يبدو أن رئيس النظام السوري بشار الأسد بدأ في رد الجميل لروسيا، أقوى حلفاء دمشق والتي ساعدته على استعادة السيطرة على أغلب البلاد ، فقرر الأسد أن يمنح الرئيس فلاديمير بوتين ميناء طرطوس ليصبح موضع قدم عسكري وتجاري قوي لروسيا في الشرق الأوسط ، وهو ما يعد "نصرًا إسترتيجيًا" لموسكو التي سعت دائمًا إلى إيجاد موطئ قدم لها، طويل الأمد، في المياه الدافئة.
ورغم أن روسيا هي أكبر دول العالم مساحة، تمتد من شرق أوروبا إلى أقصى شرق آسيا، لكن هذه البلاد القارية الضخمة عانت من "لعنة الجغرافيا" التي لم تمنح لها سوى البحار المغلقة أو المياه المتجمدة، فكان الحلم الذي راود قادتها وزعماءها منذ حقبة القياصرة وصولًا إلى الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، هو الوصول إلى البحار المفتوحة والمياه الدافئة.
وبعد أن وقفت روسيا بكل قوتها إلى جانب النظام السوري، تتطلع الآن إلى قبض ثمن الفاتورة، خاصة أن العمليات القتالية الكبرى قد هدأت، بعد 8 سنوات من المعارك الدامية، وحان الوقت للحصول على المكافأة.
وأودت الحرب السورية بحياة مئات الآلاف من الأشخاص وشردت نحو نصف عدد السكان قبل الحرب الذي كان يبلغ 22 مليون نسمة.
وتدخلت موسكو عسكرياً في سوريا في عام 2015 لدعم الأسد وقلبت موازين الحرب لصالحه.
وصدق البرلمان الروسي في 2017 على اتفاق مع نظام الأسد لترسيخ وجود روسيا في سوريا ولتمهيد الطريق أمام وجود عسكري دائم في قواعد بحرية وجوية هناك.
كما تم الاتفاق على قيام روسيا بتوسيع وتحديث إمكانيات الميناء لتقديم خدمات وتسهيلات لأسطولها.
وتدفع موسكو من أجل بدء عملية سياسية تتضمن إجراء محادثات حول صياغة دستور جديد وإجراء انتخابات كوسيلة لإنهاء الصراع لكن الأسد قلل من إمكانية مشاركة المعارضة المدعومة من تركيا أو دول أجنبية في العملية.
الاستئجار لـ 49 عامًا
وقال نائب رئيس الوزراء الروسي، يوري بوريسوف، للصحفيين بعد اجتماع مع الرئيس السوري بشار الأسد أن ميناء طرطوس في سوريا سيتم تأجيره إلى روسيا لمدة 49 عامًا للنقل والاستخدام الاقتصادي خلال الأسبوع المقبل.
وأضاف بوريسوف "إن القضية الرئيسية التي يجب أن تعطي ديناميكية إيجابية هي استخدام ميناء طرطوس. لقد جمعت الزيارة جميع هذه الاتفاقات. لقد تقدمنا بشكل جيد للغاية في هذا الأمر ونأمل أن يتم توقيع العقد خلال أسبوع ، ولمدة 49 عامًا سوف يبدأ تشغيل ميناء طرطوس أمام العمليات التجارية الروسية".
ووفقا له، اتخذ هذا القرار في اجتماع للجنة الحكومية الدولية في ديسمبر من عام 2018.
ويعتقد بوريسوف أن هذه الخطوة سوف تعطي ديناميكية جدية للتجارة المتبادلة. مضيفا "آمل أن يكون هذا لصالح الاقتصاد السوري أولاً".
التواجد العسكري الروسي
ووقعت موسكو ودمشق في وقت سابق، على اتفاقية حول توسيع مركز الإمداد المادي والتقني التابع للأسطول الحربي الروسي في طرطوس.
وتسمح الاتفاقية بتواجد 11 سفينة حربية، بما في ذلك والنووية منها في آن واحد، لمدة 49 عاما، مع إمكانية التجديد التلقائي لفترات لمدة 25 عاما.
وتنص الاتفاقية، التي بدأ تطبيقها في 18 يناير 2017، بأن تتولى روسيا حماية مركز الإمداد التابع لأسطولها، في البحر والجو، فيما تتولى سوريا الدفاع عن المركز من البر.
وتنص الوثيقة، على وجه الخصوص، على أن يسلم الجانب السوري لروسيا للاستخدام المجاني طوال مدة الاتفاق، الأراضي والمياه في منطقة ميناء طرطوس، فضلا عن العقارات التي لم يتم الإعلان عنها رسميا.
وقالت مصادر أن روسيا كانت قد وافقت في عام 2005 على إسقاط 73% من الديون العسكرية السورية مقابل استخدام ميناء طرطوس، وإمدادها بالمعدات التقنية وما يلزم لتحديث البنية التحتية للكثير من المناطق السورية.
رمزًا للنفوذ العسكري
وقال مسئولو البحرية الروسية، أنه يُمكن لميناء طرطوس أن يكون مركزًا للطرادات ذات الصواريخ الموجَّهة مستقبلًا أو حتى لحاملات الطائرات.
واعتادت روسيا منذ حقبة الحرب الباردة الاحتفاظ بقطع بحرية في البحر المتوسط، لكن لا توجد أي قاعدة عسكرية يُمكن أن ترسو فيها هذه القطع سوى ميناء طرطوس، الذي بات يشكل رمزًا للنفوذ الروسي في سوريا والشرق الأوسط ، بحسب "آرم نيو".
ومع التوقيع على اتفاق استئجار ميناء طرطوس، يرى خبراء أن روسيا كسبت وجودًا طويل الأمد في المنطقة بما يضمن ألا تكون القطع البحرية الروسية مثل "البراميل العائمة"، كما كان يصفها عسكريون روس إبان الحرب الباردة، حينما كانت الأساطيل الروسية لا تجد قواعد ترسو فيها خاصة في المتوسط، على عكس القواعد الأمريكية المنتشرة في كل مكان.