تحوَّل الحديث عن إقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي من دائرة التهديد والابتزاز السياسي، ليدخل في إطار الاستعدادات البرلمانية الجادة والبحث عن البديل المناسب.
وبدأت الأصوات المطالبة بإقالة عبد المهدي تتزايد، لا سيّما بعد الخلافات العميقة التي ظهرت بينه وبين قيادات في "الحشد الشعبي" وآخرها رفض الحكومة تشكيل قوة جوية خاصة، فيما أعلن زعيم ائتلاف "سائرون" مقتدى الصدر قبل أيام "نهاية الحكومة العراقية" وبراءته منها.
وتنقل صحيفة "إندبندنت عربية" عن النائب عن كتلة "الحكمة" المعارضة علي الجوراني إنّ كتلته بصدد التخطيط لإنهاء عمل الحكومة، التي عجزت عن تنفيذ برنامجها الذي أعلنته العام الماضي، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الأوضاع الخدمية والاقتصادية السيئة.
وكشف الجوراني عن اتصالات بقيادات الكتل البرلمانية الأخرى لتشكيل جبهة معارضة كبيرة خلال الأسابيع المقبلة تكون قادرة على تغيير الحكومة.
أمّا كتلة "سائرون"، التي حصلت على الضوء الأخضر للإطاحة بالحكومة، فإنها بانتظار تعليمات أكثر دقة من الصدر الذي غادر إلى إيران، من دون أن يوجه نواب الكتلة بالعمل مع الكتل المعارضة الأخرى، فبعضهم يعتبر الحكومة قد دخلت "مرحلة الموت السريري"، فيما يرى آخرون وبينهم النائب وسام الخزاعي أن "تهديد الصدر للحكومة لم يكن الأول ولن يكون الأخير". ويشير إلى أن "عبد المهدي جاء باتفاق بين الفتح وسائرون، وإقالته تحتاج إلى اتفاق مشابه آخر".
وترى عضو كتلة "النصر" المعارضة ندى جودت أن "البحث عن بديل أهم من إقالة عبد المهدي، فغالبية الكتل اليوم غير راضية عن أداء الحكومة ومن الممكن تشكيل جبهة معارضة كبيرة".
وتضيف: "الحكومة الحالية غير قادرة على إنجاز الوعود التي أعلنتها. والأزمات في البلاد بدأت تتفاقم من دون حلول واضحة، وعلى الأطراف السياسية البحث عن البديل القوي القادر على تحقيق توافق وطني".
اللافت أنّ الكتل المنضوية في تحالف "البناء"، وهو الداعم الأكبر لرئيس الوزراء، بدأت منذ أيام بتوجيه الانتقادات اللاذعة إلى الحكومة، بعدما رفضت توجيه الاتهامات المباشرة إلى إسرائيل بقصف مواقع "الحشد الشعبي" في العراق، وكذّبت إعلانًا من نائب رئيس الحشد أبو مهدي المهندس بتشكيل قوية جوية خاصة، ما أثار كثيرًا من الاعتراضات والانقسامات داخل الحشد وتحالف "الفتح"، المشكل من قادة الفصائل المسلحة.
عضو ائتلاف "دولة القانون" جاسم محمد جعفر، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، قال أمس الأول السبت، إنّ تحالف الفتح غير راض عن تقارب عبد المهدي مع واشنطن وتراجعه عن وعود سابقة بمعالجة الوجود الأجنبي في العراق.
ويرجح أن يقدم عبد المهدي استقالته قبل أن تقوم الكتل البرلمانية، خصوصاً "الفتح" و"سائرون"، بإجراءات سحب الثقة منه.
ويرى مراقبون أنّ ما يتعرض له عبد المهدي، خصوصًا من قبل تحالف "الفتح"، يأتي في إطار الضغوط المكثفة الرامية إلى دفعه لتقديم مزيد من الدعم للحشد الشعبي في مواجهة الولايات المتحدة، ومساندة مشروع قانون "إخراج القوات الأميركية من العراق" والتخلي عن الاتفاق الأمني بين بغداد وواشنطن، حيث أنّ البرلمان العراقي بدا عاجزًا عن تمرير القانون طوال الشهور الماضية، بسبب تمسك الحكومة ببقاء القوات الأجنبية بحجة استمرار الحاجة إليها في مجال الدعم والمشورة والتدريب، إضافة إلى حماية ومراقبة الأجواء العراقية.
وحتى يكمل عبد المهدي ولايته الدستورية، فإنه يحتاج إلى دعم "الفتح" (48 نائبًا)، "وسائرون" (54 نائبًا) وبعض الكتل الصغيرة الأخرى لتحقيق الغالبية البرلمانية اللازمة من أصل 329 نائبًا، وهو أمرٌ لا يمكن ضمانه خلال الفترة المقبلة، بسبب تضارب المصالح والأهداف.
وترفض الكتل الكردية والسنية إخراج القوات الأمريكية الآن، ولن تسمح باستمرار عبد المهدي إذا ما أسهم في تمرير القانون المذكور، فيما يؤيد الصدر جلاء القوات الأجنبية لكنه يرفض تطور وتمدد "الحشد الشعبي" على حساب الأجهزة الأمنية الأخرى.
في المقابل، ترى "الحكمة" و"النصر" أن إقالة الحكومة لا ترتبط بملف الأمن فحسب، بل بملفات الخدمات والاقتصاد أيضًا.
وتشير المعلومات إلى وجود تحركات إيرانية مكثفة على الكتل البرلمانية الكبيرة لتأييد مشروع قانون إخراج القوات الأجنبية، حتى أن السفير الإيراني في بغداد ايرج مسجدي زار الرئاسات العراقية وقادة الأحزاب وطالبهم بالتنسيق لتمرير هذا القانون خلال جلسات البرلمان المقبلة.
وكان زعيم "حركة النجباء" أكرم الكعبي، أكد أن جلسة البرلمان المقبلة ستناقش مستقبل القوات الأميركية في العراق، وذكر في تغريدة أن "الجلسة المقبلة لمجلس النواب ستميز الأصيل الذي يمثل شعبه فعلاً عن الدخيل الذي سيخذل العراق".
ويضيف: "ما سيصدر من قرار باتجاه الوجود الأميركي سيكتبه التاريخ، وسيدون أسماء نواب الشجاعة والعزة في صفحات تاريخ العراق القوي المنتصر بحروف من نور، وأسماء نواب الذلة والخيانة بحروف من ظلام وبؤس".