بعد أكثر من شهر من الاحتجاجات والصيحات الجماهيرية ضد العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، وما أعقبه من ارتباك سياسي ضرب البلاد، ها هو الرئيس القعيد يعلن استقالته، تاركا البلاد أمام مستقبل ربما يصعب التكهن به.
الجزائر، وبعد استقالة رئيسها المريض، باتت أمام مستقبل غامض، سيناريوهات وتكهنات، باتت هي المصير المحتمل لبلد عانى طيلة سنوات من الفقر والقمع، والجمود السياسي، بحسب مراقبين.
فترة انتقالية
السيناريو الأول بعد استقالة بوتفليقة، ستكون الفترة الانتقالية هي بطل الأحداث في الشارع الجزائري، فمع التفعيل لـ"المادة 102" من الدستور الجزائري، التي تنص على شغور منصب رئيس البلاد، أصبح رئيس مجلس الأمة، عبد القادر بن صالح، أمام مسؤولية تاريخية تتمثل بتوليه الرئاسة بالنيابة مدة 90 يوماً.
ولإقرار شغور منصب رئاسة البلاد، يتعين على المجلس (المحكمة) الدستوري، الانعقاد لمناقشة استقالة الرئيس وإقرار حالة الشغور، في حين يجتمع لاحقاً البرلمان بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة)، ليتولى رئيس مجلس الأمة منصب رئيس الجزائر بالنيابة.
وفقاً لسيرته الذاتية، وُلد "بن صالح" في 24 نوفمبر 1941، بـ"بني مسهل" في بلدية "المهراز"، بدائرة فلاوسن في ولاية تلمسان (غربي البلاد)، والتحق بصفوف الثورة ضد الاستعمار الفرنسي عام 1959، انطلاقاً من المغرب.
بن صالح
واستهل "بن صالح" حياته العملية منتصف الستينيات، في المجال الصحفي، ليبدأ بعدها الرجل حياته السياسية في عام 1977، عندما انتُخب نائباً برلمانياً عن ولاية تلمسان، ثلاث فترات متتالية.
وغادر العمل البرلماني منتقلاً إلى السلك الدبلوماسي، عندما عُيّن سنة 1989 سفيراً لبلاده لدى المملكة العربية السعودية، ثم ناطقاً باسم الخارجية عام 1993، ثم عاد إلى امتهان العمل النيابي رئيساً للمجلس الانتقالي (برلمان أزمة التسعينيات)، قبل أن يؤسس رفقة ساسة آخرين حزب التجمع الوطني الديمقراطي (من الائتلاف الحاكم)، وتولى رئاسته سنة 1997.
وتدرج "بن صالح" في المسؤوليات إلى أن وصل إلى منصب الرجل الثالث في الدولة، عندما انتُخب رئيساً لـ"المجلس الشعبي الوطني" في الفترة من 1997 إلى 2002.
في عام 2001، اشتد الخلاف بين الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ورئيس مجلس الأمة آنذاك، بشير بومعزة، وعُزل الأخير من منصبه، ليخلفه عبد القادر بن صالح، صيف عام 2002.
ومنذ ذلك التاريخ، يشغل "بن صالح" منصب الرجل الثاني في الدولة، ولم تتزعزع ثقة الرئيس بوتفليقة بشخصه، على الرغم من أن انتخابات التجديد النصفي للغرفة الثانية للبرلمان تتم كل 3 سنوات.
صراع الجنرالات
يعد صراع الجنرالات في الجيش أحد أهم ملامح مستقبل الجزائر، خصوصا بين من هم في الجيش وبين من غادروا المؤسسة العسكرية أمثال الفريق مدين رئيس جهاز المخابرات السابق.
الجنرالات القدامى في الجيش، يأتي على رأسهم الفريق أحمد قايد صالح، الذي طيلة الشهر الفائت تناقضت تصريحاته، تارة مهددة للمحتجين، وأخرى رافضة لبقاء بوتفليقة، عبر إعلانه الشغور الرئاسي وتفعيل المواد الدستورية، والتي كانت سببا في إرغام بوتفليقة على الاستقالة والتنحي.
أنصار بوتفليقة
أيضا ربما يكون لأنصار بوتفليقة دورا هاما في مستقبل الجزائر، خصوصا بعد تورط بعضهم في قضايا فساد، لذلك وبحسب مراقبين قد يشكلوا طرفا في المعادلة السياسية في البلاد.
السعيد بوتفليقة
أنصار بوتفليقة ظهروا قبل أيام من استقالة بوتفليقة، وعلى رأسهم شقيق الرئيس، السعيد بوتفليقة، وشخصيات سياسية معارضة، بينها شخصيات حكومية سابقة، في العاصمة الجزائرية، لمناقشة مسألة تشكيل هيئة رئاسة انتقالية تدير المرحلة المقبلة.
ومن المؤكد أن تلك الشخصيات لن تقف دون أن يكون لها دور في المرحلة المقبلة، بحسب مراقبين.
الأحزاب الإسلامية
القوى الإسلامية في الجزائر والتي عانت طيلة حكم الرئيس بوتفليقة، لن ترى في صعودها أفضل من المرحلة الحالية، خصوصا مع نجاحها في الحشد الشعبي في الاحتجاجات الأخيرة.
عبد الرزاق مقري
حركة "مجتمع السلم"، المحسوبة على تيار الإخوان المسلمين في الجزائر، والتي يرأسها عبد الرزاق مقري، ربما تكون الأوفر حظا في المرحلة المقبلة.
رصيد الحركات والأحزاب الإسلامية في الشارع الجزائري، يمنحها القدرة على حشد أصوات انتخابية في دعم المرشح المقبل لانتخابات الرئاسة.
المعارضة الجزائرية
للمعارضة الجزائرية حسابات كبرى في مستقبل الجزائر، لكن المعارضة رغم توحدها في المطالبة بإسقاط الرئيس بوتفليقة، ربما لن تتفق في المستقبل السياسي، خصوصا وأن مواقفها مؤخرا جاءت متباينة، كشفها إعلان الجيش عن شغور منصب الرئيس.
ومؤخرا، تباينت مواقف الأحزاب السياسية الجزائرية حيال طلب نائب وزير الدفاع الوطني رئیس أركان الجیش الفريق أحمد قايد صالح، تطبيق المادة 102 من الدستور الجزائري والتي تنظم حالة إثبات شغور منصب رئیس الجمهورية بالمرض أو العجز.
ودعا حزب التجمع الوطني الديمقراطي، وهو ثاني قوة سياسية في الجزائر، في بيان وقعه أمينه العام أحمد أويحيى، إلى استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة طبقا للفقرة الرابعة من المادة 102 من الدستور بغية تسهيل دخول البلاد في المسار الانتقالي المحدد طبقا للدستور.
في حين، أشاد رئيس حزب طلائع الحريات، رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، في بيان، بما أسماه نية قيادة الجيش الوطني الشعبي في الاضطلاع بواجبها الوطني بغية الإسهام في خروج فوري من الأزمة الراهنة.
خليفة بوتفليقة
بعد مرور المرحلة الانتقالية التي ستشهدها الجزائر خلال الـ 90 يومًا المقبلة، سيتنافس مرشحون لخلافة بوتفليقة، على رأسهم عبد العزيز بلعيد، رئيس حزب جبهة المستقبل، الذي حل ثالثا في انتخابات 2014 بـ3.36 بالمائة من الأصوات.
في حين يتنافس، علي بن فليس رئيس وزراء الجزائر السابق، على نفس المنصب، كما يأتي عبد المالك سلال رئيس الحكومة السابق، ضمن القائمة المتوقعة.
أيضا، يأتي رئيس المخابرات السابق محمد مدين، كأحد المرشحين، إضافة إلى عبد الغاني هامل المدير العام للأمن الوطني بالجزائر السابق.
رؤساء الحكومات الجزائرية السابقة، مثل مولود حمروش، وبن بيتور أحمد، وأحمد بن فليس من المطروح أسمائهم أيضا للترشح للرئاسة.
يذكر أنه قبل ساعات، قالت وكالة الأنباء الجزائرية، إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أبلغ المجلس الدستوري قراره بإنهاء ولايته الرئاسية، وذلك بعد أربعين يوماً من الاحتجاجات الشعبية التي تطالب بإسقاط النظام الحاكم برئاسته المتواصل منذ 20 سنة.
جاء ذلك بعد دقائق من إعلان الفريق قايد صالح، رئيس أركان الجيش الجزائري، أنه "لا مجال للمزيد من تضييع الوقت"، وأنه يجب فوراً تطبيق الحل الدستوري، الذي يقر بشغور منصب الرئاسة.
وذكرت "قناة النهار" الجزائرية الخاصة أن رئيس الأركان الجزائري أكد رفضه أي قرارات غير دستورية، متهماً أطرافاً وصفها بالمقربة بـ"محاولة تنفيذ مخططات دنيئة".
وقال صالح، في بيان لوزارة الدفاع الوطني الجزائرية: إن "بيان الرئاسة الصادر أمس صدر عن جهات غير دستورية"، مضيفاً أن "الجيش يعمل على حماية الشعب من العصابة التي حاولت تهريب الأموال للخارج".
وذكر تلفزيون "النهار" أن اجتماع رئاسة هيئة الأركان تمخض عن "توافق بين قيادة الأركان والقوات المسلحة بخصوص الوضع".
وكان رئيس أركان الجيش دعا، السبت الماضي، المجلس الدستوري إلى إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة (82 عاماً) غير لائق للحكم.
ونفت وزارة الدفاع الجزائرية، قبل أيام أنباء تحدثت عن إقالة الفريق قايد صالح من قبل الرئيس بوتفليقة.
وجاء ذلك النفي بعدما تداولت وسائل إعلام وثيقة على أنها مرسوم رئاسي، أقال من خلاله بوتفليقة قائد الأركان الذي يشغل أيضاً منصب نائب وزير الدفاع.
وذكرت نفس الوثيقة أن قايد صالح تم استخلافه باللواء سعيد باي، القائد السابق للمنطقة العسكرية الثانية (غرب)، والذي أقيل الصيف الماضي من منصبه وأحيل على التقاعد.
وتشهد الجزائر احتجاجات مستمرة منذ 22 فبراير الماضي، للمطالبة برحيل بوتفليقة عن الحكم، رغم إعلانه في وقت سابق تخليه عن الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة.