بات من الواضح أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تمارس سياسة تقوم على المساومة العلنية لحكومة عبد الله حمدوك فيما يتعلق برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب.
ورغم أن الولايات المتحدة رفعت في 6 أكتوبر 2017، عقوبات اقتصادية وحظرًا تجاريًا كان مفروضًا على السودان منذ 1997، إلا أنها تواصل منذ 1993 إدراج اسمه في قائمة "الدول الراعية للإرهاب"؛ لاستضافته زعيم تنظيم القاعدة سابقا، أسامة بن لادن، ما حد بشكل كبير من فائدة قرار رفع العقوبات الاقتصادية.
وفي الثامن من أغسطس الماضي أعلنت الولايات المتحدة على لسان وكيل خارجيتها للشؤون السياسية ديفيد هيل إنها "ترهن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب بالتحول إلى حكومة مدنية، والاستجابة للشواغل الأمريكية المتعلقة بمكافحة الإرهاب".
وأضاف هيل خلال زيارته وقتها للخرطوم "السودان ما يزال ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، وواشنطن تنتظر ما ستفعله الحكومة المدنية بشأن كفالة الحريات وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، والشواغل الأمريكية الأخرى".
وقال هيل، إن "توقيع الإعلانين الدستوري والسياسي (في أغسطس الماضي) يمثلان لحظة تاريخية مهمة بالنسبة للسودانين".
وتابع أن "الإدارة الأمريكية تركز في علاقتها مع الحكومة المدنية على كفالة حقوق المرأة وتحقيق السلام والاستقرار، وإجراء تحقيق مستقل حول الجرائم التي ارتكبت في عهد النظام السابق (عمر البشير 1989- 2019)، والجرائم التي أعقبت سقوطه، والحيلولة دون الإفلات من العقاب".
وفي وقت سابق اليوم الثلاثاء 3 سبتمبر أعلن عبد الله حمدوك أن تفاهمات جرت مع واشنطن لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لافتا إلى إحراز تقدم كبير في سبيل ذلك.
وقال حمدوك: "بدأنا اتصالات مع الولايات المتحدة لرفع اسم السودان مع قائمة الإرهاب".
لكن مراقبين يشككون في صدق النوايا الأمريكية، ويقولون إن واشنطن لن تمنح الخرطوم "شيك على بياض" وإنما ستحاول استنزافها في ملفات عدة مقابل رفع اسمها من قائمة الإرهاب.
وخلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس المعزول عمر البشير أبدى السودان تعاونا كبيرا مع واشنطن وقدمت لها بحسب خبراء معلومات أمنية واستخباراتية هامة حول مكافحة ما يسمى "الإرهاب"، إلا أن اسمه ظل مدرجا ضمن القائمة الأمريكية لرعاية الإرهاب.
وبقاء السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، يضعه تحت رحمة قوانين أمريكية مثل قانون إدارة الصادرات، وقانون تصدير الأسلحة، وقانون المساعدات الخارجية للدول.
ويقول خبراء إن تلك القوانين تساهم في الحيلولة دون تقديم أية معونات أو مساعدات مالية للسودان، فضلا عن مساهمتها في حظر تصدير وبيع الأسلحة له، وفرض قيود على بيع وتصدير السلع ذات الاستخدام المشترك.
وربما كان هذا السبب وراء ربط حمدوك حديثه عن بدء اتصالات مع الإدارة الأمريكية حول رفع اسم بلاده من قائمة الدول الراعية للإرهاب بقوله إن السودان بحاجة إلى مساعدات خارجية بقيمة 8 مليارات دولار خلال العامين القادمين.
لكن وبلا شك فإن رهن واشنطن الإقدام على هذه الخطوة المهمة بتحول الحكم في السودان إلى حكومة مدنية، هو الوجه المعلن فقط للشروط الأمريكية.
وفي تصريحات صحفية سابقة له، لم يستبعد أستاذ العلوم السياسية في جامعة أم درمان الإسلامية أسامة بابكر رفع اسم السودان من قائمة رعاة الإرهاب "إذا ما تحققت رغبات جرى الحديث عنها خلف أبواب موصدة، مثل إقامة قاعدتين أمريكيتين في كل من المياه الإقليمية للسودان في البحر الأحمر وفي دارفور غربي السودان".
فيما يرى آخرون أن واشنطن تشترط على الخرطوم أيضا قطع علاقاتها مع بعض الكيانات والدول في المنطقة مثل حركة "حماس" الفلسطينية، فضلا عن إمكانية تطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل.
وبين ما إن كانت هناك شروط سرية يجرى التفاوض عليها خلف الأبواب المغلقة، بين واشنطن والخرطوم، حول رفع اسم الأخيرة من قائمة الإرهاب، من عدمه، تبقى الكرة في ملعب رئيس الوزراء السوداني الجديد عبد الله حمدوك.
ويعول السودانيون على حكومة حمدوك التي لا تزال في طور التشكيل في النهوض بالسودان من كبوته الاقتصادية وإنهاء اضطرابات متواصلة تشهدها البلاد منذ أن عزلت قيادة الجيش في 11 أبريل الماضي، عمر البشير من الرئاسة (1989 - 2019)، تحت وطأة احتجاجات شعبية منددة بتردي الأوضاع الاقتصادية.
وأدى حمدوك اليمين الدستورية رئيسا للحكومة السودانية، في 22 أغسطس الماضي، خلال المرحلة الانتقالية التي تستمر 39 شهرا، وتنتهي بإجراء انتخابات.