وصل التصعيد بين واشنطن وطهران من الحرب الكلامية والحشد العسكري إلى الحرب الإلكترونية في الآونة الأخيرة، عقب ساعات من إسقاط طائرة استطلاع أمريكية بدون طيار.
كشفت تقارير أمريكية، عن شن الولايات المتحدة هجوما إلكترونيا وواسعا على إيران، ما تسبب في وقف قاعدة بيانات هامة لديها، استخدمت لمهاجمة ناقلات نفط في الخليج .
وذكر مسئول رفيع لصحيفة "نيويورك تايمز"، أن الهجوم الإلكتروني الأمريكي، الذي وقع في شهر يونيو، تسبب في إعاقة مجموعة الاستخبارات التابعة، للحرس الثوري الإيراني، وقدرة إيران على تنفيذ هجمات سرية.
أمريكا تلجأ لـ "فيروس ستاكنت"
ومن أجل تنفيذ هجومها الإلكتروني على إيران، استعانت أمريكا بفيروس يحمل اسم "ستاكنت"، الذي تم اكتشافه للمرة الأولى في عام 2010، ويعتقد أنه تم تصميمه بواسطة أمريكا وإسرائيل، من أجل مهاجمة منشآت نووية إيرانية.
وأدت العملية إلى تدمير موقع لتخزين معلومات كانت تسمح للحرس الثوري باختيار أهدافه ومكان الهجوم، بحسب ما قال مسئول أمريكي كبر للصحيفة.
وقال نورمان راؤول، وهو ضابط استخبارات سابق للصحيفة الامريكية: "إن العمليات الإلكترونية الأميركية مصممة لتغيير سلوك إيران من دون بدء صراع أوسع أو التسبب في رد انتقامي".
A secret U.S. cyberattack against Iran in June wiped out a critical database that the country used to target oil tankers, officials saidhttps://t.co/5SMw4FOndn
— The New York Times (@nytimes) ٢٨ أغسطس ٢٠١٩
وأضاف"يجب عليك ان تنقل أمرا واحدا لعدوك بفاعلية، بان للولايات المتحدة قدرات متعددة والتي لن يتمكن العدو من الوصول إليها أبدا، لذلك من المفضل لجميع الأطراف أن يتوقفوا عن أعمالهم العدوانية".
ويرى رول أن الهجمات الإلكترونية تشبه إلى حد كبير العمليات السرية "لأن من النادر الاعتراف بها علنا".
ولطالما دخلت كل من الولايات المتحدة وإيران في نزاع سيبراني غير معلن، "مدروس بدقة" حتى يبقي في المنطقة الرمادية بين الحرب والسلم، بحسب نيويورك تايمز.
وأفاد التقرير أن إيران مازالت تحاول إصلاح أنظمة اتصالاتها الهامة، ولم تستعيد المعطيات التي فقدت في الهجوم الأمريكي عليها، كما أنها لم ترد عليه بعد.
ومنذ ذلك التاريخ لم تتعرض أي سفينة لحوادث لكن إيران حجزت الشهر الماضي ناقلة نفط سويدية ترفع العلم البريطاني في مضيق هرمز الذي يمر عبره ثلث كمية النفط في العالم التي تنقل بحرا ، بحسب "مونت كارلو".
وردت طهران بذلك على احتجاز السلطات البريطانية قبل أسبوعين ناقلة نفط إيرانية قبالة سواحل جبل طارق.
هل الهجوم ردًا على إسقاط الطائرة الأمريكية؟
يأتي هذا الهجوم الإلكتروني الذي نفذ في 20 يونيو ضد استخبارات الحرس الثوري، في أجواء متوترة في مضيق هرمز الاستراتيجي بعد هجمات على سفن تجارية نسبت إلى طهران التي نفت ذلك.
كما ووقع هجوم الولايات المتحدة الإلكتروني ضد إيران، بعدما أسقطت إيران طائرة مسيرة أمريكية فوق مضيق هرمز.
وذكرت الصحيفة أن البيت الأبيض اعتبر أن الهجوم المعلوماتي رد مناسب على تدمير الطائرة المسيرة.
US Blames Iran for Shooting Down American Drone Over Yemen
— Antiwar.com (@Antiwarcom) ٢١ أغسطس ٢٠١٩
Houthis say they built and used missile on US drone#Yemen #Iran #Houthis #dronehttps://t.co/8Li0VDk7xF pic.twitter.com/0aNEvjhmZQ
واعتبر كبير باحثي العلوم والتكنولوجيا والأمن القومي، كلون كيتشن، الهجوم الإلكتروني الأميركي بمثابة رد على إسقاط طهران للطائرة الأميركية المسيرة، بعد أن تم استبعاد الخيار العسكري في اللحظات الأخيرة.
وأكد كيتشن في مقابلة مع "سكاي نيوز" عربية ضمن برنامج غرفة الأخبار، أن الهجوم الإلكتروني والاستهداف الإيراني للطائرة الأميركية أمران مرتبطان، لا سيما أن الأخير جاء وسط استفزازات إيرانية في مياه الخليج.
وأوضح الخبير التكنولوجي في حديث من واشنطن، أن الإدارة الأميركية على ما يبدو ارتأت في نهاية المطاف القيام بهجوم إلكترونية لتعطيل قدرات إيران على اعتراض السفن في مياه الخليج واستبعاد الخيار العسكري الذي كان مطروحا على الطاولة.
وقال كيتشن إن هناك هدفين من وراء الاستهداف الأميركي الإلكتروني لقاعدة البيانات الإيرانية، الأول يهدف إلى تعطيل قدرات الحرس الثوري على استهداف السفن التي تمر عبر مضيق هرمز.
أما الهدف الثاني فهو من أجل أن تظهر الولايات المتحدة لإيران قدرة واشنطن على وقفها عند حدودها إن كان حاولت إبداء نوايا شريرة، وأن تكلفة اعتداءاتها وهجماتها في مضيق هرمز ستكنون باهظة.
وأعرب الخبير الأميركي عن أمله في أن يكون الهجوم الإلكتروني الأميركي قد أفهم إيران بعدم اتخاذ أي خطوات استفزازية تجاه السفن التجارية في منطقة مضيق هرمز.
وأرجع كيتشن الهدوء النسبي الذي تشهده مياه الخليج ومنطقة مضيق هرمز مؤخرا إلى تحجيم الهجوم الإلكتروني الأميركي قدرات الحرس الثوري في اعترض المزيد من السفن.
وبينما أكد مسئولون غربيون محاولات إيران استعادة المعلومات التي تم تدميرها خلال الهجوم الإلكتروني، قال كيتشن إن إيران ستواجه مصاعب كبيرة من أجل إعادة بناء قاعدة البيانات من جديد.
أمريكا خسرت بهجومها الإلكتروني
لكن بعض المسئولين الأمريكيين في وكالة الاسخبارات الأمريكية، انتقدوا الهجوم الالكتروني، إذ يرون أن الولايات المتحدة فقدت بسببه قدرتها على الوصول إلى شبكة الحرس الثوري، كما كشفت بعض نقاط ضعفها.
وقالوا للصحيفة، إن هجوما من هذا القبيل يمكنه ان يحسن الدفاع الالكتروني الإيراني، ومنع هجمات مشابهة مستقبلا، والحصول على معلومات استخباراتية.
ونفى تقرير "نيويورك تايمز" تقارير سابقة، أفادت بأن الهجوم الإلكتروني الأمريكي، استهدف قدرات إيران على إطلاق صواريخ.
وبحسب التقرير، فإن إيران تنفي التقارير السابقة بأنها تعرضت لهجوم الكتروني في أعقاب إسقاط الطائرة المسيرة الأمريكية.
وشهدت العلاقات الأمريكية الإيرانية توترا وتصعيدا عسكريا، وذلك بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي الذي وقع عام 2015 مع طهران، وبعدها وقوع هجوم على ناقلتي نفط في بحر عُمان، إضافة إلى إسقاط طائرة استطلاع أمريكية حديثة بصاروخ إيراني فوق مضيق هرمز، واحتجاز حكومة مضيق جبل طارق التابعة لبريطانيا ناقلة نفط إيرانية قالت إن وجهتها سوريا التي يفرض عليها الاتحاد الأوروبي عقوبات.
وقال بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، ن الولايات المتحدة ارتكبت خطأ "فادحا" بالانسحاب من الاتفاق النووي المبرم في 2015 بين إيران وقوى عالمية.
وأضاف كمالوندي: "الانسحاب من الاتفاق كان خطأ فادحا من الأمريكيين… تسبب في هذه المشاكل كلها. حصل (أطراف الاتفاق) الأوروبيون على ما يكفي من الوقت لإنقاذ الاتفاق".
وشددت واشنطن العقوبات على إيران التي ردت برفع تخصيب اليورانيوم إلى أبعد من الحدود التي حددها الاتفاق، وزيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى أكثر من 300 كيلو غرام.
وفي أواخر شهر يونيو الماضي، أسقطت إيران طائرة مسيرة أمريكية، قالت إنها دخلت مجالها الجوي، بينما ذكرت واشنطن أنها كانت في الأجواء الدولية.
وتراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في اللحظة الأخيرة عن قرار شن ضربات جوية على إيران ردا على إسقاط الطائرة.
وقال "ترامب" في مقابلة مع شبكة "إني بي سي" وقتها: "لم أعتقد أنه مناسب".