على أرض الجيب الأخير لتنظيم "الدولة" (داعش) في بلدة الباغوز في شرق سوريا، بدت راية ممزقة للتنظيم المتطرف ملقاة أرضًا، شاهدة على ما آلت إليه "خلافة مزعومة" سيطرت في 2014 على مناطق شاسعة في سوريا والعراق المجاور.
على بعد أمتار من نهر الفرات، كانت هذه الراية قبل قبل أيام قليلة ترفرف فوق مبنى في البلدة الصغيرة النائية التي لم يسمع بها أحد بها قبل أشهر، وباتت اليوم المكان الذي اُعلن منه انتهاء التنظيم بعد سنوات أثار خلالها الرعب.
في الموقع نفسه، ترك مقاتلو التنظيم حزامًا ناسفًا، من بين عشرة على الأقل، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، التي نقلت عن رامي (30 عامًا)، المقاتل في قوات سوريا الديمقراطية: "منذ ثلاثة أيام كنا نحاول التقدم ولو لأمتار قليلة، أمّا الآن فقد انتهينا من داعش ورايته السوداء، ورفعنا رايتنا" قبل أن يكمل طريقه وهو يشعر باعتزاز.
ورفعت قوات سوريا الديمقراطية، اليوم السبت، فور إعلانها القضاء التام على ما تُسمى بـ"الخلافة" رايتها الصفراء اللون على مبنى مؤلف من طبقتين، اخترق الرصاص والقذائف جدرانه وسط الباغوز.
على سطح مبنى مهجور في البلدة، سارع عددٌ من المقاتلين إلى خلع زيهم العسكري وارتداء ثياب رياضية وأحذية خفيفة، لقد اختلف الأمر كثيرًا، فقبل يومين فقط فوجئ هؤلاء أثناء قيامهم بتمشيط المخيم بخروج ثلاثة انتحاريين من أحد الأنفاق.
وروى مقاتل (25 عامًا) هو من قرية صغيرة في محافظة دير الزور عرّف عن نفسه باسم "أشقراني": "خرج ثلاثة انتحاريين يحملون أحزمة (ناسفة) وراحوا يجرون.. خفنا.. قتلنا أحدهم بينما فجّر الآخران نفسيهما".
وتسبب ذلك بإصابة رفيقه بجروح طفيفة، نقل على إثرها للعلاج إلى مدينة القامشلي، شمال شرق سوريا.
ولدى إعلان القضاء على التنظيم في الباغوز، سارع هذا المقاتل الذي ارتدى سروالاً رياضيًّا ضيقًا وحذاء صيفيًّا، إلى إطلاق الرصاص فرحًا حتى نفاذ ذخيرة سلاحه الرشاش، على حد قوله. وقاطعه زميله قائلاً: "وضعنا الموسيقى ورقصنا الدبكة".
وقال الشاب إنّه يترقب بفارغ الصبر العودة إلى قريته للقاء خطيبته: "أخبرتها أننا انتهينا وسنعود، فرحت كثيرًا.. ننتظر حفلة زفافنا خلال عشرة أو عشرين يومًا إن شاء الله".
تحول المخيم، حيث تحصن مقاتلو التنظيم قبل انكفائهم قبل أيام إلى جيوب قرب الفرات، الذي تقع الباغوز على ضفافه الشرقية بمحاذاة الحدود العراقية، إلى بقعة مكتظة بالخردة والخنادق.
ورصدت الوكالة مئات السيارات والشاحنات الصغيرة وحتى صهاريج مياه، باتت بغالبيتها عبارة عن هياكل حديدية محترقة، بالإضافة إلى دراجات نارية وأدوات منزلية من قدور وصحون وغاز للطهي وحتى مولدات كهرباء موزعة كيفما اتفق.
وبدا أن مقاتلي التنظيم قد استخدموا كل ما توفر لديهم لصنع هذه الخيم، من بطانيات وأقمشة وستائر ثبتوها على دعائم من الحديد أو بين أشجار يبست أغصانها.
وقبل وقت قصير من إعلان قوات سوريا الديموقراطية انتصارها على التنظيم، كان يمكن سماع دوي رشقات نارية وقذائف هاون، ورؤية مقاتلين بعضهم لف وجهه بوشاح، ينتشرون على أسطح عدد من الأبنية أو خلف سواتر ترابية، في حين تصاعدت أعمدة الدخان فوق البلدة.
وقال المقاتل هشام هارون ابن الحسكة (شمال شرق) لفرانس برس، إنّه في اليومين الأخيرين تمّ استدعاء "كوادر" من القوات الخاصة في قوات سوريا الديمقراطية.
وأضاف: "من بقي حتى النهاية من داعش كانوا بغالبيتهم.. من تونس والمغرب ومصر. احتجنا حنكة قتالية مقابل تمرسهم".
على بعد أمتار منه، شرح مقاتل من أبناء دير الزور لم يفصح عن اسمه أن "المعارك كانت شديدة" في الأيام الأخيرة.
ويقول: "الحمدالله انتهينا من داعش.. ارتحنا وارتاحت نفسياتنا وقلوبنا".