تزايدت المخاوف لدى سكان العاصمة الليبية طرابلس من احتمال انفجار الوضع الأمني، في أعقاب جلب الأطراف المتقاتلة في ضواحي المدينة كميات كبيرة من الأسلحة، فيما تحدثت مصادر عن جبهة جديدة وعمليات تضليل إعلامي وحملات ضغط ودعاية بدلا من استخدام قوة السلاح للسيطرة على حقول النفط والثروة النفطية.
وتعيش ليبيا تحت وقع المعارك الدائرة في تخوم طرابلس منذ أطلق القائد العسكري للمنطقة الشرقية خليفة حفتر في الرابع من أبريل الماضي، عملية «بركان الغضب» للسيطرة على العاصمة، بزعم «تطهيرها من الميليشيات».
واصطدمت قوات حفتر بالقوات الموالية لحكومة الوفاق المعترف بها دوليا، والتي اعترضت زحف القوات الآتية من الشرق، ما جعل الحرب تراوح مكانها منذ أكثر من شهرين.
تكدس الأسلحة في طرابلس
قال سكان في حي العزيزية في طرابلس إن الأسلحة التي يتم تجميعها حالياً من أحجام مختلفة، تدلُ على أن الوضع يسير نحو مواجهة شاملة، ستكون آثارها قاسية جداً على السكان المدنيين، الذين نزح كثيرٌ منهم من العاصمة إلى مدن أخرى أو غادروا إلى تونس.
واستبعد السكان أن يكون تكديس الأسلحة لمجرد التأثير في مسار المحادثات إذا ما اتفق الجانبان المتصارعان على الجلوس على مائدة الحوار ، غير أنهم أكدوا أن الوضع كان هادئاً الأحد في العاصمة، وأن الاشتباكات الخفيفة اقتصرت على المحاور التقليدية في جنوب طرابلس.
وفي السياق جدّد مجلس الأمن الدولي، تفويض الدول الأعضاء تفتيش سفن يُعتقد أنها تنتهك حظر توريد الأسلحة في أعالي البحار قبالة سواحل ليبيا. وكان ذلك خلال جلسة عقدها المجلس الاثنين، لمناقشة تطورات الأوضاع في ليبيا.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية ارتفاع حصيلة القتلى في الاشتباكات الدائرة حول العاصمة الليبية طرابلس، إلى 635 قتيلاً حتى الآن.
وذكرت المنظمة في بيان لها، مساء الأحد، أن حصيلة القتلى شملت 41 مدنياً لقوا مصرعهم في الاشتباكات، في حين أصيب أكثر من 3550 شخصاً آخرين، من بينهم ثلاثة من العاملين في المجال الطبي.
ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، فإن أكثر من 90 ألف شخص أُجبروا على مغادرة منازلهم، بسبب الاشتباكات الدائرة حول طرابلس، وحذرت من أن "أُسر النازحين داخلياً، الذين نزحوا إلى مواقع قريبة من مناطق النزاع، ما زالت معرَّضة للخطر، إلى جانب أفراد المجتمع المضيف الذين يوفرون لهم المأوى".
وكانت الأمم المتحدة طالبت، السبت الماضي، بإعلان هدنة إنسانية عاجلة، على خلفية القتال المتواصل في طرابلس.
وجاء هذا الطلب على لسان المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة، في أثناء زيارته التفقدية لمدرسة أبو ذر الغفاري في حي الأندلس بطرابلس والتي تستقبل النازحين عن مناطق القتال في ضواحي العاصمة.
البلاد على أبواب تسوية
من جهة أخرى، قال رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، إن البلاد كانت على أبواب تسوية سياسية بعد لقائه السادس في أبوظبي مع اللواء المتقاعد حفتر.
وأفاد أن اللقاء أثمر التأكيد على جملة من القضايا أبرزها، «استبعاد الحل العسكري، ودعم المؤتمر الوطني الجامع، ووضع استراتيجية لبناء الجيش الليبي الموحد تحت سلطة مدنية، واعتماد مسار إعلامي ناضج بعيداً عن خطاب التأجيج والكراهية».
جاء ذلك لدى استقبال السراج الأحد رئيس لجنة الاطلاع الأوروبية رفيعة المستوى، وأعضاءها، وهي تضم شخصيات سياسية ودبلوماسية وأكاديمية وإعلامية من مختلف الدول الأوروبية.
واعتبر السراج أن الهجوم على طرابلس يشكل «محاولة انقلاب لتقويض العملية السياسية، وهو رفض عملي للانتخابات وللدولة المدنية».
حفتر يلعب بورقة النفط
ومع تكدس الأسلحة وطول أمد المعركة أصبحت عملية السيطرة على العاصمة تفلت من يد الجنرال خليفة حفتر حيث لا تزال قواته عالقة في النواحي الجنوبية من العاصمة ، وقالت صحيفة "التايمز" البريطانية أن حفتر قرر أن ينقل المعركة إلى حقول النفط والثروة النفطية.
وقال مراسل "التايمز" أن مصطفى صنع الله، مدير الشركة الوطنية الليبية للنفط ـ حارسة ثروة ليبيا من النفط – واع للرهانات والقتال على 1.2 مليون برميل نفط تنتجه البلاد كل يوم.
وفي مقابلة مع الصحيفة قال إنه "لو تم تقسيم القطاع النفطي فستدمر ليبيا". وأضاف أن "الشركة الوطنية للنفط هي الصمغ الذي يجمع البلد، وعلينا القتال من أجل بلدنا ووحدته. ولو تمزق البلد فسيتحول لمجتمع ريفي وليس بلدان بل مقسم بالكامل".
وتتمتع شركة النفط التي لا تتحزب لطرف، بحماية من قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة ويتم الرقابة عليها بشكل دقيق، وهي الجهة الوحيدة في البلد ذات الصلاحية لتصدير النفط الخام وتوزيع العائدات منه على البلاد.
لكن قوات حفتر تسيطر على معظم المنشآت النفطية في البلاد بشكل دفع حلفاءه في داخل ليبيا الدعوة لكسر احتكار شركة النفط الوطنية والسيطرة على عملية تصدير النفط الخام في المناطق الخاضعة لهم. إلا أن صنع الله والمحللين الدوليين حذروا من سيناريو كهذا بشكل يحول الحرب الأهلية إلى نوع جديد من النزاع وهي الحرب على النفط التي تتصاعد منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي عام 2011.
وحذر قائلا "لو تم كسر الإحتكار فسيطول أمد النزاع وستنقسم البلاد أكثر" و"سيستخدمون المال لتغذية الحرب".
وفي تقييم أعدته الشركة عن السيناريوهات الخطيرة الناجمة عن تشرذم ليبيا ورد فيه أن النزاع سيتصاعد ويتوقف إنتاج النفط وارتفاع سعر النفط العالمي، مما سيترك آثاره على البلاد التي تشكل الثروة النفطية 95% من صادراتها.
وكانت صحيفة "تاجس شاو" الألمانية قد أشارت في 6 مايو الماضي إلى محاولة حفتر تحويل الصراع العسكرى إلى اقتصادي ليلعب بأكبر ورقة رابحة وهو النفط، الذى يستحوذ عليه منذ عام 2016 ، ويمتلك السيطرة على جميع حقول النفط الرئيسية في ليبيا تقريبًا.