في تطور يزيد من تعقيد وغموض المشهد السياسي في تونس، أثار قرار القضاء التونسي، رفض الإفراج عن المرشح الرئاسي نبيل القروي الصاعد إلى الدور الثاني، موجة من ردود الفعل الغاضبة، تبعها رسالة من القروي من داخل محبسه لحزب النهضة.
وأعلنت متحدثة باسم حملة المرشح الرئاسي التونسي، نبيل القروي، أن محكمة الاستئناف في العاصمة تونس، رفضت ، مساء الثلاثاء ، مطلب الإفراج عنه.
وجاء ذلك في تصريحات المتحدثة :"إن المكتب السياسي للحزب («قلب تونس» الذي يقوده القروي) سيجتمع في وقت لاحق، لتحديد ما يجب عمله تجاه هذا القرار"، دون تحديد موعد دقيق.
النهضة تخطف مترشحا للرئاسة
واتهم محامي القروي رضا بالحاج حركة النهضة بالضلوع بتعطيل الإفراج عن موكله واصفًا القرار بالسياسي.
وشدّد رضا بالحاج على أن ”جزءًا من القضاء التونسي يعمل لصالح حركة النهضة الإسلامية، بهدف تعطيل الانتقال الديمقراطي“.
واعتبر عضو هيئة الدفاع عن القروي أن حركة النهضة "تختطف مترشحًا للدور الثاني من رئاسيات تونس تحت غطاء قضائي ”، وفق تعبيره .
ووصف ”بالحاج“ ما تقوم به حركة النهضة بـ ”الخطر الكبير“ ، مشدّدًا على أن قرار رفض الإفراج عن القروي شارك فيه قضاة يعملون لصالح النهضة، بحسب قوله.
من جهته اعتبر عماد بن حليمة، عضو هيئة الدفاع عن القروي، أن قرار المحكمة له تداعيات خطيرة، منها إجراء الانتخابات التشريعية والقروي في السجن.
بدوره، قال القيادي في حزب قلب تونس، أسامة الخليفي:“إن عدم الإفراج عن السجين السياسي نبيل القروي يثير شكوكًا حول المسار الانتخابي في البلاد“.
إمكانية الطعن
ومن جهته، قال رئيس الهيئة نبيل بفون في تصريحات سابقة لقناة فرانس24 "هناك إمكانية للطعن في سلامة العملية الانتخابية إن تواصل هذا الحال إلى يوم الاقتراع في الدورة الثانية. نخشى أن يكون للمحكمة الإدارية قول مغاير قد يمس الدورة الثانية".
وتابع بفون "ندعو القضاء لإعطاء المرشح نبيل القروي حقه في إجراء حملته الانتخابية".
وطالبت الهيئة وشخصيات حقوقية وسياسيون ومراقبون دوليون بالمساواة بين المرشحين.
وأثار توقيف القروي قبيل انطلاق الحملة الانتخابية العديد من الانتقادات والتساؤلات حول "توظيف القضاء" لأهداف سياسية.
وكانت حملة القروي الانتخابية اتهمت رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالوقوف وراء سجنه لكن الأخير ينفي ذلك.
ولم تنظر المحكمة الأسبوع المنقضي، في طلب الإفراج الذي قدمه محامو القروي؛ بسبب إضراب القضاة، وقررت تأجيل الجلسة للأربعاء، قبل أن يتقرر عقدها الثلاثاء.
وجرى إيقاف القروي، في 23 أغسطس الماضي، على خلفية شكوى ضده تقدمت بها منظمة «أنا يقظ» المحلية (غير حكومية) تتهمه فيها بـ»الفساد»، وهو ما ينفيه على لسان محاميه.
وفي 17 سبتمبر الماضي، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تأهل المرشح المستقل قيس بن سعيّد، وهو أستاذ قانون دستوري، إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية بنسبة 18.4 بالمئة من الأصوات، وكذلك القروي بنسبة 15.58 بالمئة.
وحددت الهيئة مبدئياً الـ13 من أكتوبر الجاري موعداً لإجراء الجولة الثانية من الانتخابات بين سعيّد والقروي.
والقروي شخصية معروفة لكنها مثيرة للجدل، وألقي القبض عليه قبل أسابيع من الانتخابات، كما أن القروي مالك تلفزيون (نسمة)، ومؤسس جمعية خيرية، تركز على تخفيف معاناة الفقراء.
رسالة القروي للغنوشي
وفي رسالة تعتبر الموقف الأول للقروي بعد قرار دائرة الاتهام في محكمة الاستئناف برفض الإفراج عنه، عشية بدء الحملة الانتخابية للانتخابات الرئاسية في جولتها الثانية، والمقرر اجراؤها في الثالث عشر من هذا الشهر.
نشرت الصفحة الرسمية لزعيم حزب "قلب تونس" والمرشح الرئاسي في انتخابات تونس رسالة على موقع فيسبوك، رد من خلالها نبيل القروي على الحملة التي يشنها عليه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.
ورد القروي بشكل مباشر على الحملة التي يشنها الغنوشي على حزب قلب تونس خلال حملته الانتخابية الخاصة بالانتخابات التشريعية التي ستنظم في السادس من أكتوبر.
وقال نبيل القروي في الرسالة متوجها إلى الغنوشي: "لقد أوهمكم وجودي في زنزانتي بأنّي في موقف ضعف ففاجأتمونا بتصريحات لمهاجمتنا شخصيّا ومن خلالي مهاجمة أكثر من نصف مليون تونسي، ومهاجمة حزب قلب تونس بتسلّط وتجنّ وإعلان مساندتكم للسيد قيس سعيد وأنّه لا يمكنكم التّحالف مع حزب قلب تونس بسبب وجود شبهة فساد".
وأضاف القروي: "موقفكم هذا يندرج في سياستكم المبنيّة على المغالطة والتّضليل. فكل ما في الأمر هو أنّني أرفض التحالف معكم ومع حزبكم وأكبر دليل على هذا أنّني لا أزال سجينا ولأسباب معلومة".
واضاف القروي في الرسالة: "أرفض التحالف معكم ومع حزبكم حركة النهضة لما تعلّقت بكم من شبهات قويّة معزّزة بملفّات جديّة يعلمها العام والخاص بسبب جرائم خطيرة في حق الوطن والشّعب التونسي جراء الاغتيالات وذهب ضحيّتها الشهيد شكري بلعيد والشهيد محمد البراهمي والشهيد لطفي نقض وخيرة شباب تونس من أمنيّين وجنود ومدنيّين عزّل".
وأكد القروي رفضه التّحالف مع الغنوشي وحركة النهضة "بعد أن تواطأتم في التغرير بشباب تونس وتسفيرهم إلى محرقة سوريا، وأصبحت تونس جرّاء ذلك تصنّف ضمن البلدان المصدّرة للإرهاب"، وذلك وفق ما ورد في رسالة القروي.
واضاف: "أرفض التحالف معكم ومع شركائكم في الحكومة لأنّكم استغلّيتم الديمقراطيّة ومؤسّسات الدّولة وحاولتم تمرير قانونا إقصائيّا مخالفا للدستور بهدف السّطو على إرادة الشّعب التّونسي والانفراد بالحكم للبقاء فيه ومنع التّداول السلمي على السلطة".
ومكررا كلمة "أرفض التحالف معكم"، قال القروي: "أرفض التحالف معكم لأنّكم لجأتم مع حلفائكم في الحكومة إلى الجناح القضائي لتنظيمكم السرّي لإيقافي ثمّ إبقائي في السجن وإقصائي وتغييبي من الساحة السياسيّة. لكن هذه المرّة اصطدمتم بإرادة شعب تونس العظيم والواعي والذي رفض ظلمكم وأفسد برنامجكم وانتخبني لأكون في الدّور الثاني للرئاسيّة".
"كما أفشلت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات والمحكمة الإداريّة مشروعكم وتصدّت كلّ القوى الحيّة لضغوطاتكم ولسعيكم لإسقاط كلمة الشعب والنيل من إرادته الحرّة وتنفيذ هدفكم الرّئيسي الرّامي إلى الانقلاب على المسار الانتخابي والاستيلاء على السّلطة عبر مخطّطات ترمي إلى الإلقاء بتونس في المجهول".
وأردف: "أرفض التحالف معكم ومع حزبكم لأنّ حصيلة حكمكم مدّة ثمان سنوات، وخاصّة الثلاثة الأخيرة منها.. أضرّت بالشعب وأتت على الأخضر واليابس".
وتابع القروي: "أرفض التحالف معكم ومع حزبكم لأنّكم لا تروا حرجا ولا حياء في الحديث عن الثّورة وعن مقاومة الفساد رغم كلّ ما تعلّق بكم وبحزبكم من تهم وشبهات بشهادة أقرب مستشاريكم وأغلب الشرفاء من قيادات حزبك وقواعده".
وتابع: "أرفض التحالف معكم ومع حزبكم ،لأنّ مشروعكم يتعارض مع مشروعنا ومع مصلحة الشعب التونسي، فمشروعنا هو ميثاق وطني ضدّ الفقر ودستور اقتصادي وتحسين وتحصين للقدرة الشرائيّة وتحرير للطاقات الشبابية والنهوض بالاقتصاد ومقاومة البطالة بينما مشروعكم هو الاصطفاف وراء جهات تموّلكم وتربطكم بها إيديولوجيات تقدّمون خدمتها ومصالحها على خدمة ومصالح الشعب التونسي".
وختم القروي رسالته بالقول: إنّ كلّ من يرى حصيلة حكمكم مع حلفائكم في الحكومة، وخيانتكم للشعب الذي أكرمكم وبجّلكم يدرك أنّه لا يمكن التحالف معكم ونحن متمسّكون بتطبيق مشروعنا لإنقاذ البلاد وإصلاح ما أفسدتموه وهدّمتموه".
مناظرة خلف القضبان
ويوم الجمعة 20 سبتمبر 2019، أعلن التلفزيون التونسي أن «الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري»، وافقت على تمكين القروي، من المشاركة بمناظرات الجولة الثانية للاقتراع.
وذكر بيان للهيئة أنَّ «الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري (هايكا)، وافقت على طلب تمكين مرشح للانتخابات الرئاسية نبيل القروي، من تسجيل حصص التعبير المباشر والمشاركة في المناظرات المبرمجة في الدور الثاني».
وأوضح التلفزيون أن المشاركة ستكون «إما بالحضور في استوديوهاته المركزية، أو التسجيل، أو عبر البث المباشر من المؤسسة السجنية التي يقيم فيها» القروي.
وتابع أنه «وجّه إثر هذه الموافقة مراسلات في الغرض، إلى كل من وزارة العدل والإدارة العامة للسجون والإصلاح، وقاضي التحقيق المتعهد بالقضية، والوكيل العام لمحكمة الاستئناف».
و«العليا المستقلة للاتصال السمعي البصَري»، المعروفة اختصاراً باسم «هايكا»، هي هيئة دستورية معنية بتنظيم المشهد الإعلامي السمعي والبصري في تونس.