أثار استدعاء العاهل المغربي الملك محمد السادس ، لرئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني ،لسؤاله بشأن اتصالاته مع الأحزاب لإدخال تعديلات على حكومته، بناء على ما ورد في خطاب ملكي نهاية يوليو الماضي ، التساؤلات حول حول مصير الحكومة المغربية التي يقودها حزب ”العدالة والتنمية“ الإسلامي.
وقال بلاغ للقصر الملكي إن الملك استفسر من رئيس الحكومة عن "التقدم في تفعيل التوجيهات الملكية الواردة في خطاب العرش لسنة 2019" واقتراحات رئيس الحكومة بخصوص "تجديد وإغناء مناصب المسئولية، سواء على مستوى الحكومة أو الإدارة"، والتي سبق أن صدرت بشأنها توجيهات من الملك إلى رئيس الحكومة.
العثماني: الكفاءات داخل الحزب
وظهر العثماني بعد خروجه من القصر الملكي، حسب أوساطه، مطمئناً لمسار تشكيل النسخة الثانية من حكومته، وذلك في لقاء مع أعضاء حزبه بالرباط، تحدث خلاله لأول مرة عن بعض المعطيات المتعلقة بسير تشكيل الحكومة.
وقال العثماني إن أعضاء الحكومة بعد التعديل سيتقلص بالثلث، وهو ما يعني أن 13 عضواً في الحكومة الحالية على الأقل سيغادرونها، لتتعزز بكفاءات جديدة.
ما يعني أن أعضاء الحكومة سيصل إلى حوالي 26 عضواً، فيما الأسماء لم تحسم بعد، ليتأكد أن رئيس الحكومة لم يقدم للملك أي مقترحات أسماء .
وحرص العثماني خلال اللقاء الحزبي على طمأنة أعضاء حزبه إلى أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، وأن الحكومة سيعلن عنها في الآجال المحددة.
وأوضح العثماني، في خطاب ألقاه مساء الأحد، أنّ مشاوراته الخاصة بتنفيذ التعديل الوزاري الذي أمر به الملك أنهت مرحلتها الأولى، "وسندخل إلى المرحلة الثانية بعد عودتي من أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي كلفني جلالة الملك بحضور أشغالها" في نيويورك الأمريكية.
وأضاف رئيس الحكومة، الذي كان في ضيافة الكتابة الجهوية لحزب "العدالة والتنمية" بمدينة الدار البيضاء، أنّ المرحلة الأولى من التعديل الوزاري همّت تقليص عدد الوزراء، مشدداً على أنّ "هذه المرحلة اتسمت بتدبير سليم وداخل الآجال، أي دون تأخير".
وأكد العثماني، الذي حضر اللقاء المنظم بشراكة مع منظمة نساء "العدالة والتنمية"؛ الحزب الذي يتولى منصب أمانته العامة، أنّ المرحلة الثانية من مشاورات التعديل الوزاري "ستقدم فيها الأحزاب ما عندها من كفاءات، والمقصود هنا كفاءات داخل الأحزاب وليس خارجها، فجلالة الملك تحدث عن كفاءات داخل الأحزاب وليس عكس ما ذهب إليه البعض"، حسب ما نشره الموقع الرسمي للحزب نقلاً عن أمينه العام.
وأكد العثماني أنه "يسعى إلى تعزيز مكانة المرأة داخل هيكلة الحكومة الجديدة"، مشيرا إلى أنه "يُحاول أيضا معالجة مسألة تجديد المسؤوليات الحكومية والإدارية التي تحدث عنها الملك، بما يسهم في تطوير تدبير الشأن العام، ومن ثمة رفع الإيقاع والأداء، الأمر الذي سينعكس على مصلحة المواطنين".
وشدّد العثماني، في المناسبة ذاتها، على أنّ مرجعية حزبه "هي الثابت الذي لا يجب أن يتغير، ولا يمكن أن يكون فيه تساهل، فهي مرجعية متأصلة ومتجذرة وهي أساس اجتماعنا واشتغالنا"، في إشارة منه إلى المرجعية الإسلامية.
ولم تخلُ كلمة الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" من شكوى من الاستهداف السياسي، حيث قال إنّ "هناك من يعمل بإتقان على نشر التيئيس والتبخيس، مما يجعل عملية إقناع المواطنين صعبة، لكن نحن في العمل السياسي لا بد لنا دائماً من بث الأمل وعدم اليأس، بل لا بد من النضال والعمل الميداني المستمر والقرب من المواطنين".
ولم يُفوّت رئيس الحكومة الفرصة من أجل الدفاع عن حصيلته الحكومية، معتبرا أن "المغرب حقق قفزات مهمة على المستوى الاقتصادي على الأقل، سواء تعلق الأمر البنيات التحتية أو الاستثمارات؛ لكن المستوى الاجتماعي يعتريه الخصاص، الأمر الذي نحتاج معه إلى دعم القدرة الشرائية للفئات الفقيرة والهشة".
هل يواجه سيناريو بنكيران؟
وفي مقابل تطمينات العثماني على سير التعديلات ، أوردت مجلة ”الأسبوع الصحفي“ المغربية في عددها الأخير، أن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، "يستنجد بالملك محمد السادس لتفادي المسلسل الذي أسقط عبدالإله بنكيران".
ونقلت المجلة عن من اسمته "مصدرًا رفيع المستوى أن رئيس الحكومة أبلغ رفاقًا محدودين في الأمانة العامة لحزبه بجميع الصعوبات التي تعترض مشاوراته الأولية حول تعديل الحكومة".
وبين المصدر أن "العثماني الذي اقترح أولًا على زعماء أغلبيته ضرورة تقليص عدد الحقائب، ووجه بصلابة شديدة من طرف كل من إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، ونبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، وعزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، أثناء محاولاته تخفيف وزن الحكومة، من خلال عرض قرار تخفيض عدد الحقائب الوزارية، إذ إن الكل قبل بالمبدأ غير أنهم يرفضون دفع ثمن ذلك".
وشدد المصدر، على أن "زعماء الأغلبية رفضوا تطبيق الاقتراح الذي طرحه العثماني المتمثل في تنازل حزبه عن كتابتين للدولة، وعليه نصح قياديون من الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، سعد الدين العثماني، برفع مذكرة استعطافية في الموضوع للديوان الملكي، والذي تفاعل مع هذه المستجدات".
ويعيد هذا السيناريو إلى الأذهان ما حدث عندما تم إعفاء عبدالإله بنكيران الذي فشل في تشكيل حكومته في عام 2017 فعقب فوز "العدالة والتنمية" بالانتخابات البرلمانية الأخيرة 2016عين الملك محمد السادس عبد الإله بن كيران الأمين العام للحزب كرئيس حكومة وأمره بتشكيل حكومته.
ومرت ستة أشهر على الانتخابات ولم ينجح بنكيران في تشكيل حكومته، بعد تعثرات واجهته في المشاورات الحكومية خاصة بين حزبي « الاتحاد الاشتراكي " والتجمع الوطني للأحرار" حيث وصل بنكيران للباب المسدود.
وبعدما تعذر على بنكيران تكوين أغلبية حكومية، أعفى بنكيران من طرف الملك محمد السادس من مهامه كرئيس حكومة، ليعين الملك سعد الدين العثماني، خلفا له الذي استطاع تشكيل الأغلبية الحكومية من ستة أحزاب سياسية .
إلا أن الأستاذ الجامعي و المحلل السياسي عبد الرحيم منار السليمي يرى أنه من الصعب جدا أن يساق العثماني إلى سيناريو على شاكلة ما وقع لبنكيران.
واعتبر السليمي في تصريحات صحفية "أن لا حزب ما من مكونات الأغلبية له القوة الكافية اليوم لكي يقوم بذلك" ، مشيراً إلى أن السياق مختلف و كل حزب من أحزاب الأغلبية يبحث في هذه اللحظة عن النجاة من الغرق ،وهذا الشعور موجود عند الحزبين الرئيسيين في التحالف الحكومي : العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار".
وتابع:"العثماني يمكنه توظيف هذا البلوكاج ( العرقلة) في حالة حدوثه في البحث عن منفذ الذهاب نحو انتخابات سابقة لاوانها،وهي فرضية اذا تحققت الان ستكون مدخل انقاذ لحزب العدالة والتنمية قبل غرقه النهائي بعد سنتين في حالة استمراره في قيادة الحكومة الحالية لان السنتان المقبلتان مصيريتان من عمر العدالة والتنمية ، وبالمقابل ،يبحث التجمع الوطني للأحرار عن صيغة لانقاذ نفسه من تحمل تبعات الأداء الضعيف لحكومة العثماني ،لذلك قد يكون السيناريو الذي يفكر فيه للنجاة هو مغادرة حكومة العثماني".
وخلص إلى أنه إذا فكر التجمع الوطني للأحرار بشكل جيد في الانتخابات القادمة فانه سيختار مغادرة حكومة العثماني مع إعطاء ضمانات العثماني بممارسة "معارضة نقدية " في مجلس النواب ،وبذلك يترك المغاربة يكتشفون بوضوح طريقة تسيير العدالة والتنمية للحكومة دون التجمع الوطني للأحرار.
وكان مصدر مطلع من داخل حزب التجمع الوطني للأحرار قد قال في تصرحات تلفزيونية أن رئيس الحزب لا يمارس أي "بلوكاج حكومي"، كما يروج لذلك عدد من الأشخاص في الكواليس.
وأشار المصدر أن الحزب ليس له أي مصلحة في العرقلة وليست من شيمه بتاتا، مؤكدا أن رئيس الحزب “عزيز أخنوش”، يساهم بشكل إيجابي في مسار مشاورات التعديل الحكومي، ويسهل من مأمورية رئيس الحكومة، في تشكيل حكومة الكفاءات وتعديلها وفق الإرادة الملكية، ويضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، يقول المصدر.
ويرى المحلل السياسي، محمد الفتوحي، أن "استقبال الملك محمد السادس لرئيس حكومته يدخل في إطار ممارسته لصلاحياته الدستورية، وحرصه على التسريع بتفعيل مقتضيات خطاب العرش".
وأضاف لـ"إرم نيوز"، إنه "استنادًا للمعلومات الرائجة في التقارير الإعلامية المغربية، فإن العثماني أمام خيارين مصيريين، إما تقديم النسخة الثانية من حكومته على طاولة البلاط الملكي، أو إعلان فشله في مهمته وطلبه الإعفاء الملكي".
وأضاف الفتوحي، أن "الاستقبال الملكي يحمل مجموعة من الدلالات، فالجهات العليا في البلاد ترفض بشكل مطلق تكرار سيناريو عبدالإله بنكيران الذي أدخل البلاد لأشهر طويلة في مرحلة الجمود، وأن التعديل الوزاري المرتقب بات أمرًا مُلّحًا لمجموعة من الأسباب أولها أن الملك أدرك أن التركيبة الحكومية الحالية لا تتماشى مع المرحلة المقبلة، وأن خطاب العرش الأخير كان واضحًا إذ طالب بالكفاءات في شتى المجالات تماشيًا مع مغرب الغد".