان ومحمد حسن التعايشي، ومن مجلس الوزراء، وزير رئاسة مجلس الوزراء عمر مانيس، ووزير الحكم الاتحادي يوسف آدم الضي، إضافة إلى رئيس مفوضية السلام سليمان آدم الدبيلو، فيما يشارك في الجلسة الافتتاحية رئيس مجلس السيادة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وعددٌ من رؤساء الدول الأفريقية.
أما المجموعات المسلحة، فتشارك بوفدين، الأول يمثل "الجبهة الثورية"، وهي تحالف لحركات مسلحة أبرزها "الحركة الشعبية - فصيل عقار"، وحركة "العدل والمساواة" برئاسة مني أركو ميناوي، وحركة "العدل والمساواة" بزعامة جبريل إبراهيم، ويقود الوفد الهادي إدريس، رئيس الجبهة، بينما تتمثل "الحركة الشعبية" بزعامة الفريق عبد العزيز الحلو بوفدٍ منفصل يقوده عمار أمون.
فيما تُعد "حركة تحرير السودان" بزعامة عبد الواحد محمد نور، أبرز الغائبين عن جولة التفاوض، إذ ترفض الحركة الجلوس مع العسكريين الذين تعتبرهم امتداداً لنظام البشير.
مسارات التفاوض
من المتوقع أن تُجرى المفاوضات عبر مسارين منفصلين، مسار تفاوض بين الحكومة و"الجبهة الثورية"، وآخر بين الحكومة و"الحركة الشعبية - فصيل الحلو".
وعلى الرغم من أن "الجبهة الثورية" وفصيل الحلو يشتركان في دوافعهما للقتال، إلا أن الطرفين يختلفان في سقوفهما التفاوضية.
ففي الوقت الذي يُرجَح فيه أن تطرح "الجبهة الثورية" موضوع الحكم الذاتي لمناطق الحرب، يتوقع أن يطالب فصيل الحلو بتقرير المصير لمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق.
وتقاتل كل من "حركة تحرير السودان" و"العدل والمساواة" منذ عام 2003 في إقليم دارفور، بحثاً عن قسمة عادلة للثروة القومية، ومشاركة الإقليم في السلطة، فضلاً عن منح استقلالية من المركز أكثر من غيره من الأقاليم.
كما تطالب تلك الحركات بإنهاء ما تعتبره تهميشاً طاول الإقليم منذ استقلال السودان 1956.
الأسباب ذاتها دفعت "الحركة الشعبية - قطاع الشمال" إلى القتال في كل من منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، لكن "قطاع الشمال" شهد هزة حينما انقسم قبل ثلاث سنوات إلى فصيلين، الأول بقيادة الفريق عبد العزيز الحلو، ويتركز ثقله السياسي والعسكري في جنوب كردفان، وآخر بزعامة مالك عقار، ويتركز في منطقة النيل الأزرق.
وفي 11 سبتمبر الماضي، وقّعت الأطراف نفسها في مدينة جوبا على إعلان مبادئ، بغرض تهيئة المناخ للتفاوض.
وقضى الإعلان بإطلاق سراح قيادات من المتمردين محكوم عليهم بالإعدام وأحكام أخرى، كما قضى بالسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الحرب في مناطق النزاع في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وتأخير تشكيل حكومات الولايات إلى حين التوصل إلى اتفاق سلام ووقف لإطلاق النار، مع وضع إطار للتفاوض النهائي خاص بمعالجة جذور الأزمات التي اندلعت بسببها الحرب في المنطقة.
إجراءات ولقاءات استباقية
واستبق مجلس السيادة بدء التفاوض بتعيين خبير في مجال التعايش الاجتماعي، هو سليمان الدبيلو، رئيساً لمفوضية السلام، التي نصّت الوثيقة الدستورية على إنشائها للإشراف على عملية السلام.
كذلك استبق رئيس الوزراء عبد الله حمدوك المفاوضات باجتماع نادر مع رئيس حركة "العدل والمساواة" جبريل إبراهيم، على هامش زيارته إلى أديس أبابا، نهاية الأسبوع الماضي.
يشار إلى ان المفاوضات تحظى بالتزام دستوري بين مكونات السلطة الانتقالية الثلاثة، ممثلة في المؤسسة العسكرية، وقوى إعلان الحرية والتغيير، والحركات المسلحة، وفقاً لما تضمنته الوثيقة الدستورية من اتفاق إعلان المبادئ الموقع بين المجلس السيادي وبعض الحركات المسلحة في جوبا في الحادي عشر من سبتمبر الماضي، واتفاق أديس أبابا بين الجبهة الثورية وقوى التغيير المبرم في الخامس والعشرين من يوليو الماضي.
وتنص الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية على إنشاء مفوضية للسلام وأربع مفوضيات أخرى خلال الفترة الانتقالية، أوكلت مهمة اختيار رئيسها وأعضائها للتشاور بين قوى إعلان الحرية والتغيير والمكون العسكري بالمجلس السيادي.