بالتوازي مع التحليلات السياسية للهجمات التي استهدفت منشأتي نفط تابعتين لشركة "أرامكو" السعودية، في بقيق وخريص، شرقي المملكة، قبل نحو أسبوع، كانت ثمة تحليلات عسكرية ترى فيما حدث أمرا بالغ التطور، وزادت أهمية تلك التحليلات بعد إعلان واشنطن والرياض أن تحقيقاتهما أثبتت أن طهران هي من نفذت الهجمات، باستخدام طائرات مسيرة مفخخة، وصواريخ كروز مجنحة.
مبعث الاهتمام العسكري هنا كان مدى الدقة التي اتضحت بعد الهجوم، حيث بدا أن الطائرات المسيرة والصواريخ لم تطلق لتصيب المنشآت النفطية في أي مكان، لكنها أصابت أماكن شديدة الحساسية منها، تسببت فعليا بإخراجها من الخدمة، لدرجة دفعت السعودية إلى الاعتراف سريعا بأنها فقدت نصف إنتاجها من النفط والغاز.
ورغم دقة إصابة الأهداف، توصل عسكريون إلى أن المهاجمون، سواء كانت إيران أو الحوثيين، استخدموا نظاما لتوجيه قذائفهم، متاح للاستخدام الشخصي والتجاري على نطاق واسع، وهو نظام تحديد المواقع العالمي GPS، وهو ما يعني أن إيران، في حال صحة مسؤوليتها عن الهجمات، باتت تتجاوز مسألة نقص التمويل في تطوير ترسانتها الهجومية، وهو المقص الذي تسببت فيه العقوبات الأمريكية القاسية على طهران، وبات لديها بدائل عسكرية حقيقية، نجحت في تجاوز أنظمة دفاعية أمريكية وغربية بمليارات الدولارات اشترتها السعودية لحمايتها.
ويرى المحلل العسكري الأمريكي، الجنرال "جاك كين" أنه إذا كانت إيران مسؤولة في الواقع عن الهجوم الأخير على منشآت النفط السعودية، سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلائها في اليمن، فإن ذلك يشير إلى أن صواريخ كروز الإيرانية، والطائرات بدون طيار لديها، أصبحت أكثر تطورا.
قدرات صواريخ كروز
ويضيف "كين"، في تصريحات نقلتها شبكة "فوكس نيوز": "على عكس برنامج الصواريخ الباليستية، الذي يحظى باهتمام دولي كبير، ظلت قدرات صواريخ كروز الإيرانية بعيدة عن النقاش، وقد يتغير هذا بعد الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للنفط في شرق المملكة العربية السعودية، والتي حدثت دون استخدام سلاح باليستي".
ويتابع: "بفضل قدراتها الدقيقة، فمن المحتمل أن يكون لصواريخ كروز الإيرانية آثار كبيرة على توازن القوى العسكري في الخليج العربي".
وعلى الرغم من أن إيران تمتلك واحدة من أكبر ترسانات الصواريخ الباليستية في العالم، إلا أنها محدودة في استخدامها. وفي حين أن لديها صواريخ يمكنها ضرب أهداف تصل إلى 2000 كيلومتر، إلا أن معظمها ذو دقة محدودة.
ولدى خصوم إيران في جميع أنحاء الخليج، بما في ذلك القوات الأمريكية المنتشرة في دول مثل البحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة، أنظمة دفاع صاروخي واسعة النطاق.
وعلى مدار العقد الماضي أو نحو ذلك، بذلت إيران جهودا متضافرة لتحسين دقة صواريخها الباليستية ذات المدى الأقصر. ولكن رغم حدوث بعض التطورات، تظل قدرات الهجوم التي توفرها هذه الصواريخ الباليستية محدودة. وفي الوقت نفسه، لا تزال القيود المالية المستمرة، والآثار الكثيرة للعقوبات الدولية، تعرقل الجهود الإيرانية لتطوير سلاحها الجوي المتهالك.
وفي هذا السياق، توفر صواريخ كروز ونظيراتها، مثل الطائرات بدون طيار "الانتحارية" قدرات بديلة لإيران قد تحل محل صواريخها الباليستية وتكمل منظومتها، ولجميع النوايا والأغراض، ويعد كلا السلاحين بالأساس عبارة عن طائرة بدون طيار مصممة لاقتحام أهداف على الأرض.
وليس من المفاجئ أن تكون إيران قد طورت كلتا القوتين.
عبء الصواريخ الباليستية
ويقول الخبير العسكري الروسي "فلاديسلاف شوريغين"، إنه، وعلى مدار العقد الماضي أو نحو ذلك، بذلت إيران جهودا متضافرة لتحسين دقة صواريخها الباليستية ذات المدى الأقصر، ولكن رغم حدوث بعض التطورات، تظل قدرات الهجوم التي توفرها هذه الصواريخ الباليستية محدودة.
ويضيف: في الوقت نفسه، لا تزال القيود المالية المستمرة، والآثار الكثيرة للعقوبات الدولية، تعرقل الجهود الإيرانية لتطوير سلاحها الجوي المتهالك.
وفي هذا السياق، يرى "شوريغين" أن صواريخ كروز ونظيراتها، مثل الطائرات بدون طيار (الانتحارية) قدرات بديلة لإيران قد تحل محل صواريخها الباليستية وتكمل منظومتها، ولجميع النوايا والأغراض، ويعد كلا السلاحين بالأساس عبارة عن طائرة بدون طيار مصممة لاقتحام أهداف على الأرض، وليس من المفاجئ أن تكون إيران قد طورت كلتا القوتين.
"سومار" و "هويزة"
وفي عام 2015، كشفت إيران عن صاروخ كروز يدعى "سومار"، وقد تم تصميمه بناءً على عشرات صواريخ كروز من طراز "Kh-55" من الحقبة السوفيتية، كانت إيران قد حصلت عليها من أوكرانيا عام 2001.
وقد أظهر الكشف عن "سومار" أن إيران نجحت خلال ما يزيد قليلا عن عقد من الزمان في بناء صاروخ كروز خاص بها يشبه "توماهوك" الأمريكي.
ولكن لا يزال هناك عدم يقين بشأن مدى الصاروخ، بالنظر إلى أن "Kh-55" كانت مُجهزة أصلا بمحرك نفاث صغير، وهي تكنولوجيا دفع لم يكن من المعروف أن إيران تنتجها في ذلك الوقت.
وزعمت إيران أن صاروخ كروز الجديد، الذي من المحتمل أن يكون مزودا بمحرك نفاث إيراني الصنع، يبلغ مداه نحو 700 كم.
وفي وقت سابق من هذا العام، في فبراير، كشفت إيران عن صاروخ كروز آخر، أطلقت عليه اسم "هويزة"، والذي بدا متطابقا مع المظهر الخارجي لـ"سومار". ومع ذلك، ادعى المسؤولون الإيرانيون أن الصاروخ الجديد يبلغ مداه 1350 كيلومترا، وذلك بفضل محرك نفاث "تربوفان" متطور على ما يبدو.
وطورت إيران أيضا العديد من الطائرات بدون طيار التي توفر قدرات مماثلة لصواريخ كروز. وتأتي هذه الطائرات الإيرانية "الانتحارية"، مثل "رائد 85" و"أبابيل"، مجهزة بمحركات بستون (مكابس)، ما يوفر وسيلة غير مكلفة للغاية لإيصال رأس حربي صغير إلى هدف على بعد مئات الكيلومترات.
وفي حين أن الجهود الإيرانية الأخرى، مثل برنامجها الفضائي، تعثرت مرارا وتكرارا تحت وطأة العقوبات الدولية، توفر تكنولوجيا صواريخ كروز طريقا فعالا لأسلحة أكثر دقة.
وحتى لو لم تكن متقدمة مثل صواريخ كروز الأمريكية وغيرها من الأسلحة الموجهة، فإن صواريخ كروز والطائرات بدون طيار الإيرانية لديها القدرة على ضرب الأهداف بدقة، بما في ذلك ربما هياكل محددة في المنشآت النفطية والقواعد الجوية، باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي "GPS" المتوفر تجاريا، وأنظمة الملاحة غير المكلفة بشكل كبير.
ويمثل الدفاع ضد هذه الأنواع من صواريخ كروز والطائرات "الانتحارية" تحديا خاصا، نظرا لأنها تطير عادة على ارتفاعات منخفضة، وفي حالة الطائرات بدون طيار، تسير بسرعات منخفضة للغاية. ويجعل هذا الكشف عنها بالرادار أمرا صعبا، ويوفر القليل جدا من الوقت للتحذير.
وتبقى أنظمة الدفاع الجوي والصاروخي، على الرغم من كلفتها الهائلة، غير كاملة.
على سبيل المثال، يوفر نظام الدفاع الجوي والصاروخي الأمريكي "باتريوت"، الذي تستخدمه دول الخليج على نطاق واسع، تغطية بزاوية 120 درجة، مما يحد من قدرته على ضرب طائرة بدون طيار أو صاروخ كروز.
وبعد تلك المعطيات، يتبين أن إيران باتت قادرة على ضرب أهداف عسكرية واقتصادية حساسة بجميع دول الخليج، بدقة أكثر بكثير مما كانت ستفعله الصواريخ الباليستية المكلفة، وهو ما يعني "دقة أكبر بكافة أقل".
إنها معادلة جديدة مثيرة للفزع في المنطقة.